الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
242 - رقم الاستشارة : 736
19/01/2025
السلام عليكم ورحمة الله أنا رجل مسن ومريض وأجد صعوبة في المشي وعندما أنظر إلى الوراء أجد أن حياتي كلها تشبه السراب قابلتها قدرا في القاهرة عندما كنت في أحد عطلاتي السنوية أعجبت بها وعندما علمت أنها متزوجة ابتعدت عنها ويشاء القدر أن أقابلها هي وزوجها في نيويورك كانا في رحلة علاجية من أجل الإنجاب وحدثت بينهما مشكلات كثيرة وانتهى بهما الأمر للطلاق وسافرت للقاهرة لإتمام إجراءات الطلاق وسافرت أنا بعدها وتزوجتها هناك واصطحبتها معي لنيويورك وجعلتها تعمل معي في مجال المبيعات وكان ذلك في العام 1990وأنجبنا ولد وبنت وكانت أحوالنا جيدة.. اشترينا شقة في القاهرة لقضاء العطلات مع الأهل واشترينا بيتا في نيويورك واشتريت سيارة تاكسي وكنت أعمل عليها لمدة 12 ساعة لكن عالمي كله تغير في العام 2005 حيث مرضت مرضا شديدا في الكبد ولم أعد قادرا على العمل ووقتها فقط اكتشفت أني تزوجت شيطانة رسمت على وجهها ملامح البراءة حيث أصبحت تحدثني بغلظة وقالت لي نصا )العيان يموت) وبدأنا إجراءات الطلاق في العام 2008 واستمرت لمدة 4 سنوات حيث تم الطلاق في العام بمبلغ 2012وكان القانون في صفها فبعنا البيت والتاكسي بمبلغ 800 ألف واقتسمنا المال ومضيت في رحلة علاجية حتى شفاني الله في العام 2017وأنا الآن أسكن في حجرة إيجارها 1000 دولار وحيدا فلقد تزوج الولد وتزوجت البنت الصغيرة وهم تقريبا لا يتواصلون معي وأنا غير قادر على نسيان تجربتي المؤلمة فأنا أتذكرها بكل تفاصيلها الصغيرة والتي سردت لك يا سيدتي جزءا صغيرا منها فكيف أستطيع أن أنسى وكيف يمكنني المضي في حياتي وأنا على هذا النحو من العجز.
ملخص الرد:
تمضي في حياتك بسماحك للذكريات المؤلمة بالرحيل عن طريق تغيير الأفكار والقناعات والحديث الإيجابي للنفس؛ فعن طريقه تتغير المشاعر، وإذا تغيرت المشاعر تتغير صورة الحياة، ومما يساعد على نسيان الذكريات المؤلمة صناعة ذكريات جديدة بالتواصل مع الأصدقاء القدامى والأولاد والأحفاد وصناعة علاقات جديدة مع دوائر جديدة خاصة في المسجد والمراكز الإسلامية، وأهم شيء يساعدك في المضي في الحياة قوة علاقتك بالله تعالى فكلما اقتربت عشت حياة طيبة جميلة.
الإجابة:
أخي الكريم أهلاً وسهلاً بك على صفحة استشارات المجتمع، والحمد لله رب العالمين أن أتم شفاءك من مرضك الخطير على خير، والحمد لله رب العالمين الذي رزقك بالولد والبنت، والحمد لله رب العالمين أن منحك العمر حتى تستطيع مراجعة ما تم في حياتك من قبل، والحمد لله على نعمة الستر والمأوى، والحمد لله رب العالمين على العقل، والحمد لله رب العالمين على نعمة الدين ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ (إبراهيم: 34).
لا بد يا أخي من أن تسمح برحيل الذكريات المؤلمة القاسية، فلا أحد يحترق بها إلا من يظل يتذكر فيها بلا جدوى أو نفع، فإن عقارب الساعة لا تعود للوراء أبدًا، أعرف أن الأمر ليس سهلاً، ذكريات الحب الذي امتزج بالخديعة وامتزاج هذا كله بالخذلان أمر ليس بالهين، خاصة وأنت تشعر بالضعف، وأرفض استخدامك لكلمة العجز (فإن الأقدار تجري على الألسنة) وسأعود لهذه النقطة لاحقًا...
