الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
200 - رقم الاستشارة : 2356
12/08/2025
السلام عليكم دكتور، أنا رجل متزوج منذ عشر سنوات، ولدي ثلاثة أطفال أحبهم أكثر من نفسي. لكن مؤخرًا، بدأت أشعر أن زوجتي تحبهم أكثر مني… ليس حب الأم الطبيعي فقط، بل كأنني لم أعد موجودًا في قلبها بنفس الدرجة.
في الليل، أطفالنا دائمًا بيننا في الفراش. لم نعد نتحدث كما كنا، ولا نضحك، ولا نخطط لمستقبلنا كزوجين. كل وقتها وجهدها ومشاعرها منصبة عليهم. حتى عندما أحاول الاقتراب، أجد جدارًا من الانشغال أو الإرهاق، أو طفلًا يتشبث بها. أحيانًا أشعر أنها تتعمد ذلك… وكأن الأطفال هم الجسر الذي تحتمي خلفه من أي مواجهة أو نقاش بيننا.
في داخلي فكرة الزواج بأخرى، لكني أتراجع فورًا خوفًا من أن ينهار عالم أولادي الصغار. أخاف أن أؤذيهم أو أفقدهم، فهم لا ذنب لهم. أنا مشتت بين حاجتي العاطفية والإنسانية، وبين خوفي على استقرار أسرتي وأمان أطفالي. فماذا أفعل؟ كيف أستعيد زوجتي من بين أيدي أطفالنا، دون أن أكون أنانيًا أو أظلمهم؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أخي الكريم، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك بوابة الاستشارات الإلكترونية، وبعد..
فبعد مرور 10 سنوات على الزواج وإنجاب ثلاثة أطفال لعل أصغرهم لا يزال رضيعًا تكون العلاقة الزوجية في مرحلة مختلفة لا يمكن مقارنتها بمرحلة سنوات الزواج الأولى، ليس لأنها أسوأ لك على الأقل كزوج، ولكن لأنها مختلفة وينبغي التعامل مع هذا الاختلاف والقبول به كأمر طبيعي يجب الاستمتاع بمميزاته والعمل على تقليل عيوبه للحد الأدنى...
دعنا في البداية نحلل الأمر من وجهة نظرك ومن وجهة نظر زوجتك ثم نبحث عن خطوات تساعد على الحل.
تحليل المشكلة
بالنسبة لك تبدو الأمور غير مفهومة أو غير واضحة بشكل جيد، فأنت تحب أولادك جدًّا، حتى أن أحد أهم أسبابك في رفض الزواج الثاني أنك تخشى على نفسية أولادك من جو الشقاق الذي قد يحدث، ولكنك ترى أن هناك مبالغة من طرف الزوجة بالاهتمام بهم، وهذا الاهتمام ينتقص من اهتمامها بك كأنها لا تراك ولا ترى احتياجاتك الشخصية واحتياجاتك كزوج أو كأنها تتهرب منها، هذا هو منظورك للأمر..
دعنا الآن ننظر للأمر من جهة زوجتك، فسنجد امرأة تبذل مجهودًا ضخمًا للغاية في تلبية احتياجات ثلاثة أطفال أكبرهم لا يزيد عن التاسعة.. وهو مجهود بدني عنيف في تفاصيل صغيرة قد لا تراها أنت.. طفل يرفض الطعام أو يرفض الطعام الصحي.. طفل ألقى بفتات الطعام على الأرض بعد أن قامت هي بالتنظيف.. طفلان يتشاجران ويبكيان.. طفل لحوح مُصر على أمر ما.. تفاصيل متناهية الصغر لكنها عالية الكثافة.. سنجد امرأة تعاني من اضطرابات في النوم خاصة لو لديها طفل ضريع يستيقظ ليلاً.. سنجد امراة من المحتمل أنها مصابة بالأنيميا بنقص الكالسيوم وفيتامين د، فبعد الحمل لثلاث مرات والرضاعة مثلها غالبا هذا ما سيحدث ما لم تتنبه وتذهب لزيارة الطبيب لكتابة المكملات الغذائية المناسبة.
