الإستشارة - المستشار : أ. عزة مختار
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
56 - رقم الاستشارة : 897
05/02/2025
أنا عمري 30 سنة، موظفة ومشكلتي أن والدي الذي يبلغ من العمر 50 سنة لديه طباع سيئة، ويؤذي الجيران، وأثر ذلك على سمعتنا، فكلما تقدم أحد لخطبتي يذهب ولا يعود. فكرت بالهجرة من البلد، ولكني خائفة من ترك أمي وأبي أن يؤذيهم هجرتي وسفري.
بعد الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرحب بك غاليتي على صفحات المجتمع، وقد وقعت شكواك في قلوبنا قبل أسماعنا.
أقول وبالله التوفيق: إن ما تشكين منه حبيبتي هو حال الكثيرات من بنات هذا الجيل المبتلى كثيرًا من كثرة الإحباطات والابتلاءات في ظل غياب أسري كامل، أو حضور بشكل سلبي، فيمثل وجود الأب غير المدرك لحقيقة التربية وحقوق الأبناء عبئًا على أولاده، وكذلك تسبب الأم الغائبة في العمل والمشغولة عن تربية أبنائها عبئًا آخر عليهم، وعاش الآباء كل في عالمه دون مراعاة حقوق طرف ثالث هم مسئولون عنه أمام الله بالرعاية والتربية والاهتمام ومراعاة مشاعرهم، في الحاضر بحسن تكوينهم نفسيًّا وجسديًّا وروحيًّا، ومستقبلهم بإعدادهم لأدوارهم المنوطة بهم في المستقبل، الولد كفرد صالح في المجتمع يصلح لأن يكون عاملاً أو طبيبًا أو معلمًا أو موظفًا أمينًا، وأبًا قادرًا على إنشاء أسرة مسلمة أخرى، والفتاة بإعدادها لتكون أُمًّا صالحة بغير عقد تحملها، أو تجارب سلبية تطاردها.
ويبدو أنك فتاة على قدر طيب من الدين والأخلاق بالرغم ما تتعرضين له من ألم بسبب أفعال والدك السيئة كما وصفتِها.
دعينا الآن نتوجه لتفكيك المشكلة :
أولاً: بالنسبة لك أنت، والحل كله معقود بإذن الله بين يديك.
ثانيًا: الأم التي تبدو في المشهد ذات تأثير سلبي أو صفري.
ثالثًا: الوالد وعنده تكمن المشكلة.
بالنسبة لك، عليك أولا الإيمان الكامل بأن مسألة الزواج هي مسألة قدرية تمامًا، لا أحد يستطيع أن يمنع زوجًا قدّره الله لك، وكم من فتيات كن يعشن في بيوت سيئة وتزوجن زيجات جيدة بحسن خلقهن وعلاقتهن بالله عز وجل، وحسن علاقتها بالجيران والأهل والوسط الذي يعملن فيه أو يدرسن فيه، وكم من فتيات تربين في بيوت فاضلة لآباء فضلاء، وأمهات يشهد لهن، وتأخر بهن الزواج لما فوق الثلاثين وأكثر، فالزواج رزق لن يستطيع أحد منعه أو جلبه غير الله الرزاق سبحانه؛ فعليك أنت أولا التقرب من الله ظاهرًا وباطنًا، مع الدعاء، ثم الدعاء، ثم الدعاء.
وأما عن والدك، فالنية في إصلاحه يجب أن تكون خالصة لصالحه هو رغبة في إرضاء المولى سبحانه، والنية في الإصلاح حين تكون خالصة يوفق الله ويصلح.
وكما ذكرت فأنت موظفة، أي تملكين مالاً ولك ذمة مالية تستطيعين من خلالها استخدام جزء منه للصدقة بنية إصلاح والدك، وبالهدايا البسيطة له لترقيق قلبه، ثم بعد محاولات ترضية بينك وبينه عقد ما يشبه اجتماعات عائلية تملأ قلبه بالمودة والحب تجاهكم، والخوف عليكم، فمن يفتعل المشكلات مع الجيران ويسيء إليهم هو شخص فارغ عاطفيًّا، حتى لو أبدى غير ذلك، أنت تريدين رعايته، وهو ينتظر منكم مراعاته وملء قلبه.
عليك أنت بحكم عقلك وفهمك ووظيفتك ودينك وأخلاقك أن تستجمعي شجاعتك وتقومي بإعادة تفعيل غريزة العاطفة في الأسرة التي يبدو أنها متباعدة ومتشاكسة وباردة.
عليك إيقاظ روح الزوجية لدى والدتك، ربما هي مشفقة عليك أنت، لكنها أيضا يجب أن تظهر حبها ودفْأها لزوجها كي تستعيده ليتحمل مسئوليته كأب، حاولي صنع بيت من جديد في أبويك، حتى لو كان ثمة اعتراض سوف تلاقينه في البداية، ثمة حائط صلد سوف تقفين أمامه، لكن تكرار الطرق، سوق يسقط ذلك الجدار.
علاقتك بوالديك يجب أن تتسم بحميمية الشرع، واستعادة دور الأم كأم، واستعادة دورها كزوجة تملك كافة القدرات على غرس أواصر المحبة واستعادتها، واستعادة الوالد لحضن الأسرة كما يجب أن يكون.
استعيني بالله أولاً بكثرة الصلاة والدعاء في جوف الليل خاصة في تلك الأيام المباركة خوفًا عليه وشفقة به وحبًّا له، ثم استعيني بمن ترينه صاحب عقل ورحمة من الأقرباء، وإن لم يوجد فبشيخ المسجد في منطقتك، حاولي أن تجدي له صحبة طيبة بديلة عن وحدته الباردة.
ربط الله على قلبك، وبلغك رشدك، وأصلح من شأنك كله.