الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الحياة الزوجية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
111 - رقم الاستشارة : 2719
18/09/2025
السلام عليكم.. مشكلتي حساسة وهي متعلقة بزوجتي، فأنا مصدوم فيها بعد أن اكتشفت أن زوجتي المصون التي تهمل البيت والأطفال مشغولة بمشاهدة مواد إباحية بينما أنا أعمل صباحا ومساء من أجل توفير حياة كريمة لأسرتي، ولما واجهتها صرخت في وجهي واتهمتني أنني السبب وأنني اهملها وأنا أفكر جديا في طلاقها، فلم أعد أثق في أخلاقها، ولكن كلما أفكر في مصير أطفالي أتردد.. أنا أشعر بالاختناق وأهملت عملي وأشعر أن حياتي قد تحطمت فهل من حل؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أخي الكريم في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع..
أشعر بصدمتك وفجيعتك عندما اكتشفت ما تقوم به زوجتك في الوقت الذي تشعر فيه أنك تبذل أقصى ما في جهدك من أجل أن تحيا أسرتك حياة كريمة، لكن يا أخي الفاضل لا يمكن أن يتخذ الإنسان قرارًا مهمًّا ومصيريًّا تحت وقع الصدمة؛ لأن الرؤية ستكون مشوشة وغير واضحة، وبالتالي فهناك احتمالية كبيرة أن يكون قرارًا خاطئًا يندم الإنسان عليه لاحقًا؛ لذلك أرجو ألا تتخذ أي قرار يخص زوجتك أو حياتك المستقبلية في اللحظة الراهنة.
سوق الإباحية
لقد وقعت زوجتك فريسة لسوق الإباحية الكبير الذي لا تقل استثماراته عن 100 مليار دولار سنويًّا، ويتم إنتاج مشهد مصور إباحي كل ما يقارب 30 دقيقة.. سوق يقوده اليهود منذ نشأته ويهدف لتحطيم أكبر وأهم سردية عرفتها البشرية.. سردية العفة والفضيلة.. إنها صناعة تحطم الوعي قبل الأخلاق وتصنع وعيًا جديدًا يتسم بالعنف والشذوذ.. لقد أصبح الوصول للإباحية بالغ السهولة مع ثورة الإنترنت وانتشار الهواتف الذكية الرخيصة.
هل تدرك -يا أخي الفاضل- أن زوار المواقع الإباحية ينافسون زوار ومستخدمي فيس بوك وأنستجرام وإكس، وأن 30% من محتوى الإنترنت هو محتوى إباحي.. لماذا أخبرك بهذه المعلومات؟ لأنني أريدك أن تدرك أي رمال متحركة وقعت زوجتك فيها دون بذل كثير من الجهد، فهذه المواقع تظهر وبشكل مكثف من خلال مقاطع إعلانية تقتحم أفضل المواقع الجادة والرصينة.. ما أقصده أن المواقع الإباحية هي من تجري خلف زوجتك وليس زوجتك هي من سعت نحوها.. أنا لا أبرر ما حدث أنا فقط أريدك أن تدرك حجم المؤامرة الإنسانية والخلقية التي ألقت بشباكها على زوجتك.
الإباحية والنساء
قد تتصور أن هذه المواقع الإباحية ترتبط بالرجال فقط، لكن بعض المؤشرات تشير إلى أن نسبة المستخدمين من النساء تصل لـ 47% من مستخدمي ومشاهدي هذه المواد، والأغلبية الساحقة من النساء يدخلن لهذه المواقع عبر الهاتف.
أخي الكريم، هذه المقاطع المصورة تؤثر في كيمياء المخ وعلى الفص الجبهي وعلى المادة الرمادية وتنشئ وصلات عصبية خاصة بها، وهذا كله يجعل مشاهدها فاقدًا للطموح فاقدًا للشغف، وبالتالي فما تلمسه من إهمال زوجتك لواجباتها المنزلية وإهمالها للأطفال هو أحد النواتج المتوقعة من مشاهدة هذه المقاطع.
لكن لا يمكن أن نستبعد أن يكون هذا الإهمال ناتجًا عن الاكتئاب، فالاكتئاب يفقد الإنسان الرغبة في الحياة كلها، وبالتأكيد يفقده الرغبة في القيام بالواجبات التي عليه التي تتحول لالتزامات بالغة الثقل.. فهل سببت لها مشاهدة المواد الإباحية الاكتئاب؟ أم أن الاكتئاب والإحباط هو ما دفعها لمشاهدة المقاطع الإباحية؟
لماذا فعلت هذا؟
وهذا يدفعنا لسؤال بالغ الأهمية ألا وهو ما هي دوافع زوجتك للدخول لمثل هذه المواقع؟ إنها ليست دعوة للتبرير والتماس الأعذار بحال ولكنها دعوة للفهم.. ما الذي يدفع سيدة متزوجة للدخول على مواقع إباحية؟ المؤشرات تشير إلى أن نسبة كبيرة جدًّا من المتزوجين هم رواد لمثل هذه المواقع حتى أنهم ينافسون المراهقين مع اختلاف الدوافع بين الفئتين.
ويمكن أن نقول دوافع المتزوجين بوجه عام تدور حول الإحباط من العلاقة الحقيقية الزوجية التي يعيشها.. سواء لوجود رغبة عالية وقدرة محدودة أو للملل والفتور الذي اعترى العلاقة الزوجية أو لعدم تجاوب الزوج أو الزوجة، والبعض يدخل لهذه المواقع القبيحة من باب الفضول أو الرغبة في التعلم والتقليد ثم تغوص قدماه في الرمال المتحركة أو بحيرة الإباحية الموحلة فيظل يغرق ويستسلم بعد أن يفقد الأمل في النجاة.