الخلاصة أنها امرأة ذات جهد محدود، فهل يذهب هذا الجهد للصغار الذين يحتاجون إليها بصورة شديدة أم يذهب للزوج البالغ الناضج؟
بصورة لا واعية اتجهت زوجتك ناحية الأطفال، وبصورة واعية تقول بدلاً من أن يساعدني ويخفف عني يكثر الشكوى واللوم والعتاب، ومن ثم بدأت تتهرب من النقاش معك.. ذلك النقاش الذي سينتهي بلومها وإشعارها بالتقصير.. بالطبع أنا لا أبرر لها وإنما أقدم نموذجًا تفسيريًّا قائمًا على تحليل اختلاف وجهات النظر حتى نستطيع بناء الحل على أساسه.
خطوات على طريق الحل
أخي الفاضل، بما أنك من أرسلت الاستشارة فأنا سأوجه حديثي لك أنت، وكن على ثقة أن كل تجهد تبذله في إصلاح علاقتكما سينعكس عليها وستجد أنها هي الأخرى ستبذل ما في وسعها حتى توازي جهدك في الإصلاح...
الحقيقة أنني لن أتوجه بهذه الكلمات إليك، لأنك أنت من أرسلت الاستشارة فقط، ولكن لأنك أنت الرجل الذي ينبغي أن يكون مبادرًا بحكم قوامته وبحكم مسئوليته، وفي الحديث المتفق عليه (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
وهذه بعض خطوات صغيرة لكنها مؤثرة جدًّا في إصلاح الوضع الراهن، من ذلك:
* كلمة شكر صادقة مع ابتسامة لطيفة تفعل السحر في إزالة الجهد والعناء، فلا تبخل بها عندما تصنع زوجتك شيئا بسيطًا ولو كوبًا من الشاي.. اشكرها على الطعام الشهي.. قل لها سلمت يداك.. كن لطيفًا معها تكسب قلبها.
* فكِّر بشكل صحي، فبدلاً من أن تفكر كيف تستعيد زوجتك من بين أيدي أطفالك فكِّر كيف تدخل أنت إلى عالمهم بشكل حقيقي وليس عن طريق أن تكون ماكينة صراف آلي.. شاركهم اللعب.. وقت مرح تلعبون فيه.. الدخول للمطبخ وطهي وجبة معًا.
* خفف عنها بعض ما تجد كأن تدرس أحد الأطفال بدلاً منها.. تحمل الصغير بعض الوقت.. تصحبهم لزيارة عائلتك ومنحها بعض الوقت الخاص للاهتمام بأمورها.. شراء بعض الطعام الجاهز أحيانًا.. الاستعانة بعاملة منزلية لو ظروفك المادية تسمح بذلك.
* اصطحب الأطفال لعائلتك أو عائلتها ولو مرة في الشهر، وادعها لتناول الطعام أو الجلوس على أحد المقاهي حتى تستشعر بإنسانيتها وأنها ليست آلة للعمل والخدمة.
* اصطحبها للطبيب للاطمئنان على حالتها الصحية والهدف المزدوج أنها بالفعل قد تكون مريضة، والإرهاق والفتور جزء من مظاهر هذا المرض، والأمر الثاني أنك تريد أن تشعرها باهتمامك بها وبأدق تفاصيلها؛ فالإنسان لا يقاوم الاهتمام.
* يمكنك بعد ذلك دعوتها لحوار صحي لا يتضمن نقدًا لها، فأنت اشرح ما تشعر به دون أن تقول لها أنت تهملينني أنت مقصرة... وابدأ بموضوع نوم الأطفال في فراشكم وامنعه بالتدريج لأنه من الناحية التربوية هذا وضع غير صحي بالمرة.
* جرِّب أن تمنحها جلسة مساج خفيف سيجعلها هذا في وضع استرخاء، وهذا يسهل التقارب الاكثر حميمية، ويمكنك ربط الأمرين معًا، وهذا ما يطلق عليه في علم النفس بالارتباط الشرطي.
أخي الكريم، أذكرك مرة أخرى أنه كلما بادرت وبذلت جهدًا حقيقيًّا جنيت نتائج أكثر من رائعة، فواجه واقعك بدلاً من التفكير في القفز من السفينة.. أسعد الله قلبك وأصلح زوجك وألَّف بين قلوبكما وبارك في أولادكما، وتابعنا بأخبارك دائمًا.