زوجي ثقيل المزاح ويحرجني.. أثور أم أتحمل؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : الحياة الزوجية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 205
  • رقم الاستشارة : 2259
03/08/2025

زوجي قلبه طيب، بس مشكلته يكثر من المزح الثقيل حتى في الأوقات الجدية، ومرات يحرجني قدام الناس بكلامه، أو يقول ألفاظ ما أحبها. لما أعاتبه يقول لي: "أمزح، لا تكبرين السالفة!"، وأحس وقتها إن مشاعري ما تهمّه.

هل هذا المزح يعتبر من قلة الأدب في العشرة الزوجية؟

وكيف أوازن بين إني أتحمل طبع زوجي، وبين إني أطالب بحقي في الاحترام والتقدير، خصوصًا قدام العالم؟

حائرة بين تحمله وبين إني أثور في وجهه.

الإجابة 03/08/2025

مرحبًا بك أختنا الفاضلة، ونشكرك جزيل الشكر على ثقتك بنا، وعلى فتح قلبك لنا بهذا السؤال، أسأل الله أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك على المحبة والمودة والرحمة، وبعد...

 

الزواج سكن ومودة ورحمة

 

اعلمي –أختي الكريمة- أن الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد بين رجل وامرأة، بل هو آية من آيات الله العظمى، وميثاق غليظ، جعله الله سكنًا ومودة ورحمة. يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكمْ مِنْ أَنْفُسِكمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِك لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ﴾ [الروم: 21]، وهذه الآية الكريمة ترسخ مفهوم السكن النفسي، والاطمئنان الروحي، والمودة التي تتجاوز مجرد الحب، والرحمة التي تتجلى في التجاوز والتسامح والعطف؛ لكن هذا لا يعني التغاضي عن كل ما يؤذي المشاعر أو يمس الكرامة.

 

مزاح الزوجين بين المباح والمحظور

 

إن المزاح في أصله مباح، وقد كان النبي ﷺ يمزح ولا يقول إلا حقًّا، وكان مزاحه ﷺ يضفي البهجة والسرور على قلوب أصحابه وأهله؛ لكنه كان مزاحًا لطيفًا لا يخدش حياءً ولا يجرح نفسًا ولا يؤدي إلى إحراج. فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال له: «يا ذا الأذنين» [رواه الترمذي]، والمقصود هنا مزاح لطيف يدل على الود والمحبة.

 

أما المزاح الذي يكثر حتى في أوقات الجد، ويحرج أمام الناس، أو يتضمن ألفاظًا لا تليق، فهذا يدخل في باب المنهي عنه. فالعشرة الزوجية مبنيَّة على الاحترام المتبادل والتقدير والحفاظ على مشاعر الطرف الآخر. عندما يقول لك زوجك: "أمزح، لا تكبرين السالفة!"، ويشعرك بأن مشاعرك لا تهمه، فهنا يكمن الخلل. ونعم، هذا التصرف قد يعد نوعًا من قلة الأدب وسوء العشرة؛ لأنه يتعارض مع المودة والرحمة اللتين أمر بهما الإسلام.

 

فالمزاح إذا تجاوز الحدود الشرعية والأخلاقية، وأفضى إلى إهانة أو إحراج أو إيذاء مشاعر، فإنه يصبح مذمومًا. يقول النبي ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [متفق عليه]. وهذا يشمل تجنب إيذاء مشاعر الآخرين بما لا نحب أن تؤذَى به مشاعرنا.