الآن دعنا نركز على أهم أهدافنا وهي السماح برحيل الذكريات المؤلمة والمزعجة والتي يبدو أن عقلك الباطن يحول إيهامك أن هذه الذكريات المؤلمة تمثل هويتك وماهيتك والأمر ليس كذلك، فلقد كانت لك حياتك الحافلة قبل أن تعرف هذه السيدة، وتستطيع أن تكون لك حياتك الحافلة الآن فقط بالسماح للذكريات المؤلمة بالرحيل.. خذ قرارًا بذلك أنك لن تظل أسيرًا لهذه الذكريات وستمضي قُدما للتحرر منها.. فالأفكار السليمة أول خطوة على طريق التصحيح تحدث مع نفسك بطريقة إيجابية، وقل إنني أستحق نوعية من الحياة أفضل من هذه التي أعيشها متمسكًا بذكرياتي التعيسة فيتولد لديك مشاعر فيها شيء من الإيجابية والتفاؤل وتدريجيًّا تحتل المشاعر المشرقة مكان المشاعر البائسة، وصدقني فالمشاعر والعواطف هي من تغير السلوك ومن ثم تغير الإنسان.
إن أكبر ما يعينك على السماح لهذه الذكريات بالرحيل أن تكون لك حياة جديدة لا تعاني فيها من الوحدة، ويمكنك أن تسير في هذا الاتجاه في مسارات ثلاث:
المسار الأول: أصدقاؤك القدامي.. رفقة الشباب.. من دعمك في رحلة مرضك.. زملاء العمل القديم.. ولا تنس أصدقاء الوطن، بالتأكيد لكل منهم حياتهم ولعل بعضهم قد فارق الحياة، لكن لِمَ لا تحاول ولا ترفع سقف توقعاتك كثيرًا؛ فاتصال هاتفي بين الحين والآخر سيذيب بعض الجليد وسيمنحك بعض الدفء.
المسار الثاني: أولادك وأنت لم تتحدث عنهم كثيرًا ولا طبيعة العلاقة التي جمعتك بهم، غير أنك ذكرت أنهم مشغولون في حياتهم، وهذا أمر طبيعي ومعتاد في مجتمع فرداني رأسمالي كالمجتمع الأمريكي، وأنت لك عشرات السنوات هناك وتعلم طبيعة الحياة وطبيعة العلاقات.. خطط لزيارتهم يوم عطلة أو للإفطار مع كل واحد منهم يومًا في رمضان، ولو أن لديهم أطفالا صغارًا فحاول صناعة علاقة معهم؛ فكثيرًا ما تكون علاقة الجد بالحفيد أقوى من علاقة الأب بالابن.
المسار الثالث: وهو أهم المسارات مسار صناعة علاقات جديدة.. لِمَ تستسلم لأمراض الشيخوخة وعدم قدرتك على المشي بما يمنحك من مشاعر عجز؟ أنت في مجتمع متقدم وهو الأفضل في مجال الرعاية الصحية لِمَ لا تستثمر ذلك؟ هنا أنا أدعوك لهدف مزدوج العلاج من ناحية وصناعة علاقات جديدة مع المترددين على الخدمة الصحية مثلا.. هناك نواد كثيرة وتجمعات يمكن أن تجد فيها الصحبة وهناك المراكز الإسلامية ومساجد بما فيها من أنشطة، ويمكنك أن تقيم علاقات جديدة مع الوافدين الجدد المسلمين فغالبًا ما سيكون لديهم قدر أكبر من الحميمية، ويمكن أن تكون منفعة متبادلة؛ فأنت تساعدهم على الاندماج وهم يقللون مشاعر الوحدة التي تعاني منها.
بقيت أهم نقطة تعينك على المضي في حياتك واستثمار ما تبقى من عمرك وتجعل لحياتك كلها هدفًا ومغزى علاقتك بالله عز وجل الذي نجاك من مرضك وكتب لك عمرًا والذي أنت ملاقيه في نهاية هذه الرحلة على الأرض مهما طالت ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ (الانشقاق: 6 - 9).
وإني أريد أن تسأل نفسك أين أنا من القرب من الله ورضاه؟ وهل انشغلت بمستقبلي كما انشغلت بما حدث لي في الماضي؟
يا أخي الكريم في القرب من الله لذة، وفي القرب من الله أنس، وفي القرب من الله نجاة وفي القرب من الله جبر من كل الكسور؛ فاسجد يا أخي واقترب.. كتب الله لك الخير، ولا تتردد في الكتابة لنا مرة أخرى.