Consultation Image

الإستشارة 09/04/2025

زوجي يتابع الاباحيات بشكل مستمر، تزوجت من ٤ سنوات ونص وكل فترة بعد ما افتش في جواله القى اثار لمواقع او فيديوهات تابعها، رغم اني لا اقصر ابدا في اي جانب في حياتنا الزوجية ابدا وان حدث تقصير ولامني اطيعه، بعد كل مواجهة له يخبرني بانه يحتاج ان اساعده وان نجد حلول ساعدته كثير حلقات قران الانتظام على الصلوات في المسجد متابعة مقاطع ودروس توعوية، ينتظم لفتره بسيطه ثم يعود لنفس المشكله، والان وصلت الى مرحلة سيئ جدا اصبحت ابغضه ولا اتحمل رؤيته وايامنا تنتهي بجدالات ومشادات رغم انه لا يعلم اني اكتشفت انه عاد لمتابعة الاباحيات مره اخرى، هل اواجهه مره اخرى؟ وكيف ممكن يحل هذه المشكله بحث لا يرجع للمتابعة مره اخر (للمعلوميه فكرت بالانفصال كثيراً لكن افكر بمصلحة ابني الصغير)

الإجابة 09/04/2025

ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع.. للأسف الشديد فمشكلتك مما عمت به البلوى في هذا العصر الذي نعيشه.. أعني أنها مشكلة متكررة بصورة لا تتخيلينها، ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة فإنني أؤكد لك أنها واحدة من أبرز أسباب المشاحنات في البيوت.

 

وقبل أن نتحدث عن مشكلتك أنت تحديدًا أريد أن أحدثك عن صناعة الإباحيات في عصر العولمة.. لك أن تتخيلي يا ابنتي أنها صناعة ينفق عليها ما يقارب ١٠٠ مليار دولار سنويًّا.. هل أنت متخيلة ضخامة الرقم؟

 

صناعة جبارة يا ابنتي تستخدم أدوات شيطانية رهيبة بحيث تبدو العلاقات الطبيعية جوارها فاترة للغاية.. صناعة لها مخرجون متخصصون وممثلون محترفون.. وإضاءة بطريقة خاصة وأحيانًا خدع بصرية وحيل وتلاعب نفسي حتى يخرج من الإنسان أسوأ ما فيه من غرائز مختلطة بالطين الخالص الذي هو جزء من تكوينه بعيدًا عن نفحة الروح الإلهية.

 

يا ابنتي، الإنسان له طبيعة مزدوجة قد تحلق به فيكاد يصافح الملائكة، وقد تهبط به حتى يسلك سلوكيات لا تقوم بها الحيوانات في البرية وتختنق روحه فيتحول هو ذاته لشيطان تحركه الغرائز في أحط صورها.. وصناعة الإباحية هي تلك الصناعة التي تقوم بتحويل الإنسان الذي كرمه الله لهذا الكائن الغرائزي الذي يتنفس الطين.

 

الإباحية والإدمان

 

مشكلة الإباحية تتجاوز كونها ذنبًا كباقي الذنوب التي قد يقع فيها الإنسان ثم يتوب منها، وقد يقع فيها مرة أخرى بعد حين، إذا توافرت الظروف والشروط نفسها.

 

أما الإباحية فذنب ذو طبيعة خاصة حيث له صفة الإدمان، فعندما يشاهد الإنسان المواد الإباحية ينشأ في المخ تشابك عصبي جديد، ومع التكرار تتحول التشابكات لشبكة قوية في المخ تحدث حالة من الضغط والإلحاح العنيف على الإنسان حتى يتم الاستجابة لها فيقوم مركز المكافأة في المخ بإفراز الدوبامين الذي يشعر الإنسان بالراحة والسعادة المؤقتة؛ لأنه سيحتاج لتكراره، ومع التكرار يقل إنتاج الدوبامين فيحتاج الإنسان أن يزيد من جرعة الإباحية من حيث الكم أو الكيف فينحط لمشاهدات أكثر قذارة وأبعد عن الفطرة الإنسانية، وهكذا تتحول الإباحية من ذنب لإدمان يسلك نفس مسار المواد المخدرة النمطية المعتادة.

 

لذلك فمن المعتاد حدوث الانتكاسات وتكرارها بعد بذل الجهد في التعافي من لعنة الإباحية.. وهو ما حدث مع زوجك يبذل جهدًا ويلتزم بالصلاة في المسجد ويحافظ على ورده من القرآن ومع أي لحظة ضعف أو تهاون أو تكاسل يعود مرة أخرى لهذه الأشياء.

