حكم من يتوفى وهو يبحث عن الدين الحق

Consultation Image

الإستشارة 21/09/2025

هل إذا عرض الإسلام على شخص فلم يسلم فورا بل أخذ يدرس الإسلام ويتدبر القرآن وأثناء بحثه فى الإسلام وافاه الأجل فهل يعد من أهل الجنة أم أهل النار أم أهل الفترة؟

الإجابة 21/09/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

ففرق بين المسلم الذي ولد لأبوين مسلمين، وعاش في بلاد الإسلام ثم خرج منه يبحث عن غيره، وبين غير المسلم الذي عرض عليه الإسلام وأخذ يبحث في هذا الدين الجديد حتى إذا اقتنع به دخله، فالأول كان مسلمًا ثم خرج عن الإسلام بالردة، فيأخذ حكم المرتد إن مات وهو على هذه الحالة، والثاني هو باحث عن الحقيقة فإن مات أخذ حكم أهل الفترة، وقد اختلف الفقهاء في حكمهم، والراجح أنهم يمتحنون يوم القيامة ثم يدخلون الجنة أو النار حسب إجابتهم.

 

أهل الفترة

 

قال ابن تيمية في أهل الفترة: من لم تَقُمْ عليه الحُجَّةُ في الدُّنيا بالرِّسالةِ؛ كالأطفالِ، والمجانينِ، وأهلِ الفَتَراتِ؛ فهؤلاء فيهم أقوالٌ؛ أظهرُها: ما جاءت به الآثارُ؛ أنَّهم يُمتَحَنون يومَ القيامةِ، فيَبعَثُ إليهم من يأمُرُهم بطاعتِه، فإن أطاعوه استحَقُّوا الثَّوابَ، وإن عَصَوه استحَقُّوا العَذابَ.

 

ولا مانع أن يبحث المسلم حتى يزداد إيمانه، كما فعل إبراهيم الخليل عليه السلام، لكن يظل موقنًا بصحة هذا الدين، والقيام بكل ما يطلب منه من الفرائض حتى ييسر له الله سبحانه وتعالى السبيل إلى زيادة الإيمان، والإيمان يزيد وينقص كما قرر أهل السنة والجماعة.

 

إبراهيم عليه السلام

 

يقول الله تعالى على لسان إبراهيم الخليل عليه السلام: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: 260].

 

جاء في التفسير الوسيط: ويستفاد من هذه الآية: واذكر أيها العاقل لتعتبر وتتعظ وقت أن قال إبراهيم- عليه السلام- مخاطبًا خالقه –سبحانه- (رب أرني) بعيني كيف تعيد الحياة إلى الموتى.

 

وفي قوله (رب) تصريح بكمال أدبه مع خالقه- عز وجل- فهو قبل أن يدعوه يستعطفه ويعترف له بالربوبية الحقة، والألوهية التامة، ويلتمس منه معرفة كيفية إحياء الموتى، فهو لا يشك في قدرة الله ولا في صحة البعث -وحاشاه أن يفعل ذلك- فهو رسول من أولي العزم من الرسل، وإنما هو يريد أن ينتقل من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين، ومن مرتبة البرهان إلى مرتبة العيان، فإن العيان يغرس في القلب أسمى وأقوى ألوان المعرفة والاطمئنان...

 

وهنا يحكي القرآن جواب إبراهيم على خالقه- عز وجل- فيقول: (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، أي قال إبراهيم في الرد على سؤال ربه له أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ بلى يا رب آمنت بك وبقدرتك وبوحدانيتك إيمانًا صادقًا كاملاً، ولكني سألت هذا السؤال ليزداد قلبي سكونًا واطمئنانًا وإيمانًا لأن من شأن المشاهدة أن تغرس في القلب سكونًا واطمئنانًا أشد، وإيمانًا أقوى، وأنا في جميع أحوالي مؤمن كل الإيمان بقدرتك ووحدانيتك يا رب العالمين.

 

قال القرطبي ما ملخصه: لم يكن إبراهيم شاكًّا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به، ولهذا جاء في الحديث (ليس الخبر كالمعاينة)، قال الأخفش: لم يرد إبراهيم رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين. وقال الحسين: سأل ليزداد يقينًا إلى يقينه.

 

وأما قول الرسول ﷺ «نحن أحق بالشك من إبراهيم»، فمعناه أنه لو كان شاكًّا لكنا نحن أحق بالشك منه، ونحن لا نشك فإبراهيم- عليه السلام- أحرى ألا يشك، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم.. وإذا تأملت سؤاله -عليه السلام- وسائر ألفاظه الآتية لم تعط شكًّا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول، وكيف هنا إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر، - فسؤال إبراهيم إنما هو عن الكيفية لا عن أصل القضية.

 

وقال صاحب الكشاف: فإن قلت: كيف قال له (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) وقد علم أنه أثبت الناس إيمانًا؟ قلت: ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين. وبَلى إيجاب لما بعد النفي معناه: بلى آمنت.

 

وقوله: (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أي ليزداد سكونًا وطمأنينة بمضامة علم الضرورة -أي علم المشاهدة- إلى علم الاستدلال الذي يجوز معه التشكيك بخلاف العلم الضروري، فأراد بطمأنينة القلب العلم الذي لا مجال فيه للتشكيك. أ. هـ باختصار وتصرف يسير.

 

والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :