الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فتاوى أخرى
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
335 - رقم الاستشارة : 2403
19/08/2025
كيف يتوب المسلم الذي ظلم العباد فضرب هذا وشتم هذا، وقتل واستحل المال لأنه عمله في أجهزة الشرطة كانت تحتم عليه هذا، كيف يتوب وهو لا يعرف من ظلمهم، ولو عرفهم ليس في قدرته أن يرد هذه الحقوق إلى أصحابها؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلا أحد يستطيع أن يغلق باب التوبة في وجه أحد كائنًا من كان؛ فالله أشد غيرة على دينه منا، وعلى الرغم من ذلك طلب منا التوبة وحثنا عليها وفرح بها وهو الذي لا تنفعه توبتنا ولا تضره معصيتنا.
والتوبة لها شروط وآداب، فإن كانت من حقوق الله، فيكفي المسلم الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم الرجوع إليه.
وإن كانت من حقوق العباد يسبق هذه الشروط كلها رد الحقوق إلى أصحابهاـ أو طلب السماح منهم والعفو، فإن عجز عن ذلك يتوب ويكثر من الأعمال الصالحة ويستغفر لمن ظلمهم في السر والعلانية، ويصلح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولن يُضيع الله توبته يوم القيامة، بل سيُرضي عنه خصومه بما شاء وكيف يشاء، وهذا أفضل له من اليأس من التوبة وتركها حتى يموت وهو مثقل بهذه الذنوب والخطايا.
يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في الإجابة عن سؤال مشابه:
أما أكل أموال الناس بالباطل، وبطرق غير مشروعة.. فأقول: بأن الحقوق المالية لا بد أن ترد إلى أصحابها، حتى الشهادة في سبيل الله، لا تكفر هذا الحق للآدمي.. إنه ليس أعظم من أن يستشهد الإنسان في سبيل الله، ومع هذا فإن النبي ﷺ حينما سأله سائل: يا رسول الله، إذا قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ قال نعم. ثم استدعاه وقال له: ماذا قلت آنفًا؟ قال: قلت كذا.. قال: (إلا الدَّين.. أخبرني بذلك جبريل آنفًا) رواه مسلم. الديون، والتبعات، لا بد أن ترد إلى اصحابها.
فكونه يأكل أموال الناس عن طريق الرشوة أو الغصب، أو النهب، أو الغش، أو أي طريقة من الطرق المحرمة، ثم يقول: تبت إلى الله.. أو يحج، أو يجاهد ويستشهد.. لا.. لا بد من رد هذه الحقوق المالية حيث لا تسامح من هذه الناحية. فإن كان عاجزًا، فليذهب إلى أصحاب الحقوق، ويسترضيهم لعلهم يرضون عنه، فإن لم يرضوا، فإنه لا بد أن ينوي بنفسه أنه كلما قدر على شيء دفعه إلى أصحاب الحق. فإذا مات، ولم يكمل ما عليه من هذه الحقوق، تولى الله إرضاء خصومه يوم القيامة، والله عفو غفور. أ.هـ.
أما الذين ينفون التوبة عمن وقع في حقوق العباد كلية فقد ضيقوا وساعا، يقول الله تعالى: ﴿... وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31]، ويقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].
والله تعالى أعلى وأعلم.