 

أحيانا قد يرى شيئًا أو يسمع شيئًا فيحدث تنبيه لهذه التشابكات العصبية، وأحيانا تأتي هذه الأشياء حتى عنده بصورة مفروضة عليه، فبينما هو يطالع أي موقع مباح وقد يكون موقعًا دينيًّا تقتحم عليه هذه الصور عالمه فتقوم بتنبيه التشابكات العصبية الموجودة في مخه فتحدث الانتكاسة.

 

المشكلة أن تكرار الانتكاسات تؤدي لحالة من الإحباط وتفقد الإنسان ثقته في قدرته على التحكم في حياته وتجعله ضعيفًا في مواجهة الفتن فيترك نفسه للغوص في القاع.

 

بين الدعم والشجار

 

ابنتي الغالية، حاولت الاستفاضة في شرح قضية الإباحية كي تدركي مدى صعوبة الأمر، لكي تكوني خير داعم لزوجك والد ابنتك؛ فالشجار والمشاحنات ستوفر أجواء مناسبة لمزيد من تردي الوضع، لذلك أريد أن تقرئي هذا الحديث أكثر من مرة ففيه تشابه لما تعانين منه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- برجل قد شرب، قال: "اضربوه"، فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان" رواه البخاري.

 

وفي رواية أخرى: "ثم أمرهم فبكَّتوه فقالوا: ألا تستحي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصنع هذا؟ ثم أرسله، فلما أدبر وقع القوم يدعون عليه ويسبونه، يقول القائل: اللهم اخزه اللهم العنه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا: اللهم اغفر له اللهم ارحمه" رواه أبو داوود والبيهقي.

 

هذا الرجل في الحديث صحابي، وله بالتأكيد أعمال صالحة لكنه أيضا مدمن كحول.. يشرب الخمر وهو ما استوجب عقابه، وفي الوقت ذاته نهى النبي الصحابة عن لعنه أو الدعاء عليه؛ لأنهم هكذا يعينون الشيطان على أخيهم ويغلقون أمامه أبواب الرحمة ويفتحون في نفسه أبواب اليأس، فهو رغم ارتكابه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه فرد في الجماعة المؤمنة لا بد أن يتم تشجيعه على التوبة عن طريق الدعاء له الذي يحمل معاني الرجاء، بينما الدعاء عليه ولعنه يجعله ييأس من رحمة الله ويوقن من الهزيمة في معركته ضد الخمر.

 

ابنتي الكريمة، نفس هذا الخطاب موجه إليك؛ فمشاعر الكراهية والبغضاء التي بدأت تشعرين بها نحو زوجك لا بد أن ذبذباتها قد وصلت إليه فإذا أضفنا لذلك أجواء المشاحنات والشجار سنجد أن هذا أكثر ما يعين الشيطان على زوجك.. أن يشعر أنه مرفوض مكروه فيجد في المواد الإباحية التي يشاهدها تشتيتًا لذهنه عن الأجواء التي يعيش فيها خاصة لو أنك تمتنعين عنه مع تصاعد الشجار فهذا أيضا إعانة للشيطان.. التعامل معه بنفور وتقزز يصب هو الآخر في نفس الرافد أي إعانة الشيطان عليه.

 

لعلك تتساءلين وماذا عني أنا وقد خانني وأنا التي لم أقصر معه في شيء؟

 

أقول لك -يا غاليتي- لقد خان الله سبحانه وتعالى في أمانته (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء: ٣٦)، وخان نفسه وظلمها بعد ذلك: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (يونس: 44).

 

لذلك أريدك أن تنظري للصورة الواسعة وتعتبري نفسك في جهاد وعلى ثغرة من الثغور أن تحمي أسرتك وتحفظي استقرارها عن طريق دعم هذا الرجل حتى يتخلص من هذا الإدمان، وهذا الدعم لن يحدث وأنت تسمحين لمشاعر الكراهية أن تتسلل لقلبك.. لذلك أريد منك أن تنظري للمشكلة بوعي جديد يجعل مشاعر الشفقة تنتصر على مشاعر الكراهية ويجعل الدعاء سلاحك بدلاً من الشجار، وكوني كما أنت أنثى كاملة لا ينقصها شيء ولا تتجسسي على هاتفه وتتبعي عوراته فهذا لا يجوز ولا يفيد شيئًا.. أسعد الله قلبك وأصلح زوجك وألّف بين قلبيكما، وتابعيني بأخبارك دائمًا.

الرابط المختصر :