الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
31 - رقم الاستشارة : 976
14/02/2025
تجاهل هدية الفلانتين.. هل فقد شغفه؟ السلام عليكم أنا عروسة جديدة لم أكمل سنة زواج.. من يومين سألت زوجي عن هدية الفلانتين فقال لي إننا تزوجنا بالفعل وأنه كان يأتيني بها أيام الخطوبة وأخذ يتحدث عن الضغوط المادية وميزانية رمضان وأنا لم أقتنع بشيء مما قاله فلقد كان حريصا أن يقدم لي الهدايا أيام الخطوبة رغم إنه كان مضغوط بسبب مصاريف الجهاز ومن وقت هذا الحوار وأنا متجنبة الحديث معه وكنت أظن أن سيشتري لي هدية حتى يصالحني لكنه لم يفعل وتجاهلني هو الآخر.. هل فقد شغفه تجاهي ولم يعد يحبني؟ وهل حقا الزواج مقبرة الحب كما يقال؟
ابنتي الغالية، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في بوابة الاستشارات الالكترونية لمجلة المجتمع.. وسأبدأ بإجابة سؤالك الأخير "هل حقًّا الزواج مقبرة الحب؟" وأؤكد لك يا ابنتي إنه سؤال مليء بالمغالطات فعندما وصف الله سبحانه وتعالى الزواج اعتبره آية من آياته تحقق للإنسان السكن، وعندما تحدث عن أهم ما يميزه تحدث عن المودة والرحمة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
فالزواج الحقيقي كما جاء في الشرع هو الذي يحقق السكن والسكينة ويشعر فيه الإنسان بالإشباع الجسدي والنفسي والعاطفي (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) [البقرة: 187]. يشرح هذا المعنى الأستاذ سيد قطب في الظلال فيقول: (والرفث مقدمات المباشرة أو هو المباشرة ذاتها، وكلاهما مقصود هنا ومباح، ولكن القرآن الكريم لا يمر على هذا المعنى دون لمسة حانية رفافة تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقًا ونداوة.. وتنأى بها عن غلظ المعنى الحيواني وعرامته، وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة).
إنه الحب الحقيقي غاليتي، متمثلاً في هذا السكن الذي يحقق سكينة النفس واطمئنانها، إنه الأمان الذي يمثله اللباس للإنسان، إنه المودة وتعني الحب والرغبة في القرب.. الحنان واللطف والرغبة في إسعاد الطرف الآخر.. تعني الاهتمام والرعاية، أي إنها تشمل الحب كشعور وتشمل الحب بشكل عملي.
والرحمة يا عزيزتي، تعني التسامح.. التغافل.. التعاطف فهي تتكامل مع المودة لمنح العلاقة الاستقرار الكافي للنمو والتعمق.. فكيف تقولين عزيزتي إن الزواج مقبرة الحب؟!
قلوب حمراء ودباديب
الزواج، غاليتي، هو التربة الخصبة التي ينمو فيها الحب الحقيقي الذي شرحت لك بعضًا مما يعني؛ فالحب ليس قلوبًا حمراء وشيكولاته ودبدوب.. الحب ليس كلمات محفوظة مكررة على كارت.. الحب لا يمكن اختزاله في هدية، هذا تسطيح شديد لمعاني الحب أقوى المشاعر الإنسانية.
لا شك، يا ابنتي، أن الهدية صورة من صور التعبير عن الحب، وفي الحديث (تهادوا تحابوا)، أو يمكننا القول إن الهدية لغة من لغات الحب ولكنها بالتأكيد ليست اللغة الوحيدة؛ فالكلام الرقيق الدافئ لغة، والاحتضان والقرب لغة، والاهتمام والرعاية لغة، كما أن الهدية لغة أيضًا.
وأنا لا أنتقدك لطلب هدية فهي رغبة مشروعة، ولكن ربطك للهدية بما يسمى عيد الحب أو الفلانتين وهو عيد لا ينتمي لثقافتنا في شيء بل هو يضرب في جذوره للثقافة المسيحية في العصر الروماني ونما وتطور برعاية كنسية حتى انتقل للعصر الحديث فأصبح ضمن ما يمكن أن نطلق عليه ثقافة منظومة العولمة التي يراد فرضها على الأفراد والشعوب، وما الاحتفال بالفلانتين إلا وجه من وجوه القوة الناعمة التي تحظى بها العولمة.. حتى كاد يكون الاحتفال والهدايا في هذا اليوم أن يصبح مقدسًا خاصة للنساء.. حتى إنك خاصمت زوجك وتجنبت الحديث معه لأنه رفض أن يقدم هدية في هذا اليوم.
