الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
68 - رقم الاستشارة : 2901
08/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مشكلتي تكمن في عدم الرضا... أنا متزوجة ولدي أطفال... زوجي يحبني صبور عليّ وعلى إهمالي في أشياء كثيرة... ومع كل هذا أنا غير راضية عنه... وكلما رأيت قريبة تقدم على الزواج أشعر بتحسر ع نفسي وكأنني أريد أن أكون مكانها لم أتزوج وأعيد اختيار زوجي وأتريث... نفسي أتعبتني أحاورها لأهدأ لكن لا أرتاح... كيف أرضى؟ متى سأرى زوجي أفضل الرجال في عيني؟ أنا لا لا أفعل شيء حرام ولكن أريد أن لا تنتابني هذه المشاعر؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك ابنتي الكريمة في موقعك الشبكة الإلكتروية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع.
ابنتي الغالية، أنت وصفت مشكلتك بأنك تعانين من عدم الرضا غير المبرر ويبدو أن هذا الشعور بعدم الرضا مرتبط بزواجك وزوجك، فكلما حدث موقف ذكّرك بفكرة الزواج عمومًا كزواج قريبة مثلا تنتابك هذه المشاعر وهذه الأفكار، وتجدين نفسك في حالة اجترار للماضي، وتحلمين أن يكون لك فرصة اختيار جديدة وتتمنين لو كنت تريثتِ في الاختيار ونحو ذلك.. وهذا كله يحدث رغم أن تقييمك النهائي لزوجك جيد وأنت تعترفين بحبه لك وأيضًا صبره عليك في أمور أنت مقصرة فيها.. فأين هي المشكلة؟ وما هي خطوات الحل؟ هذا ما سنتناقش فيه في السطور القادمة.
تفكيك المشكلة
ابنتي الكريمة، كما يصاب الإنسان جسديًّا ببعض الأمراض دون ذنب أو جريرة منه قد يصاب أيضًا ببعض الأمراض التي تصيب مشاعره أو أفكاره.. نفسيته أو روحه وقد لا يصاب بالمرض ولكنه يعاني من بعض التوعك النفسي أو الروحي أو العاطفي ويصبح لديه نقاط ضعف يتسرب من خلالها الشيطان لتعزيز هذا التوعك وتحويله لمرض دائم؛ فالشيطان له أهداف تدريجية تبدأ بالحزن ﴿إِنَّمَا النَّجْوَىٰ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.
جاء في أقوال بعض أهل العلم عن معنى النجوى أنها الرؤية التي يراها الإنسان في منامه، ومن جنس ذلك الفكرة التي يتم نفثها في قلب الإنسان ثم يعقبها الخاطرة التي يناجي بها الإنسان نفسه والحديث الذي يدور داخل عقله وتمنحه مشاعر الحزن.
من أهداف الشيطان الاستراتيجية أيضًا إصابة الإنسان بالخوف والقلق ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾، أي يخوف المؤمنين بأولياءه وهؤلاء الأولياء قد يكونون عدوًا ماديًّا كالكفار والمنافقين وقد يكونون عدوًا معنويًّا أفكارًا وخواطر ومشاعر تلقى على القلوب المؤمنة فتزعزها وتبث فيها الخوف أو القلق ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾، والفقر كما يكون ماديًّا يكون معنويًّا باحتياجات لا تشبع وأحلام لم تتحقق ونحو ذلك.
هدف الشيطان من تحزين المؤمنين وتخويفهم أن يستولي على أفكارهم، ومن ثم يسهل توجيههم، وهي المرحلة الأخيرة والهدف النهائي الذي يريده.
لو أنزلنا هذه الأفكار على أرض الواقع وعليك وعلى حياتك (أنت لم تحكي لنا أي تفاصيل تساعدنا على وضوح الرؤية.. ليتك تكتبين لنا بتفصيل أكثر مع الإشارة لهذه الاستشارة) سنجد أن لديك مشكلة تجاه زوجك أو تجاه زواجك.. ربما شعور بالندم والتعجل في الاختيار.. ربما زوجك رجل جيد ولكنك تتمنين الأفضل.
ما أقصده أن هناك مشكلة ذاتية لديك أورثتك شعورًا بعدم الرضا، وأنت من الناحية العقلية عندما قمت بتحليل المشكلة بينك وبين نفسك تشعرين أنك تظلمين زوجك لأنه رجل جيد، ولكن مع ذلك لم تستطيعي الشعور بالرضا، وهذا يزعجك ويجعلك تعيدين التفكير مرارًا وتكرارًا فيما يشبه الاجترار (في علم النفس، يشير الاجترار إلى حالة التفكير أو التركيز المستمر على الأفكار أو المخاوف المتكررة والسلبية عادةً في ذهن الشخص).
