22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 19/02/2025

السلام عليكم... أنا زوجة في الثلاثين من عمري لدي طفلين... مشكلتي تكمن في نفسي وفي الرضا... حقا أنا لا اعلم هل هكذا أكون غير راضيه بقضاء الله أم هذا سوء اختيار مني لزوجي... مدة زواجنا خمس سنوات كانت أول سنه كالعذاب بالنسبة لي... أنا شخصيه اجتماعيه.. مرحه أحب الخير لأي أحد... كان حلم حياتي أن يرزقني الله بزوج صالح دين يتقي الله فيا ويكون خلوق ومهذب وراقي ويحبني... كي يعوضني عن جفاء أبي وأمي معنا... أبي شخص عصبي جدا ويتلفظ بألفاظ خارجه لأمي إذا حدثت بينهما مشكله... لا يوجد بينهما احترام ولا رقي... أمي لم تسع لتعليمنا النظافة في أي شيء وأبي كان دائم الشكوى وكانت تهتم فقط بتعليمنا وقد شربت هذا من أمي...

عندما تقدم لي زوجي عن طريق زوج صديقتي التي تعلم جيدا أني أريد شخص دين... يحافظ ع صلاته... لم تخبرني بانه مفرّط قليلا...هو شخصيه محترمة وراجل كما يقول البعض وأمه وإخوته غاية في الاحترام...

عندما تقدم لي.. أبي لا يعرف أن يبذل مجهود للسؤال عنه... كان دائما يخبرني أنه اختياري وأنه ليس له دخل بهذا، وأنا كنت في حيرة من أمري... وثقت في صديقتي التي يكون زوجها قريبا لزوجي وأنه أكيد سيكون على قدر التدين مثله... استخرت مرارا وتكرارا... كنت أستخير كل يوم وفوضت امري لله وقولت يا رب أن كان خيرا الأمور تمشي وان شر ابعده عن طريقي يا رب... وكل استخاره كانت الأمور تسير بشكل جيد وتتيسر...

لم أر منه أي سوء في فتره الخطبة... وفي مرة حدث أمر جعلني أخاف من شخصيته... أنا شخصيه هبله وأتفوه بأمور قد لا أعنيها وهو اصطاد امر واخذ يلح ع تفسيره وانا لا أجد تفسير.

الإجابة 19/02/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أختي الكريمة، وأسأل الله أن يرزقك الطمأنينة والرضا، ويشرح صدرك لما فيه الخير لك في الدنيا والآخرة، وبعد...

 

فسؤالك يحمل في طياته مشاعر كثيرة، لكن قبل أن نغوص في تفاصيل الإجابة، دعينا نتفق على مبدأ مهم: الرضا بقضاء الله لا يعني بالضرورة أن كل اختياراتنا كانت صائبة، ولكنه يعني أننا مؤمنون بأن الله لا يضيعنا، وأن كل شيء وقع هو جزء من تدبيره الحكيم.

 

ولنبدأ معًا في تفكيك تساؤلاتك والبحث عن نور يضيء لك الطريق.

 

أولًا- هل عدم الرضا هنا يعني الاعتراض على قضاء الله؟

 

إن الرضا بقضاء الله لا يعني ألا يحزن الإنسان على واقعه، أو أنه لا يتمنى واقعًا مختلفًا، ولكنه يعني التسليم بأن ما وقع كان بعلم الله وحكمته، وأنه يحمل في داخله خيرًا، حتى وإن لم نره الآن.

 

الله عز وجل يقول: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].

 

بمعنى أنك قد تكونين رأيتِ في هذا الزواج بابًا للسعادة، ولكنك الآن ترين فيه مشقة، وربما يكون بين طيات هذه المشقة خيرٌ لك لا تعلمينه، وربما يكون هذا جزءًا من امتحانك في الحياة ليكمل الله لك بناء شخصيتك وقوتك الإيمانية.

 

ولكن، هل هذا يعني أن الإنسان لا يحاسب نفسه على اختياراته؟ أبدًا! بل يجب أن نراجع أنفسنا لنستفيد من تجاربنا، ولكن دون أن نقع في فخ الندم القاتل الذي لا يبني، بل يهدم.

 

ثانيًا- هل كان الاختيار خاطئًا؟

 

من خلال ما ذكرتِ، يظهر أنك كنتِ تبحثين عن زوج صاحب دين وأخلاق، وقد سرتِ وفق الخطوات التي أتيحت لك: استخرتِ الله، وثقتِ بمن حولك، ورأيتِ منه خيرًا أثناء الخطبة. لكنك اكتشفتِ بعد الزواج أنه ليس كما توقعتِ في التزامه الديني.

 

وهنا يبرز السؤال: هل خُدعتِ في الاختيار؟ أم أن هناك تفاصيل لم تكن واضحة؟

 

الحقيقة أن كثيرًا من الأمور لا تظهر في الخطبة، وخاصة عندما يكون الناس في أفضل حالاتهم ويحاولون إظهار أجمل ما فيهم. ومع ذلك، فقد استخرتِ الله وفوضتِ أمرك إليه، وهذا يعني أن الله اختار لك هذا الأمر لحكمة. لا يعني هذا بالضرورة أنه الخيار المثالي، لكنه الخيار الذي يمكنك أن تتعاملي معه وتخرجي منه بأفضل ما يمكن.

 

وفي الحديث النبوي: «احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ؛ فإنَّ (لو) تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» [رواه مسلم].

 

الخطوة الواجبة الآن ليست الندم، بل البحث عن الحلول والطرق التي تجعل حياتك أقرب إلى الاستقرار، سواء كان ذلك بمحاولة إصلاح العلاقة أو إيجاد طرق للتعايش معها.

 

ثالثًا- التعامل مع الاختلاف بينك وبين زوجك:

 

من الواضح أنك شخصية اجتماعية، محبة للمرح، وتحبين التواصل والعطاء، وربما يكون زوجك مختلفًا عنك في هذه الأمور، وهذا قد يجعلك تشعرين بالفجوة بينكما. ولكن هل يمكن أن يكون هناك طريق للالتقاء في المنتصف؟

 

بالتأكيد هناك طريق، وهذا عبر الآتي:

 

1- الحوار الصريح:

 

حاولي التحدث مع زوجك بلغة واضحة وهادئة، أخبريه بما يزعجك، لكن بطريقة غير هجومية. أخبريه أنك تريدين أن تشعري بالقرب منه أكثر، وليس مجرد الشكوى مما ينقصه.

 

2- تعزيز الجوانب الإيجابية:

 

لكل إنسان جوانب جيدة وأخرى تحتاج إلى تحسين، فركزي على الإيجابيات التي يمتلكها زوجك، وحاولي البناء عليها.

 

3- التدرج في الإصلاح:

 

إذا كنتِ ترغبين في أن يكون أكثر التزامًا، فابدئي بخطوات بسيطة، كأن تحثيه على الصلاة برفق، وتذكريه بفضلها دون أن يشعر بأنه في موضع نقد دائم.

 

4- التكيف مع الواقع دون استسلام:

 

قد يكون هناك بعض الأمور التي لا يمكن تغييرها بسهولة، وهنا يكون الحل في أن تتأقلمي معها دون أن تشعري بأنها تحطمك.

 

5- الدعاء والاستعانة بالله:

 

لا تنسي سلاح الدعاء، فهو أقوى من أي وسيلة أخرى، وكم من قلوب تغيّرت بالدعاء! قال النبي ﷺ: «إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ» [رواه مسلم].

 

رابعًا- هل تستمرين أم تنفصلين؟

 

أحيانًا يكون السؤال الذي يراود الإنسان: هل أستمر في هذه العلاقة، أم أنفصل؟

 

والجواب ليس سهلًا؛ لأن القرار يعتمد على عدة أمور:

 

1- هل زوجك يؤذيك أو يهينك؟

 

إن كان يؤذيك نفسيًّا أو جسديًّا، أو كان لا يحترمك، فهذا يحتاج إلى إعادة تقييم جادة.

 

2- هل هناك إمكانية للتغيير والتحسن؟

 

إذا كان يمكن إصلاح العلاقة، ولو بشكل جزئي، فقد يكون الصبر وبذل الجهد هما الحل.

 

3- ماذا سيترتب على قرارك؟

 

وجود الأطفال، ومكانتك الاجتماعية، وظروفك المادية، كلها عوامل مهمة يجب أن تفكري فيها بحكمة.

 

4- هل سعادتك مستحيلة معه؟

 

إن كان البقاء معه مستحيلًا بالنسبة لك، ولا تجدين فيه أي فرصة للراحة، فقد يكون الفراق حلًّا؛ لكن إن كان هناك مجال للتحسن، فمن الأفضل المحاولة.

 

وختامًا -أختي الكريمة- ليس كل ما نمر به في حياتنا يكون واضحًا من البداية، وأحيانًا لا نعرف الحكمة من بعض الأمور إلا بعد سنوات. ولكن ما دام الإنسان متمسكًا بالله، ويبحث عن الحلول، فإنه لن يُضيَّع أبدًا.

 

مهما كان قرارك، فليكن قائمًا على التفكير العميق، وليس على المشاعر اللحظية. وليكن دوماً مقرونًا بالدعاء والاستخارة، فإن الله لا يخذل من توكل عليه.

 

أسأل الله أن ينير لك بصيرتك، ويرزقك راحة القلب والرضا، ويوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.. وتابعينا بأخبارك.