بين البخل والاهتمام
أعلم أنك ستقولين لي إن رفض زوجك لتقديم هدية الفلانتين لم يكن بسبب هذه الأبعاد الثقافية التي ذكرتها وإنما أنت ترينه واحدًا من رجلين:
* رجل بخيل يرفض تقديم الهدايا.
* رجل فقد الشغف والاهتمام.
والأمر ليس كذلك غاليتي فزوجك رجل تقليدي فهو غير مقتنع بالقلوب الحمراء والدباديب، وهذه الأشياء ولا تمثل له شيئًا ذا قيمة، ولكن جرت العادة والتقليد أن يتم تقديم هذه الهدايا للخطيبة كدلالة على الاهتمام والحب، وبالتالي هو تكبد عناء شرائها رغم أنه كان مضغوطًا في مصروفات الجهاز كما تقولين حتى لا تشعري أنه لا يهتم بك أو أنك أقل من باقي الفتيات.
لكن بعد الزواج رأى أنه لم يعد بحاجة للتكلف معك فتعامل معك بعفوية، وبدأ يلفت انتباهك لأولوياته المادية كمصروفات رمضان وعيد الفطر، وأيضًا ربما يكون هناك طفل في الفترة القادمة، وكل هذه الأمور بحاجة للمال، وكان من الممكن أن تلفتي انتباهه لحاجتك لهدية بطريقة مختلفة، لكنك اخترت وسيلة الصمت العقابي كرد فعل لرفضه هدية الفلانتين كورقة ضغط عليه وهو ما رفضه وتعامل معك بنفس المنطق وتجاهلك، والصمت والتجاهل هما ما سيفقدان علاقتكما الشغف ويسحب من رصيد الحب الذي قمتما ببنائه في الفترة السابقة.
الحب والتواصل
إذا كان الحب في بداياته وتحت إلحاح الهرمونات يتسم بالاندفاع الشديد ومعظم الروايات الأدبية والأشعار كتبت تحت تأثير هذه المرحلة العنيفة من الحب، والدراما والسينما صورت هذه المرحلة كأنها الصورة الوحيدة الممكنة للحب، والحقيقة غير ذلك فإن هذه المرحلة لا يمكن أن تستمر للأبد إلا في حالات نادرة مثل الفقد والحرمان فيظل طيف الحبيب يتحدى الواقع وضغوطه وهي حالة غير طبيعية بحاجة للدعم النفسي.
أما في العلاقات الطبيعية فتهدأ هذه الاندفاعات تحت تأثير الإشباع، وهو أمر منطقي حتى يستطيع الإنسان أن يستمر قُدمًا في حياته وعمله وتتحول العلاقة الصحية لحب عميق دافئ، ولكنه يتسم بالهدوء النسبي، وكلما مر الوقت على هذا النوع من الحب ازداد عمقًا وأصبح يمثل جزءًا ومكونًا رئيسيًّا من مكونات الشخصية.
هذا الحب العميق ليس سهمًا يلقيه كيوبيد على القلب كما تصوره الرواية النمطية للحب وإنما هو علاقة تشبه علاقة المزارع بأرضه، يبدأ بإلقاء البذور ثم يتعاهدها بالرعاية وينزع عنها الحشائش الضارة ويظل يسقيها بمقدار حتى تثمر، وهو ما يمكن أن نلحظه من معنى فرعي في استخدام لفظ "الحرث" (نِسَآؤُكُمۡ حَرۡثٞ لَّكُمۡ) [البقرة: 223].
الحب العميق يُبنى بالمواقف وبالكلمات.. يُبنى بالاحتواء والتفهم والاستماع.. يُبنى بالعطاء والاهتمام.. الحب العميق يبنيه الطرفان معًا في علاقة تبادلية جميلة لا تقوم على التجنب والصمت والتجاهل أبدًا، فاحذري.. واحرصي أن تجعلي قنوات التواصل نقية متدفقة لا يعكرها النكد ولا تعكرها السلوكيات غير الناضجة.
وأخيرا، أريد أن أهمس في أذنك -يا بنيتي- أن تتلمسي ظروف زوجك المادية وأنت ترين الأزمات الاقتصادية الطاحنة تضرب العالم كله.. فكونه آثرك على نفسه في فترة الخطبة وتحمل ضغوط الهدايا رغم الاستعداد للزواج يدفعك أن تؤثريه على نفسك أنت أيضًا الآن أو على الأقل تتفهمي دوافعه.
بنيتي، من حقك أن تطلبي هدية ولكن لا تربطيها بمثل هذه المناسبة، ولا تجعلي ثمة ارتباطًا شرطيًّا بين الهدية والغضب والتجنب.. كوني مرنة وكوني ذكية، وتدللي برقة ونعومة وسيستجيب لك.. أسعد الله قلبك ورزقك الحب في كل أيامك وتابعيني بأخبارك دائما.