الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
101 - رقم الاستشارة : 2943
13/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله، أنا سيدة في أوائل الثلاثينيات وزوجة وأم وامرأة عاملة ومتدينة.. بينما كنت أقلب في قنوات التليفزيون إذا بي أمام مسلسل مدبلج لا أتابعه ـ وأنا لا أتابع أي مسلسلات عموما ـ لكن بالمصادفة شاهدت مقطعًا يبث فيه البطل مشاعره بكلمات ناعمة عاطفية.. شعرت أن داخلي يرتجف وكأن الدنيا دارت بي فأنا لم أسمع من زوجي يوما كلمة واحدة تشبه هذه الكلمات..
ظللت وقتا طويلا وأنا شاردة أفكر هل أنا إنسانة لا أستحق الحب ولا أستحق أن أستمع لمثل هذه الكلمات؟ فعلى الرغم من أن علاقتي بزوجي جيدة تكاد تمر بلا مشكلات إلا أنني اكتشفت أنها حياة جافة قاحلة عبارة عن حقوق وواجبات والتزامات وكأن هذا الحوار البسيط الذي شاهدته هو الذي فجر سيل هذه التأملات داخلي..
أنا قررت الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وأجبرت نفسي عن الابتعاد عن الاسترسال في هذا التفكير وأسرعت إلى بعض المهام أكملها.. فهل ما قمت به هو الأمر الصحيح؟ فأنا خائفة حد الرعب من أن تساورني هذه الأفكار مرة أخرى لأنها تومض في ذهني بين الحين والآخر فأقوم بقمعها.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بك أختي الكريمة في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.
في رأيي أن قمع الأفكار والمشاعر على هذا النحو قد لا يأتي بخير، وأن الإنسان بحاجة لتحليل ما يشعر به وكشفه وتصحيح مساره بدلا من كبته وتجاهله، فعلى الرغم من أن هذه الأعمال الدرامية تبالغ جدًّا في تقديم المشاعر بطريقة غير واقعية في أغلب الأحيان، فإن هذا التأثير المزلزل الذي شعرت به يعكس ظمأً عاطفيًّا حادًّا وهو أمر لا يمكن تجاهله.
الحرمان العاطفي
تعد مشكلة الحرمان العاطفي من أكبر المشاكل التي تواجه الزوجات وتسبب لهن حالة من التوتر والقلق والعصبية الشديدة، وقد يصل الأمر بالمرأة التي تعاني من الحرمان العاطفي للتعامل بعنف مع الأطفال، وقد يصل الأمر حد الاكتئاب المرضي.
لا يمكن الاستهانة بهذا النوع من الحرمان الذي يترك المرأة في فتنة حقيقية، حيث يعد الحرمان العاطفي المتهم الأول وراء جريمة الخيانة التي تقع فيها بعض الزوجات ممن لا يمتلكن الوازع الديني الكافي الذي يحمي الإنسان عند تعرضه لنوع شديد من الضغوط النفسية أو افتقاد حاجة من احتياجاته الأساسية كالحاجة للحب.
على الرغم من التفاوت في مدى الاحتياج العاطفي من امرأة لأخرى، فبعضهن أشد عاطفية أو بمعنى أدق أشد تطلبًا للعاطفة من الأخريات.. لكن تبقى القاعدة الأساسية أن حاجة الزوجة للعواطف هي واحدة من أولويات احتياجاتها من الزواج مهما بدت كامرأة عملية وقوية.
لا يعني ذلك بالطبع أن الرجل لا يحتاج إلى العواطف أو أن العاطفة لا تعني الكثير له، فالعاطفة هي حاجة إنسانية للجميع للأطفال والراشدين والذكور والإناث، ولكنْ هناك فروق في الصورة التي تقدم بها هذه العاطفة وفروق أخرى في مقدار الاحتياج.
مظاهر الحرمان العاطفي
المرأة التي يعمل زوجها لساعات طويلة ويبدو البيت بالنسبة له أقرب لفندق حيث تناول وجبة العشاء والمبيت هي امرأة محرومة عاطفيًّا.
والمرأة التي سافر زوجها وأصبحت العلاقة بينهما مجرد أموال يرسلها لها هي امرأة محرومة عاطفيًّا، والمرأة التي لا يجيد زوجها بعض كلمات المدح والتقدير الطيبة هي امرأة محرومة عاطفيًّا.. والمرأة التي لا تجد لمسة حنونة ـ لا أقصد أثناء العلاقة الخاصة ـ هي امرأة محرومة عاطفيًّا.
الحياة القائمة على لغة الحقوق والواجبات والمسئوليات والالتزامات كتلك التي تحكين عنها غالبًا ما تكون حياة جافة بالفعل لا ترتوي بالعاطفة ولا تشبع الاحتياج للحب، ولا بد من التفكير في هذه النقطة بجدية لا إنكارها وتجاهلها، وسأوضح لك بعد قليل كيف؟
علينا أن نضع في اعتبارنا أن ما يقوم به بعض الرجال من اهتمام شديد بالعمل وإهمال لمسألة المشاعر هو رد فعل لقطاع من النساء لا تتنازل عن مستوى معيشة معين، وبالتالي يجد الرجل نفسه مجبرًا على العمل على نحو منهك حتى يحقق المستوى المطلوب ويعتبر العواطف في هذه الحالة لونًا من ألوان الرفاهية.