بالعودة لزوجتك فلقد صرخت في وجهك واتهمتك بإهمالها.. كأنها تجيب عن السؤال وتتهمك أنت بأنك الدافع وراء ما قامت به.. وبالطبع لا تزر وازرة وزر أخرى، وكان عليها أن تجلس وتتحدث معك وتشرح لك ما تعاني منه بدلا من الوقوع في هذه المحرمات وحتى لو كنت مهملاً أو مقصرًا فهذا لا يصلح ليرفع عنها إثم ما ارتكبت، ولكن في الوقت ذاته يدفعنا لمناقشة شكل وطبيعة علاقتك بها، فإن كان إهمالك لا يبرر ذنبها فإنه مهد الطريق لهذا الذنب.. والإهمال في حد ذاته مشكلة جسيمة.
يا أخي الفاضل أنت الرجل، من منحك الشرع درجة القوامة والتي تعني القيام على شئون زوجتك والاهتمام بإشباع حاجتها الأساسية، والحاجات الأساسية للإنسان لا تعني السكن والطعام والشراب فقط ولكن تعني أيضًا الحق في حياة زوجية مشبعة وكافية.. ضغط العمل لا يصلح كعذر، وكان عمر بن الخطاب يمنح عطلة للمجاهدين على الثغور حتى يقوموا بزيارة زوجاتهم؛ لأن مواجهة فتن العالم في الخارج ينبغي ألا تنسي الإنسان ما قد يحدث من فتن في الداخل.
ما أريد قوله بأن عليك أن تجلس بهدوء مع نفسك قبل أن تدين زوجتك أو تتخذ قرارًا خطيرًا يحطم هذه الأسرة، واسأل نفسك هل قصرت مع زوجتك؟ هل أهملتها عاطفيًّا؟ هل أهملت العلاقة الزوجية تحت تأثير ضغط العمل؟ هل تجاهلت رغباتها؟ هل أنت مسؤول على نحو ما عن تعرضها لهذه الفتنة؟ أجب نفسك بصدق وموضوعية ونزاهة.
زوجتك بفضل الله لم تخنك.. لم تتحدث لرجل غريب.. نعم أخطأت ولكن ضع خطأها في حجمه الحقيقي في ضوء ما شرحت لك.. البشر جميعًا -رجالاً ونساءً- معرضون للخطأ، والله سبحانه وتعالى هو الغفور الرحيم، وخير الخطائين التوابون.
أهمية الحفاظ على العائلة
أخي الكريم، أتمنى أن تنصت لصوت العقل وألا تسعى لتدمير كل شيء أو تهدم المعبد كما تقول؛ ففي ركن ما من أركان هذا المعبد يوجد أطفال صغار أبرياء بحاجة للتفكير بدلاً من المرة عشر مرات قبل أن تفقدهم أمانهم في ظلال العائلة..
الطلاق -يا أخي الكريم- هو أقصى ما يحلم به الشيطان (إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمَهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ ما صنعتَ شيئًا، ويجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينَه وبين أهلِه، فيُدْنِيه منه، ويقولُ: نعم أنتَ)، فلا تحقق أحلام الشيطان، واستعذ بالله منه، ودعنا نفكر في وضع خطوات صغيرة لكنها فعالة للمساعدة في الحل:
* أنت بحاجة أولاً أن تهدأ فاجلس استغفر الله 100 مرة وصلِّ على النبي 100 مرة، واسأل الله أن يريك الحق حقًّا ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه.
* أنت بحاجة للحديث مع زوجتك بهدوء ودون إهانات.. قل لها إنها أخطأت في حق الله تعالى وفي حق نفسها قبل أن تخطئ في حقك وإنها يجب عليها التوبة، وتذكر ما قاله النبي ﷺ للسيدة عائشة وقت حادثة الإفك (ثمَّ تَشهَّدَ النَّبيُّ ﷺ بالشَّهادتينِ، ثمَّ سَأَلَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها عمَّا بَلَغَه وأُشِيعَ عنها، وقال: «فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً» غيرَ مُتَّهمةٍ، فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ سيَكفُلُ تَبرئتَك ويُظهِرُها، «وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فاسْتَغْفِرِي اللهَ وتُوبِي إلَيهِ؛ فإنَّ العَبْدَ إذا اعْتَرَفَ بذَنْبِه ثمَّ تابَ، تابَ اللهُ عليه»).
* امنحها فرصة للدفاع عن نفسها وشرح الدوافع لما قامت به من سلوك، المهم أن تعترف بخطئها وتندم عليه وتعزم ألا تعود إليه أبدًا.
* عليك أنت أيضًا أن تساعدها في التوبة، فمن خلال الحوار يمكن أن تضعوا قواعد جديدة تحكم علاقتكم حتى لو قللت من عدد ساعات عملك الإضافي وقل الدخل المادي، المهم أن تكون متواجدًا وبشكل حقيقي وفعال في حياتها، وعليها أن تدرك أن المستوى المعيشي المعتاد قد ينخفض والحياة ما هي إلا توازنات.
* من المهم جدًّا أن تفكرا معًا في طريقة لدعم الأطفال وتجاوز فترة الإهمال التي تعرضوا لها.. وأيًّا كان قرارك فلا بد أن يكون للأطفال أولوية عالية فيه.. أسعد الله قلبك ورزقك راحة البال، وتابعنا بأخبارك.
روابط ذات صلة: