حكم استعمال الذكاء الصناعي في طلب الفتوى

Consultation Image

الإستشارة 16/08/2025

هل يجوز استعمال الذكاء الصناعي في الفتوى، وهل يمكننا الاعتماد على فتواه؟

الإجابة 16/08/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فلا يجوز استعمال الذكاء الصناعي في الفتوى، حيث إن الفتوى تحتاج إلى نوعين من الاجتهاد؛ النوع الأول: اجتهاد تأويل، وهو معرفة الحكم الفقهي من أدلته التفصيلية، وهذا قد يفيد فيه الذكاء الصناعي حيث إنه يمثل أداة بحثية متطورة يمكنها الوصل إلى الحكم الفقهي من خلال ما هو متاح على الشبكة العنكبوتية.

 

النوع الثاني: اجتهاد تنزيل؛ وهو إنزال الحكم الفقهي على النازلة موضع السؤال وهذا الاجتهاد يتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، وهذا لا يفيد فيه الذكاء الصناعي.

 

والفتوى منصب عظيم الأثر، بعيد الخطر؛ فالمفتي -كما قال الإمام الشاطبي- قائم مقام النبي ﷺ فهو خليفته ووارثه "العلماء ورثة الأنبياء"، وهو نائب عنه في تبليغ الأحكام، وتعليم الأنام، وإنذارهم بها لعلهم يحذرون، وهو إلى جوار تبليغه في المنقول عن صاحب الشريعة.. قائم مقامه في إنشاء الأحكام في المستنبط منها بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه - كما قال الشاطبي - شارع، واجب اتباعه، والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق.

 

واعتبر الإمام أبو عبد الله بن القيم المفتي مُوقِّعًا عن الله تعالى فيما يفتي به، وألَّف في ذلك كتابه القيم المشهور "إعلام الموقعين عن رب العالمين" الذي قال في فاتحته: "إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات؟!".

 

وقد عرف السلف -رضي الله عنهم- للفتوى كريم مقامها، وعظيم منزلتها وأثرها في دين الله وحياة الناس، ومن هذا تهيبهم للفتوى، وتريثهم في أمرها، وتوقفهم في بعض الأحيان عن القول، وتعظيمهم لمن قال: "لا أدري" فيما لا يدري، وإزراؤهم على المتجرئين عليها دون اكتراث، استعظامًا منهم لشأنها، وشعورًا بعظم التبعة فيها.

 

وأول الناس في ذلك الصحابة؛ فكان كثير منهم لا يجيب عن مسألة حتى يأخذ رأي صاحبه، مع ما رُزقوا من البصيرة والطهارة والتوفيق والسداد، كيف لا، وقد كان النبي ﷺ يُسأل أحيانًا فلا يجيب حتى يسأل جبريل؟

 

وكان الخلفاء الراشدون -مع ما آتاهم الله من سعة العلم- يجمعون علماء الصحابة وفضلاءهم عندما تعرض لهم مشكلات المسائل، يستشيرونهم، ويستنيرون برأيهم، ومن هذا اللون من الفتاوى الجماعية نشأ الإجماع في العصر الأول.

 

وكان بعضهم يتوقف عن الفتوى فلا يجيب ويحيل إلى غيره أو يقول: لا أدري. قال عتبة بن مسلم: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرًا؛ فكان كثيرا ما يُسأل فيقول: لا أدري.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :