الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فتاوى أخرى
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
390 - رقم الاستشارة : 2262
04/08/2025
ما معنى القاعدة التي تقول. المشقة تجلب التيسير، وما أسباب التيسير في الفقه الإسلامي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه وسلم تسليمًا، وبعد:
فمعنى أن المشقة تجلب التيسير، أي أن المشقة تكون سببًا في التيسير؛ لأن الله تعالى يريد بنا اليسر لا العسر، وما جعل علينا في الدين من حرج، وهذه قاعدة من القواعد الفقهية الأساسية الكبرى المتفق عليها عند الفقهاء الأربعة، وعليها الأدلة من القرآن الكريم والسنة والمطهرة، واتفاق الفقهاء.
أما أسباب التخفيف أو التيسير فكثيرة نذكر منها:
السبب الأول: المرض: المريض هو الذي خرج بدنه عن حد الاعتدال والاعتياد, فيضعف عن القيام بالمطلوب منه. وقد خصت الشريعة المريض بحظ وافر من التخفيف; لأن المرض مظنة للعجز.
السبب الثاني: السفر: السفر سبب للتخفيف لما فيه من مشقة; ولحاجة المسافر إلى التقلب في حاجاته, وقضاء مآربه من سفره; ولذا شرع التخفيف عن المسافر في العبادات.
السبب الثالث: الإكراه: الإكراه هو حمل الغير على أمر لا يرضاه وذلك بتهديده بالقتل, أو بقطع طرف, أو نحوهما, إن لم يفعل ما يطلب منه، وقد عد الشارع الإكراه بغير حق عذرًا من الأعذار المخففة, التي تسقط بها المؤاخذة في الدنيا والآخرة.
السبب الرابع: النسيان: والنسيان هو عدم استحضار الإنسان ما كان يعلمه, بدون نظر وتفكير, مع علمه بأمور كثيرة. وقد جعلته الشريعة عذرًا وسببًا مخففًا في حقوق الله تعالى من بعض الوجوه.
السبب الخامس: الجهل: والجهل عدم العلم بالأحكام الشرعية أو بأسبابها. والجهل عذر مخفف في أحكام الآخرة اتفاقًا, فلا إثم على من فعل المحرم أو ترك الواجب جاهلاً.
السبب السادس: الخطأ: والخطأ إما أن يكون في الفعل أو في القصد. فكل من أخطأ في فعله: كمن يرمي صيدًا فيصيب إنسانًا, أو في قصده: كمن يرمي شخصًا يظنه غير معصوم الدم, فتبين أنه معصوم. وكمن اجتهد في التعرف على القبلة فأداه اجتهاده إلى جهة معينة, فتبين أنها خلافها. والخطأ بنوعيه من الأسباب المخففة فيما يتعلق بحقوق الله تعالى.
السبب السابع: العسر وعموم البلوى: ويدخل فيه الأعذار الغالبة التي تكثر البلوى بها وتعم في الناس, دون ما كان منها نادرًا, وذلك أن الشرع فرق في الأعذار بين غالبها ونادرها, فعفا عن غالبها لما في اجتنابه من المشقة الغالبة. وإنما تكون غالبة لتكررها, وكثرتها وشيوعها في الناس, بخلاف ما كان منها نادرًا فالأكثر أنه يؤاخذ به, ولا يكون عذرًا لانتفاء المشقة غالبًا.
السبب الثامن: النقص: إن الإنسان إن كانت قدراته ناقصة يعسر عليه أن يتحمل مثل ما يحمله غيره من أهل الكمال, فاقتضت الحكمة التخفيف. فمن ذلك عدم تكليف الصبي. ومنه عدم تكليف الأرقاء بكثير مما يجب على الأحرار, كالجمعة, وتنصيف الحدود والعدد. ومنه التخفيفات الواردة في شأن النساء.
السبب التاسع: الوسوسة: والموسوس هو من يشك في العبادة ويكثر منه الشك فيها حتى يشك أنه لم يفعل الشيء وهو قد فعله. والشك في الأصل موجب للعود لما شك في تركه, كمن رفع رأسه وشك هل ركع أم لا, فإن عليه الركوع; لأن الأصل عدم ما شك فيه, وليبنِ على اليقين.. لكن إن كان موسوسًا فلا يلتفت للوسواس لأنه يقع في الحرج, والحرج منفي في الشريعة, بل يمضي على ما غلب في نفسه؛ تخفيفًا عنه وقطعا للوسواس. قال ابن تيمية: والاحتياط حسن ما لم يفضِ بصاحبه إلى مخالفة السنة, فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك هذا الاحتياط.
السبب العاشر: الترغيب في الدخول في الإسلام وحداثة الدخول فيه: وهذا سبب من أسباب التيسير يعلم بتتبع أبواب الفقه, ومما شرع له من ذلك أن الداخل في الإسلام يعذر بالجهل بالتحريم, ويكون ذلك شبهة تمنع ثبوت الحدود.
والله تعالى أعلى وأعلم.