الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
189 - رقم الاستشارة : 829
29/01/2025
السلام عليكم ورحمة الله أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري تمت خطبتي منذ نحو عام على شاب يكبرني بخمس سنوات ومنذ نحو ثلاثة شهور أصر على عقد الزواج وأقنع والدي بذلك وقال له أنه جاءه عقد عمل ويريد وثيقة العقد حتى يجهز لي أوراقا حتى يمكنني السفر إليه بعد ذلك ولكنه تجاهل حديث السفر تماما بعد عقد الزواج حتى إنني أشك أنه اختلقه فقط كي يقبل والدي بعقد الزواج... المشكلة أنه يريد إقامة علاقة زوجية كاملة ويقول لي إن هذا هو حقه الشرعي وأنا أرفض لأنني لا ارتاح لهذا الأمر وأشعر أنني هكذا أخون ثقة أبي وهو كثير الإلحاح حتى أنه أخذ مفتاح شقة صديقه لكي نلتقي فيها سرا وعندما رفضت غضب وقاطعني ويقول لي إن الملائكة تلعنني وبين غضبه ومقاطعته وتهديده أشعر بالتعاسة. كما يسيطر علي شعور أنه يتلاعب بي وبأبي فهو دائما يراوغ عندما أطلب منه تحديد موعد للزفاف ويتعلل بظروفه المادية التي لا تسمح مرة وبانتظاره لعقد السفر تارة أخرى.. أفكر جديا في طلب الطلاق لكنني خائفة.. فهل من نصيحة؟
ابنتي الغالية أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة استشارات المجتمع، وخيرًا فعلت بالسؤال والاستشارة.. يا ابنتي عندما وصف القرآن الزواج وصفه بالميثاق الغليظ ذلك الذي يصنع السكن ويبنى بالمودة والرحمة، ولا شك أن العلاقة الخاصة بين الزوجين بما تحققه من إعفاف وإشباع تمثل أحد أهم أعمدة هذا السكن.
والإسلام لم ينظر إلى هذه العلاقة أبدًا نظرة انتقاص أو يعتبرها غريزة حيوانية ونحو ذلك مما نرى في أديان وفلسفات أخرى، بل اعتبرها حاجة إنسانية فطرية يثاب الإنسان إذا قام بها بالضوابط الشرعية؛ فالإنسان المسلم يشبع غريزته ويحصل أيضًا على أجر لماذا؟ لأنه انتهج طريقًا شرعيًّا في الإشباع (وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ! قالوا: يا رسولَ اللهِ! أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟ [قالوا: بلى]، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له [فيها] أجرٌ) (رواه مسلم).
فإذا كنت تشعرين في قرارة نفسك أن خطيبك شخص غرائزي لأنه مشغول بهذا الأمر فأنت مخطئة، وسعيه نحو عقد الزواج من حيث المبدأ جيد حتى يقطع الطريق على التجاوزات التي تحدث خاصة مع فترة الخطبة الطويلة لكن العلاقة الزوجية الخاصة لا بد لها أن تحقق السكن فهي علاقة تحظى بالقبول المجتمعي.. مشهرةً معلنةً (أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف) (رواه الترمذي)، وليس علاقة سرية في الظلام كما يريد زوجك...
أن تذهبي معه خفية وسرًّا لشقة صديقه لقضاء بعض الوقت الممتع له والمؤلم لك وأنت تشعرين أن ثمة خطأ فيما يحدث.. نعم سيكون مؤلمًا جدًّا لك وأنت تضعين نفسك مواضع الشبهات بين جيران لا يعرفون من أنتما وما طبيعة العلاقة التي تجمعكما، لا يعرفون أنك له زوجة، وقد يظنون أنك واحدة من الفتيات الرخيصات اللاتي يترددن على الشقق وقد تجدين نفسك تسعين للتخفي حتى لا يراك أحد وليست هذه مكانة الزوجة في الإسلام أبدًا فأحد أهم حقوقها أن تحفظ كرامتها.
هل يستطيع هو أن يخبر والدك برغبته هذه؟ لا يستطيع بالطبع فلماذا تفعلان في السر ما تخجلان منه في العلانية.. لو أن قلبه مطمئن أن هذا حقه الشرعي فليطالب به بشكل واضح وصريح أمام الجميع بدلا من الضغط عليك والتلاعب بك عن طريق توظيف النصوص الشرعية بطريقة ملتوية؛ ففي الحديث المتفق عليه أنه (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح) فأين هذا الفراش الذي يدعوك إليه؟.. إنه يا ابنتي يدعوك لفراش صديقه!.. إنه لا يمتلك فراشًا.. لا يمتلك سكنًا يخصكما ويرخى عليكما فيه ستاره، إنه يقوم بتوظيف النصوص الشرعية (لست أدري عامدًا أم جاهلاً) لتحقيق رغبته دون أن يأبه بك وبمشاعرك وبكرامتك.. ثم ماذا لو حدث حمل ما الذي سيقال لوالدك وللمجتمع كله.. كنا زوجين؟! فلماذا لم يعرف أحد؟ لماذا لم تمتلكا شجاعة الإعلان طالما هذا هو حقكما الشرعي؟
أم تراه يطالبك باستخدام وسائل منع الحمل؛ لأنه يدرك أنه لا يمتلك شجاعة المواجهة والإعلان؟
يا ابنتي، أنا أتفهم رغبته في إتمام الزواج فهذا أمر طبيعي للغاية لا يمكن أن يلام عليه، لكن كما أن الغاية شرعية فالوسيلة أيضا يجب أن تكون شرعية، فأن يكذب ويدعي أن هناك عقد عمل لكي يجبر والدك على عقد الزواج فهذا أسلوب ملتو.. ومع هذا علينا أن نحسن الظن به فقد يكون هناك بالفعل عقد عمل ولكن ثمة عقبات حالت دون إتمامه أو أدت إلى تأخره والزواج ينبغي أن يبنى على الثقة لكن لو أنه كان يكذب فهذه علامة غير مبشرة.
