هل حقًّا لم يصطدم الأنبياء مع أهل الباطل؟

Consultation Image

الإستشارة 23/09/2025

تحدث أحد الدعاة أن الأنبياء لم يصطدموا مع أهل الباطل أبدا، وأننا في هذه المرحلة نحتاج إلى المصالحة، نحتاج لنموذج الحسن وليس الحسين، فما صحة هذا الكلام من الناحية الفقهية؟

الإجابة 23/09/2025

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فهذه كلام تعوزه الدقة، ويخالف السنن التي وضعها الله في هذا الكون، ومن أهمها سنة التدافع، ولو افترضنا أن الأنبياء لم يصطدموا مع أهل الباطل فإن أهل الباطل لن يتركوهم وشأنهم، ولن يخلوا بينهم وبين الناس، ولم تعرف البشرية منذ آدم عليه السلام وحتى يوم الناس هذا أن عاش الناس في أمان وسلام ولم يعتدِ أحد منهم على الإسلام والمسلمين.

 

أما نموذج الحسين ونموذح الحسن  -رضي الله عنهما- فكلاهما مطلوب، ولا يُغني أحدهما عن الآخر، فنموذج الحسن مطلوب عندما يكون هناك حاكم مثل معاوية –رضي الله عنه- ونموذج الحسين مطلوب عندما يكون هناك يزيد، والفرق بينهما يعرفه كل عاقل!

 

سنة التدافع

 

ومن أهم السنن الكونية والشرعية سنة التدافع بين الحق والباطل وهي سنة باقية ما دام هناك حق وباطل، وما دام هناك خير وشر، وبغير هذا لن تقوم للحق قائمة.

 

يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40].

 

يقول السعدي رحمه الله في تفسيره: لولا أنه يدفع بمن يقاتل في سبيله كيد الفجار وتكالب الكفار لفسدت الأرض باستيلاء الكفار عليها وإقامتهم شعائر الكفر ومنعهم من عبادة الله تعالى، وإظهار دينه  (ولكن الله ذو فضل على العالمين) حيث شرع لهم الجهاد الذي فيه سعادتهم والمدافعة عنهم ومكنهم من الأرض بأسباب يعلمونها، وأسباب لا يعلمونها.

 

ويقول الأستاذ سيد قطب في تفسير الظلال: والصوامع أماكن العبادة المنعزلة للرهبان، والبيع للنصارى عامة وهي أوسع من الصوامع، والصلوات أماكن العبادة لليهود. والمساجد أماكن العبادة للمسلمين. وهي كلها معرضة للهدم - على قداستها وتخصيصها لعبادة الله - لا يشفع لها في نظر الباطل أن اسم الله يذكر فيها، ولا يحميها إلا دفع الله الناس بعضهم ببعض. أي دفع حماة العقيدة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها، ويعتدون على أهلها. فالباطل متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول. ولا يكفي الحق أنه الحق ليقف عدوان الباطل عليه، بل لا بد من القوة تحميه وتدفع عنه. وهي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان!...

 

لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم كي يتم نضجهم هم في أثناء المعركة. فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر؛ وهي تدفع وتدافع، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة.. عندئذ تتحفز كل خلية بكل ما أودع فيها من استعداد لتؤدي دورها؛ ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة؛ ولتؤتي أقصى ما تملكه، وتبذل آخر ما تنطوي عليه؛ وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هي مهيأة له من الكمال.

 

والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى استيقاظ كل خلاياها، واحتشاد كل قواها، وتوفر كل استعدادها، وتجمع كل طاقاتها، كي يتم نموها، ويكمل نضجها، وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها.

 

النصر السريع

 

والنصر السريع الذي لا يكلف عناء، والذي يتنزل هينا لينا على القاعدين المستريحين، يعطل تلك الطاقات عن الظهور، لأنه لا يحفزها ولا يدعوه.

 

وذلك فوق أن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه. أولا: لأنه رخيص الثمن لم تبذل فيه تضحيات عزيزة. وثانيا: لأن الذين نالوه لم تدرب قواهم على الاحتفاظ به ولم تحشد طاقاتهم وتشحد لكسبه. فهي لا تتحفز ولا تحتشد للدفاع عنه.

 

وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة، والكر والفر، والقوة والضعف والتقدم والتقهقر. ومن المشاعر المصاحبة لها.. من الأمل والألم. ومن الفرح والغم، ومن الاطمئنان والقلق. ومن الشعور بالضعف والشعور بالقوة.. ومعها التجمع والفناء في العقيدة والجماعة والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها وكشف نقط الضعف ونقط القوة، وتدبير الأمور في جميع الحالات.. وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها وعلى الناس. من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله.. جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم؛ ولم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء. أ. هـ.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

 

روابط ذات صلة:

تاريخ التدافع بين الحق والباطل في القرآن الكريم

التدافع بين الناس سنة ربانية وسبيل للتمكين في الأرض

سُنة التدافع في أرض غزة

الرابط المختصر :