 

الموازنة بين التحمل والمطالبة بالحقوق

 

أما عن سؤالك عن كيفية الموازنة بين تحمل طبع زوجك والمطالبة بحقك في الاحترام والتقدير، فأنصحك بالآتي:

 

1- الصبر والحكمة:

 

الزواج رحلة تحتاج إلى صبر وحكمة. قد يكون المزاح الثقيل من زوجك لديه فيه نية طيبة؛ ولا يدرك أثره عليك. فابدئي بأسلوب النصح الليِّن والهادئ في الأوقات المناسبة، بعيدًا عن الأوقات التي يكون فيها المزاح قد حدث للتو، حتى لا يشعر بأنك تهاجمينه. اختاري وقتًا تكونان فيه بمفردكما، وفي أجواء هادئة ومريحة، وعبّري له عن مشاعرك بصدق، ولكن بلطف. قولي له مثلًا: «أنا أحبك وأحب مزاحك وضحكك، ولكن بعض كلماتك أو مزاحك يحرجني أمام الناس ويؤذي مشاعري، وأتمنى أن تراعي ذلك»، وحبذا لو ضربت له أمثلة لبعض هذه الكلمات التي تضايقك في مزاحه.

 

2- تذكيره بالقدوة الحسنة:

 

يمكنك تذكيره بصفات النبي ﷺ وحسن عشرته مع أزواجه، وكيف كان يحافظ على مشاعرهن. فليس هناك قدوة أفضل من رسول الله ﷺ. يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كانَ لَكمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: 21].

 

3- وضع الحدود بذكاء:

 

من حقك أن تُحتَرمي وتُقدَّري؛ خصوصًا أمام الآخرين. عندما يحدث الموقف أمام الناس، قد لا يكون الوقت مناسبًا للمواجهة، ولكن يمكنك أن تظهري عدم رضاك بابتسامة خفيفة تدل على عدم الإعجاب، أو بتغيير الموضوع بلطف. ثم بعد ذلك، وفي وقت خاص بكما، تحدثي معه بوضوح وصراحة عن الحدود التي ينبغي ألا يتجاوزها، وأكدي له أن احترامك وتقديرك بينكما وأمام الناس ليس خيارًا؛ بل هو أساس واجب للحفاظ على العلاقة الزوجية. اشرحي له أن شعورك بالأمان والاطمئنان في وجوده هو ما يقوي العلاقة بينكما، وأن المزاح الثقيل يهز هذا الأمان.

 

4- الاستعانة بالدعاء:

 

لا تنسي قوة الدعاء، فالله -سبحانه وتعالى- بيده مقاليد الأمور، وهو القادر على تقليب القلوب. ادعي الله كثيرًا أن يهدي زوجك، وأن يليِّن قلبه لك، وأن يرزقكما المودة والرحمة. فالدعاء سلاح المؤمن.

 

5- الموازنة بين الثورة والتحمل:

 

أختي الكريمة، إن «الثورة في وجهه» قد تكون رد فعل طبيعيًّا لمشاعر الإحباط والأذى، ولكنها غالبًا ما تزيد الأمور سوءًا. ديننا يدعو إلى الحكمة والصبر والأناة. تذكري قول النبي ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» [متفق عليه].

 

بدلًا من الثورة، حاولي أن تتواصلي بفاعلية، عبِّري عن ألمك، لا عن غضبك. قولي: «أنا أتألم عندما تقول كذا وكذا»، بدلًا من «أنت مخطئ في قول كذا وكذا». التركيز على مشاعرك أنتِ يجعله أقل دفاعية وأكثر تقبلاً.

 

وختامًا -أختي الفاضلة- إن هذه الحيرة التي تعيشينها هي جزء من تحديات الحياة الزوجية، وقد جعل الله هذه التحديات فرصة لتقوية الروابط وتعميق الفهم المتبادل بين الزوجين.

 

تذكري دائمًا أن الحب الحقيقي ينمو بالاحترام والتقدير والتفهم.

 

اسعي جاهدة للحفاظ على العلاقة، ولكن لا تتنازلي عن حقك في الاحترام والتقدير.

 

كوني ذكية وحكيمة في تعاملك، واستعيني بالله –تعالى- في كل خطوة تخطينها.

 

أسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يجمع بينكما على الخير، وأن يجعل بيتكما روضة من رياض الجنة، مليئة بالحب والمودة والرحمة. حفظك الله ورعاك، وتابعينا بأخبارك.

الرابط المختصر :