هنا يا ابنتي تكونت لديك ثغرة في بنائك النفسي الداخلي استطاع الشيطان أن ينفذ من خلالها ويغذيها ويعززها، فيتركك في حالة حزن من تفكيرك، وحالة حزن من واقعك، وحالة حزن لما حدث في الماضي، ويتركك في حالة نجوى سلبية تؤثر على أدائك وتزيد من تقصيرك في واجباتك والتزاماتك نحو زوجك وبيتك وأطفالك.
وفي أحيان أخرى يتلاعب بك ويشعرك بالخوف والقلق من المستقبل وأن تستمر حياتك على هذا المنوال، ويستغل أي فرصة كفرح قريبة مثلا ويجعلك تتخيلين أنك مكانها وأن لديك فرصة البدء من جديد، ويصور لك حياتك الزوجية فقيرة شحيحة دون المستوى ولا تحظي بالقدر الكافي من الجودة.
خطوات على طريق الحل
ابنتي الكريمة أرى أن الحل يكمن في نقتطين مرتبطتين:
* نريد في البداية أن نبعد الشيطان عن حياتك وتفكيرك.
* نريد في النقطة الثانية أن نغلق الثغرة النفسية التي يتسلل منها الشيطان.
الشيطان والقلق
ابنتي الكريم، هذا الشيطان وسواس خناس يكثر من الوسوسة لكن كيده ضعيف يذهب بالاستعاذة بالله، لكن لديه طاقة استمرارية هائلة لا تترك الإنسان إلا بعد أن يتحول لجثة هامدة، ففي كل يوم وكل ليلة له محاولة، وعندما يخلد الإنسان لنومه لديه محاولات من النجوى، وعندما يحدث موقف أو ذكرى تضعف الإنسان تزداد محاولاته شراسة فيحزنه ويقلقه ويحيل حياته جحيمًا ويجعل عقله ساحة للأفكار القلقة وقلبه ساحة للمشاعر المضطربة، وعلى الرغم من ذلك كله يقول الله سبحانه وتعالى عنه: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، وإليك يا ابنتي مفاتيح ذهبية تهدرين بها كيد الشيطان.
- اقرئي سورة البقرة كل ثلاث ليال (من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليالٍ).. سورة البقرة أعظم ما يمكن أن يريحك ويجعل البركة في حياتك ولا يجعل الضرر يمسك حتى السحر لا يمسك (اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة).
الحد الأدنى أن تقرئي آخر آيتين منها فتكفيك كل شيء (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)، والأفضل أن تجمعي بينهما، وأن تقرئي السورة كلها كل ثلاث ليال، وتقرئي الآيتين الأخيرتين كل صباح وكل مساء.
- اقرئي آية الكرسي والمعوذتين وقل هو أحد عندما تذهبين لفراشك، فيحفظك الله تعالى، ولا يستطيع الشيطان أن يعبث بأفكارك لا في يقظتك ولا في منامك.
- احرصي على قراءة أذكار الصباح والمساء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، ففيها صور من الاستعاذة العميقة واللجوء لله سبحانه وتعالى تبعد عنك أذى وكيد الشيطان.
إذا جاءتك خاطرة سيئة مرتبطة بزواجك فقولي بصوت تسمعينه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فستجدين أنها تذهب على الفور.
الثغرة النفسية
ابنتي الغالية، تكرار الفكرة تدل كما قلت لك إن لها جذورًا في نفسك.. ثغرة في بنائك النفسي كما ذكرت لك نريد أن نغلقها حتى لا يتسرب لك الشيطان من خلالها مرة أخرى، وهناك مجموعة من التقنيات التي تساعدك على ذلك، منها:
1. أحضري ورقة وقلم واكتبي كل ما تشعرين به.. اكتبي دون أن تضعي أي فلاتر عما تكتبينه وقومي بتفريغ مشاعرك كلها على الورق، هنا أنت تسمحين بالفكرة بالتجسد على الورق ليكن هذا مكانها فقط؛ لأنها عندما تأتيك في وقت آخر سوف تستعيذين بالله ولن تناقشي الموضوع في ذهنك.. المناقشة تكون على الورق فقط ثم قومي بتمزيق الورقة بعد ذلك.
2. ناقشي أفكارك في هذه الجلسة وابحثي عن الأسباب العميقة لمشاعرك، اسألي نفسك لماذا أشعر بالحزن عند زواج قريبتي؟ مثلا ستقولين لأنني تذكرت زواجي. تقولين لنفسك لماذا تذكرت زواجك بحزن؟ ستقولين لأن زوجي لم يكن هو الشخصية التي أريد؟ ستقولين ولماذا لم يكن؟ ستذكرين الأسباب ستقولين لماذا وافقت؟ تذكرين الأسباب، وهكذا حتى تصلي للسبب العميق لعدم الرضا، ثم تبدئي في مناقشته والعمل عليه وإصلاحه لو أن إصلاحه ممكن أو القبول والرضا به إن لم يكن من الممكن إصلاحه.
إذا لم يكن من الممكن إصلاح سبب عدم الرضا، مثلاً شكل زوجك لا يروقك بالدرجة الكافية (لم يكن هو الصورة التي تتخيلينها لفتى أحلامك)، هنا سنعمل على فكرة قبول نقطة الضعف هذه والتعامل معها بشكل واع بدلاً من أن تتهمي ذاتك بعدم الرضا وتجلديها بذلك دون التحرك للبحث عن حل.
الرضا والقبول
لكي تصلي يا ابنتي لمرحلة الرضا فلا بد أن تمري أولا بمرحلة القبول، وهذه أدوات تساعدك على ذلك:
- جلسة ذكر وتأمل يومي والأفضل أن تكون مرتين في اليوم صباحًا ومساءً (لن تزيد الجلسة عن 15 دقيقة)، جلسة للذكر الذي سيمنحك طمأنينة قلبية وروحية ونفسية وتساعدك في الاستشفاء الذاتي الذي يضمد هذه الثغرة، يكفي أن تناجي ربك وتقولي: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني لنفسي طرفة عين.
- دفتر الامتنان والشكر: دفتر صغير أنيق تكتبين كل يوم أمرًا واحدًا طيبًا يقوم به زوجك، بعد فترة من الوقت ستجدين أن الدفتر قد امتلأ بأمور عليك أن تشكري عليها زوجك وأمور تجعله يملأ عينيك ويسعد قلبك (إنه صبور.. إنه أب حنون.. إنه لا يجرحك.. إنه يشبع احتياجاتك...).
- تدريب التواصل البصري: انظري لعيني زوجك عندما يتحدث.. انظري فيهما بعمق وستجدين أن هناك روابط جديدة تتكون بينكما قومي بإعادة الاتصال القلبي به.
- إعادة بناء التواصل: إعادة بناء التواصل القلبي بزوجك تبدأ بالنظرة العميقة له ثم الانصات الهادئ له.. لمسة حنونة على كتفه.. كلمة شكر صادقة من قلبك.. شغل عقلك بالتفكير والابتكار في حياتكم.. مفاجأة عشاء مميز.. ترتيب لخروج لك أنت وهو دون الأولاد.. ترتيب لرحلة سفر قصيرة في حدود إمكانياتكم.
- دفتر الواقع والخيال (إعادة تدريب العقل) بعد فترة لا تقل عن شهر، أريدك أن تحضري دفتر آخر تقسمين كل صفحة فيه من المنتصف، وأن تكتبي في النصف الأول الفكرة المسبقة الخيالية عن الزوج، وتكتبي في النصف الثاني الفكرة الحقيقية الواقعية التي عشتها، مثلا تكتبين في النصف اليمين من الصفحة: كنت أتمنى زوجًا وسيمًا يشبه نجوم السينما، تكتبين في النصف اليسار وجدت زوجًا حنونًا يحتويني وأشعر معه بالسعادة والرضا
تكتبين في النصف اليمين صديقتي المسكينة التي تزوجت شابًّا وسيمًا كانت تحلم به تعاني ماديًّا للغاية أو تعرضت للخيانة (الواقع مليء بتلك الحكايات الحزينة)، تكتبين في النصف الثاني زوجي رجل محترم لا يحادث النساء أو زوجي رجل كريم.
هذا ما يمكن أن نطلق عليه منهج المقارنة الإيجابي لا السلبي.. المقارنة التي تورث الرضا لا السخط.. حتى هذه العائلات التي تبدو لامعة براقة لا أحد يعلم ما يحدث خلف الأبواب المغلقة.
سأحكي لك شيئًا يا ابنتي.. منذ فترة قصيرة حدثتني زوجة في منتصف العمر أستاذة جامعية كانت تبدو حياتها مثالية في كل شيء وباحت لي بالكثير من الأمور غير المتخيلة والمساوئ الشنيعة التي قاك بها زوجها، بدءًا من اجتياح مالها مرورًا بخيانات متكررة، قالت لي في نهاية حديثها أن زوجها يأتي على رأس أولوياته أن يصدر صورة براقة عنه وعنها وعن العائلة.. إذا كان أمام الناس عاملها كملكة متوجة وإذا دخل البيت فكأنه لا يعرفها.
ابنتي الغالية، إذا امتلكت قوة الاستمرارية فسوف تشفى جروحك وتحصلين على الرضا العميق.. أسعد الله قلبك وأصلح حياتك، وتابعيني بأخبارك.
روابط ذات صلة: