الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
247 - رقم الاستشارة : 674
12/01/2025
أنا يا سيدتي امرأة اقترب من الخمسين من العمر كانت حياتي هادئة مستقرة حتى ثلاث سنوات مضت فأنا وزوجي علاقتنا طيبة يغلفها الاحترام وزوجي يعمل في وظيفة مرموقة وظروفنا الاقتصادية جيدة جدا رزقنا بابنتين ثم ولد كانوا جميعا نموذج للخلق الكريم والتفوق الدراسي.. مشكلتنا بدأت منذ التحاق ابني الصغير بكلية طب الأسنان حيث وقع في فخ الإدمان وأنفق والده عليه ثروة طائلة حتى يتعافى من إدمانه وذهب به إلى أرقى المصحات النفسية ولكنه عاد للانتكاس بعد التشافي فأنفق عليه مرة أخرى ثروة أخرى وتكرر نفس السيناريو يتعافى من الإدمان ثم يعود للانتكاس فأقسم والده ألا ينفق عليه جنيها إضافيا ويتركه لمصيره الذي اختاره لنفسه لكنني يا سيدتي أم وقلب الأم لم يحتمل أن ينهار مستقبل ولدي فقمت ببيع جميع مصاغي الذهبي وألحقته بالمصحة للمرة الثالثة وعندما علم زوجي بما قمت به من بيع المشغولات الذهبية دون علمه وإنفاقها على المصحة قام بمقاطعتي فهو لا يتكلم معي مطلقا بعد مشاجرة حادة لم تحدث بيننا من قبل والآن أنا نفسيتي تحت الصفر من ناحية لا أعرف كيف أقوم بمصالحة زوجي فهو رافض الحديث معي مطلقا وفي الوقت نفسه غير واثقة من جدوى المصحة خائفة على مستقبل ولدي وأشعر أن مستقبل أسرتنا كله على المحك.
خلاصة الرد: حالة الزوج المحبطة والغاضبة هي سبب الصمت، وغالبًا هذا الصمت ليس بالصمت العقابي وإنما هو لمنع مزيد من الشجارات، وهو يتمنى منك أن تنجحي في مسعاك، ولكي تنجحي في ذلك فلا بد من متابعتك الدقيقة لتفاصيل حالة الابن ودوافعه للإدمان والانتكاس وإمكانية إلحاقه بجلسات دعم جماعي للمتعافين السابقين.. وأهم ما تملكينه هو الدعاء الحار وكثرة الاستغفار والصدقة...
الإجابة:
أختي الكريمة، أهلا ومرحبًا بك على صفحة استشارات المجتمع.. أُدرك لأي حد أنت تشعرين بالقلق والحيرة سواء من ناحية زوجك أو ناحية ابنك، وأريدك أن تهدئي وتفوضي أمرك لله؛ فكل مشكلة مهما كانت صعبة إلا ولها حل بمشيئة الرحمن، فقط أحسني التوكل على الله.
بالنسبة لمشكلتك مع زوجك فثقي أن الوقت عامل مهم جدًّا في حلها؛ فغضب زوجك بالأساس ليس لأنك بعت مصاغك الذهبي دون علمه أو لاتخاذك قرارًا بإدخال الابن مصحة للمرة الثالثة دون أن تشيري عليه، وإنما هو غضبٌ تم تحويل مساره من الابن المدمن الذي انتكس مرتين وفي الوقت الذي كان ينتظر منه وهو الابن الذكر (في مجتمع شرقي ما زال يفضل الذكور) وبعد أن نجح في الالتحاق بكلية مرموقة وكان ينتظر أن يكون مصدر فخر له فإذا به يتحول لشوكة في خاصرته ومصدر قلق وربما يراه كنموذج للفشل في التربية...
ثقي أنه لا يشاركك كل ما يخطر في باله وهو الرجل ذو المكانة الاجتماعية العالية.. وعلى الرغم من ذلك كله فهو ابنه جزء منه يحبه بطريقته الخاصة؛ لذلك أنفق على علاجه ثروة طائلة كما تفضلت وذكرت، ولكن انتكاسته الذي تكررت مرتين أصابته بالإحباط الشديد فاتخذ قراره في لحظة غضب غير محسوبة العواقب بأن يتخلى عنه أو ربما كان يحتاج الوقت حتى يبحث عن منهجية أو آلية أخرى لعلاجه...
بالطبع لا أستطيع عتابك على ما قمت به من تضحية كلفتك مصاغك الذهبي في سبيل استعادة ابنك ربما فقط لو كنت حاولت التحاور مرة ثانية وثالثة مع والده أو حاولت البحث عن وسيط لإقناعه أو سألتم أكثر من جهة مختصة قبل قرار إلحاقه بالمصحة مرة أخرى إلا أنه قدر الله وما شاء فعل...
المقصد أن أعصاب زوجك الآن مثل وتر مشدود فلربما لم يمر في حياته كلها بمشكلة مثل هذه؛ لذلك لم يتشاجر في حياته كلها معك بهذه الحدة.. والصمت الذي يمارسه معك ليس صمتًا عقابيًّا كما تتصورين وإنما هو وسيلته لمنع مزيد من الانفجارات والمشاجرات والمشاحنات، إنما هو وفي قرارة نفسك يتمنى نجاحك في الخطوة التي اتخذتها، ويتمنى أن يتعافى ابنكم الصغير دون عودة للانتكاسة لكنه يشك في هذه الخطوة كثيرًا بناء على ما مررتم به من تجارب.
والآن الكرة في ملعبك؛ ففي يدك أوراق كثيرة ومن ذلك:
ـ تعاملي مع زوجك بشكل طبيعي جدًّا دون أسئلة من عينة ما بك؟ لماذا أنت صامت؟ ألن نتكلم؟ وأيضًا دون مزيد من التبرير لما قمت به.
ـ تابعي مع المعالجين تطور حالة ابنك واهتمي بمعرفة أدق التفاصيل عن حالته، وتابعي مع المعالج النفسي لكي تضعي يدك على الدوافع الذي دفعته للإدمان والدوافع الذي دفعته للانتكاس المرة تلو الأخرى.
ـ من المهم أن تعرفي إذا كان ابنك يعاني من اضطراب نفسي دفعه لممارسة هذا السلوك الإدماني فيكون علاج الاضطراب النفسي مقدمة ضرورية لعلاج الإدمان.
ـ اسألي عن أهمية حضور ابنك لجلسات الدعم الجماعي للمتعافين السابقين.. وحضوركم أنتم كأسرة جلسات علاجية خاصة.
ـ تحدثي مع ابنك بشكل متوازن فلا بد أن يشعر بحبك وحنانك وفي الوقت ذاته ألمك لخذلانه لك، ولا بد أن يصل لعقله أن والده رغم غضبه فإنه يحبه ويرغب في تعافيه.
ـ من الأهمية بمكان أن تصلي لعقل ابنك وقلبه وأن يفهم أن كل إنسان معرض للخطأ وأن الله سبحانه وتعالى هو من يعصم الإنسان من الخطأ والزلل فقط عندما يعتصم الإنسان بالله ويتبرأ من حوله وقوته.
ـ ابحثي وسط العائلة والأصدقاء عن مزيد من الداعمين له.
ـ أما أهم ورقة وأشد الأسلحة التي تمتلكينها فهي الدعاء والاستغفار والصدقة والصلاة على النبي.. ادعي الله سبحانه وتعالى في الأوقات الفاضلة كالثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة وفي الساعة الأخيرة من الجمعة التي تسبق الغروب.. ادعيه دعاء المضطر الذي ركب البحر فأحاطه الموج من كل مكان وأيقن بالهلاك فرفع يديه وقال يارب.. قولي يارب ألِّف بين قلبي وقلب زوجي وأصلح ذات بيننا وأصلح لنا في ذريتنا واجعلها ذرية طيبة وارزقني ووالدهم برهم.. اللهم إني أسالك بأنك أنت الشافي الذي لا شفاء إلا شفاءه أن تشفي ابني شفاء لا يغادر سقما وأن ترده لي ردًّا جميلا وأن تحفظ عليه دينه وخلقه وصحته وعافيته وترزقه الخير كله عاجلا وآجلا وأن تجنبه الشيطان.. ادعي بالعامية بالعربية ادعي بما يأتي في قلبك.. أكثري من الدعاء في السجود وبعد السلام، وثقي أنه سيستجيب لك، إن ربي قريب مجيب.
وأخيرًا أوصيك بالصبر والتحمل والصمود في مواجهة الابتلاء حتى يكشف الله عنك هذه الغمة، وتابعينا بأخبارك دائما.