الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
64 - رقم الاستشارة : 2083
17/06/2025
السلام عليكم، أنا شخصية اجتماعية جدا ومحبوبة من كل من حولي وأقوم بكل الواجبات الاجتماعية بينما زوجي شخصية انطوائية لا يحب التعامل مع الناس إلا في أضيق الحدود وعندما أطالبه بمشاركتي أحد الواجبات الاجتماعية فهو لا يكاد يستجيب لي وينتهي الأمر بنا إلى الخصام.. هو يحب الجلوس في البيت بعد أن يعود من العمل ويطالبني أن أظل أجالسه طيلة الوقت وهو لا يحب الكلام إلا معي، أنا وقتي ضيق فأنا امرأة عاملة وهذا كله يوترني ويرهقني.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك غاليتي على موقعك الاستشارات الإلكترونية.
في البداية أريد أن أحدثك -أختي الغالية- أن هناك فروقًا فردية كبيرة بين الشخصيات، وأن علينا احترام هذه الفروق طالما أنها كلها داخل إطار السواء النفسي، والشخصية الانبساطية أو الانطوائية ليست إحداها بأفضل من الأخرى؛ لأن لكل شخصية نقاط قوتها، فبينما أنت تستطيعين القيام بمعظم الواجبات الاجتماعية يستطيع هو أن يخلق جوًّا دافئًا حميميًّا في البيت، وبالمناسبة فكثير من الرجال لا يستطيعون ذلك وتشكو كثير من الزوجات من غياب الرجال عن البيت والخرس الذي يعودون به من الخارج بعد أن يستهلكوا طاقتهم الاجتماعية بعيدًا عنهن.
فقه الأولويات
أختي الغالية، هناك فقه لأولويات الأسرة، فزوجك يأتي على رأس أولويات اهتماماتك وقضاء الوقت بصحبته هو إحدى لغات الحب الشهيرة، والحديث معه والأنس في مشاركته الحياة نفسها أكثر أهمية عن قضاء الواجبات الاجتماعية التي تتحدثين عنها، وهذا فقه الأولويات الذي أريدك أن تتعمقي فيه.. مهارات الذكاء العاطفي الذي عليك بذل الجهد لامتلاك أدواتها.
تقولين إنك امرأة عاملة ومضغوطة في الوقت وهو لم يعترض على عملك وانشغالك، لكن الوقت الذي يتبقى بعد العمل لا بد أن يكون لأسرتك النصيب الأكبر فيه بحيث يجدك زوجك متاحة دون ضغوط أو توتر.. هو يريد أن يجالسك وسوف يقبل أن تقومي ببعض مهام المنزل أثناء هذه المجالسة بل قد يتطوع هو بمساعدتك أو بالقبول عندما تعرضين أنت المشاركة طالما الأمور تتم في إطار هادئ دون تشنجات، فكثير من المهام اليدوية نستطيع القيام بها ونحن عقليًّا ونفسيًّا مشغولون بأمر آخر، وهذا الأمر الآخر هو الحوار الدائر بينك وبين زوجك، فهو بحاجة ماسة لمن يستمع وينصت إليه ويتفاعل مع ما يقول ويبدي الاهتمام، وهذا هو دورك الرئيسي وأولى أولوياتك.
أختي الغالية، ما يتبقى بعد ذلك من وقت يمكنك إنفاقه في الواجبات الاجتماعية التي تتحدثين عنها، وذلك حسب فقه الأولويات أيضًا، فالأقربون أولى بالمعروف وما يمكن القيام به عبر الهاتف ينبغي ألا يتحول لزيارة منزلية، والواجبات الاجتماعية التي تخص عائلته هو من عليه القيام بها أو عدم القيام، فهذه حريته الشخصية وليس عليك أن تحملي نفسك بالمزيد والمزيد من الأعباء؛ فذلك كله يجعل سعادتك واستقرار حياتك الزوجية في حالة من التآكل المستمر.
لا للتوتر
أختي الكريمة، حياتنا من صنع أفكارنا فإذا تسلطت على عقولنا أفكار تثير القلق والتوتر تحولنا لشخصيات قلقة متوترة.. هذه الأفكار كثيرًا ما تعتمد على تقييم خاطئ للواقع.. تقييم خاطئ لطبيعة المشكلات.. تقييم خاطئ للأولويات، وتكون النتيجة أننا نعاني من مشاعر مؤلمة وقاسية والتي عبرت أنت عنها بالتوتر والقلق والإرهاق، وهي مشاعر قابلة للتوسع وأسوأ ما فيها أنها قد تجعلك تزهدين ما في يدك من نعم بدلاً من أن تحمدي الله عليها {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم: 7).
جاء في تفسير الوسيط في شرح هذه الآية: "يا قوم إن ربكم قد أعلمكم إعلامًا واضحًا بليغًا مؤكدًا بأنكم إن شكرتموه على نعمه، زادكم من عطائه وخيره ومننه، وإن جحدتم نعمه وغمطتموها واستعملتموها في غير ما يرضيه، محقها من بين أيديكم، فإنه -سبحانه- عذابه شديد، وعقابه أليم".
فاحمدي الله -غاليتي- على هذا الزوج الذي يحبك ويحب مجالستك والكلام معك؛ ما يعني أن لك منزلة كبيرة في قلبه، ولا تجعلي الشيطان يعبث في أفكارك ويجعلك ترين أن هذه النعمة هي ضغط عليك ومسئولية لا تطاق بحيث تشعرك بالتوتر والإرهاق فلا تنتبهي إلا وقد زالت هذه النعمة وأصبح لديك مشكلات حقيقية مؤلمة بحق.
أريدك الآن أن تهدئي وتجلسي مع نفسك وتستغفري الله ثم تفكري في حياتك عمومًا وحياتك الزوجية خاصة وتناقشي هذه الأفكار التي تراودك وتضعيها على معيار الشريعة ثم تقومي بتقييمها مرة أخرى، وأريدك أن تتابعي مشاعرك قبل وبعد هذه المراجعة في ضوء ما كتبته لك من كلمات.. أسعد الله قلبك وأصلح ما بينك وبين زوجك وأراك الحق حقًّا ورزقك اتباعه، وتابعيني بأخبارك.