يا ابنتي، أصري على موقفك وارفضي إقامة علاقة حميمية كاملة أثناء فترة عقد الزواج وحتى يتم الزفاف ويشهر ذلك، ولكن تلطفي معه في الكلام، ويمكنك أن تعبري له عن مشاعرك الإيجابية نحوه وتبثين فيه ثقتك ودعمك بأنه قادر أن يقوم بتجهيز منزل الزوجية ووقتها لن تمتنعي عنه أبدًا.
يا ابنتي، يسّري عليه تجهيزات منزل الزوجية قدر استطاعتك ولو استطعت فتوسطي له عند والدك حتى يخفف عليه بعض ما اشترط من طلبات، وبهذا تكونين قد ساعدته بطريقة عملية.
دعمك العملي ودعمك المعنوي هو ما يمكنك أن تقدميه له في هذه المرحلة، أما ما يطالب به الآن فهو قفز على التدرج الطبيعي لحياتكما الزوجية.. ما يطالب به حرق لمراحل مهمة جدًّا أنت بحاجة إليها حتى تستمتعي أنت الأخرى بحياتك الزوجية (يكفي أنه يحرق لك فرحتك بليلة زفافك ويحرق لك دلالك في اليوم التالي للزفاف وأنت تتلقين تهنئة الأهل بعروس العائلة فيتم استبدال بذلك كله لحظات مسروقة تتسللين فيها إلى بيوت الأغراب بزعم التعاطي مع حقوق شرعية أنت أعلى من ذلك وقيمتك أكبر من أن يتم ابتذالها على هذا النحو).
يا ابنتي، لا بد لك من حوار واضح وصريح معه تضعين معه فيها النقاط على الحروف منذ بداية حياتكما فأسلوب الهجر والصمت العقابي والمقاطعة حتى يضغط عليك لتحقيق ما يريد ويرغب بغض النظر عما تريدينه أنت وتحتاجينه أسلوب خاطئ.. فعندما تتقاطع الرغبات يكون الحوار هو الحل.. لكن كوني رقيقة لينة في الحوار تحسسي كلماتك ولا تجعلي الابتسامة المشرقة تفارق وجهك.
أما إذا ظل على موقفه ورفض الحوار معك أو ظل يمارس عليك هذه الضغوط فلا بديل من إخبار أسرتك (والدتك تخبر والدك) بما يحدث ليتم مواجهة هذا الرجل، فإما أن ينجز الزفاف أو يحدث الفراق، وتابعيني بما حدث.. ولمزيد من توضيح الموقف الشرعي أتركك مع رد المستشار الفقهي....
ويضيف الدكتور رجب أبو مليح المستشار الفقهي للموقع:
أؤيد هذه النظرة العميقة المتزنة التي عالجت بها الدكتورة هذه الاستشارة المتكررة، وهي مما عمت به البلوى في هذه الأيام وكثر عنه السؤال، ولأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص فما يفتي به جمهور الفقهاء المعاصرين أنه لا يجوز لك ولا يحق لزوجك أن يطالب بهذه العلاقة التامة التي تتم بين الأزواج، كما أكدت الدكتورة أنه لا يملك سكنًا، وأيضا هو لا ينفق عليك نفقة تامة، فطاعة والدك والعمل بما استقر العرف عليه الآن هو الواجب عليك، ومقدم على طاعته؛ لأن الطاعة تكون في المعروف وليس المنكر.
نفترض أن الرجل صادق في حبه وإخلاصه لك الآن، ماذا تفعلين لو تغير قلبه، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، والقلوب قُلب!
ماذا تفعلين لوحدث -لا قدر الله والأعمار بيده تعالى – أن توفي هذ الرجل -وهذا حدث بالفعل في ظروف مشابهة - كيف تواجهين أهلك وأهله بما حدث بينكما في الظلام ولم يعلم به أحد من أسرتك ولا أسرته؟
هذا ميزان نبوي واضح ومصباح يضيء لنا الطريق في مثل هذه الأمور وهو قول المعصوم – صلى الله عليه وسلم – "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
ابنتى العزيزة، استمسكي بما أنت عليه فلو كان حبه لك خالصًا فليسع إلى تجهيز بيت الزوجة ولتكن فرحتكم على رؤوس الأشهاد، وإن كانت الأخرى وأنه يريد التلاعب بك ويتركك دون أدنى مسئولية – لا قدر الله - فسيتركك وقد أراحك الله منه وسيبدلك الله خيرًا بسبب صبرك وبرك بأهلك ووالديك.
أما إرهابك وتخويفك بلعنة الملائكة لك فهو استدلال في غير موضوعه وتحريف لكلام المعصوم صلى الله عليه وسلم؛ فالعادة محكمة والعرف معمول به ما لم يخالف الشرع.
والله تعالى أعلى وأعلم