مواجهة الحرمان العاطفي
إذا كان الحرمان العاطفي من أشد أنواع الحرمان التي قد تعيشها المرأة والتي ينبغي ألا تصمت إن شعرت بها بل عليها أن تواجه هذا الشعور وتتحدث عنه، فكثير من الرجال لا يعرفون حقيقة المطلوب منهم ويريد تعبيرًا صريحًا عما تحتاجه زوجته دون نقد ساخر منها أو مجرد كلمات مصطبغة بالمرارة والإحباط، وهذه بعض مفاتيح تساعد في مواجهة المشكلة:
* الحوار الصريح اللطيف المتسم بالذكاء العاطفي هو أولى خطوات الحل.. الحديث الهادئ دون نقد.. الحيث الذي يبدأ بأنا أشعر بكذا وأنا أحتاج كذا.. لا الحديث الذي يبدأ بأنت مقصر في كذا وكذا.
* ابدئي أنت غاليتي بالعطاء وكما تعلمين لكل فعل رد فعل، فابدئي أنت بالمنح.. أغدقي أنت عليه العطاء العاطفي ولكن بذكاء حتى لا يشعر بالاختناق.. بذكاء حتى يستوعب ما يحدث.. بذكاء يعني دون تقريع أو مطالبة برد فعل فوري، وثقي أن هذا الأسلوب يحقق نتيجة جيدة جدًّا تساعد في تجاوز حالة الركود بينكما.
* تغيير النظرة لطبيعة العاطفة المطلوبة.. أو إعادة النظر لطبيعة الزوج نفسه، فكثير من أبطال الروايات أو أبطال الأعمال العاطفية الدرامية شخصيات لا تتكلم ولا تتفاعل إلا قليلاً، لكن النظرة المغلفة بالحب تحول الكلمات والسلوكيات العادية جدًّا لأخرى مميزة، فنحن من يضفي المعنى والشعور على السلوك.. ما أقصده أن عليك أن تصنعي الحب من داخلك ووقتها ستجدين في كل كلمة وكل سلوك يقوم به الزوج دلالة عاطفية.
* استكمالاً للنقطة السابقة نظرًا لأهميتها أريد أن أقول لك إنه يمكنك إضفاء المشاعر على مواقف الحياة العادية، ففي هذه الأعمال الدرامية قد تكتفي البطلة بمجرد ابتسامة من شخص تحبه حتى تبني عليها مشاعرها.. بمعنى أن الرجل لم يقدم حبًّا باهظًا وإنما هي من أضفت الحب من داخلها على مواقف عابرة، ومن ثم لو أمكن لك تغيير فكرة الحقوق والواجبات من سياق الالتزام الجاف ونظرت لها كبرهان لعاطفة أعمق تتحمل المسئولية ولا تنهار تحت وطأتها لاقتربت من نصف الحل.
* أما النصيحة الأخيرة لك فهي ألا تُسرفي في توقعاتك العاطفية بحيث تتصورين أن هناك حياة تشبه تلك التي ترينها على الشاشات، ولا تعتمدي على أي شخص حتى لو كان الزوج في تحقيق استقرارك النفسي، ولا تلحي في طلبك لعاطفته كأن حياتك فارغة إلا من وجوده.. فالرجل عادة ينجذب للمرأة السعيدة المشرقة الواثقة من نفسها وفي الوقت ذاته الناعمة الرقيقة التي تطلب اهتمامًا ولكن بطريقة هادئة.
أما رسالتي لهذا الزوج وكل زوج في نفس موقعه فهي أن عليه الاقتداء بالنبي ﷺ الذي كان لا يتحرج من ذكر حب الزوجة على الملأ فكيف يكون في وقته الخاص؟
كان لا يمر يوم دون أن يمر فيه على نسائه ويمنحهن الاهتمام العاطفي الكافي، وقد دل على ذلك الحديث الذي أخرجه أحمد في "مسنده" وأبو داود في "سننه" من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت (كان رسولُ اللهِ ﷺ لا يُفضِّلُ بعضنا على بعضٍ في القَسمِ، من مُكثه عِندنا، وكان قلَّ يومٌ إلا وهو يَطُوفُ علينا جميعًا، فيدنو مِنْ كُلِّ امرأة، مِن غير مَسِيسٍ، حتى يَبْلُغَ إلى التي هو يَوْمُها فيبيتُ عندها). يفعل هذا رغم عظم مهماته في تبليغ أمور الدين وشئون الدولة ورغم كثرة عدد نسائه، بل كان وقته يتسع لقضاء بعض الوقت المرح في المسابقة في الجري أو مشاهدة لعب الحبشة.
وبالتالي فإن من كمال الرجولة أن تقتدي أيها الزوج بسلوكه ﷺ، فمهما بلغ نشاطك وعملك ومسئولياتك فلن تصل للمهام الكبرى التي كان النبي ﷺ يتعاطاها، وعلى الرغم من ذلك اهتم بهذا الجانب العاطفي ولم يقلل منه نظرًا لأثره البالغ في استقرار الأسرة ومنحها السكينة والسعادة.. ومهما كان وضعك ومكانتك فهي لا تقارن بمكانة النبي ﷺ، وعلى الرغم من ذلك لم يتحرج من ذكر حبه والتعبير عن مشاعره.. فالعاطفة طالما كانت في إطار شرعي فهي لا تُخجِل فلا تبخل في إظهارها.
روابط ذات صلة:
أحتاج للحنان.. صرخة أم اعتصرتها مسؤوليات الأبناء!!