22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 14/01/2025

لو أردت أن أحكي عن أسوء ما حدث لي في هذه الحياة فأستطيع أن أقول إنني ولدت لهذه السيدة التي تدعى أمي التي لم أر منها يوما طيبا فهذه سيدة أنانية متعجرفة لا يهمها شيء في الكون أكثر من نفسها وراحتها في طفولتنا كان ما يهمها أن تأكل هي أفضل أجزاء الطعام وتترك لنا الباقي وإذا حضر بعض الضيوف قدمت لهم ما لذ وطاب حتى يمتدحوا كرمها بينما ممنوع علينا أن نمد يدنا بل ممنوع حتى أن ننظر للطعام حتى يبدو أمام الجميع أننا تربينا أفضل تربية وعلى الرغم من أن والدي كان مسافرا وقتها لأحد دول الخليج ويرسل لها كثيرا من المال إلا أنها كانت تقطر علينا تقطيرا شديدا وأقصى ما تقوله أنها تعمل هذا لمصلحتنا ومن أجل جهازنا نحن البنات فهي تريد أن تجهزنا أفضل جهاز ودارت الأيام وتزوجنا جميعا ولم تشتر لنا إلا ما هو معتاد وتقليدي وتوفى والدي وفوجئنا أنه يمتلك حسابا بنكيا خاليا رغم أنه قضى سنوات طويلة يعمل في وظيفة مرموقة بعد ذلك اكتشفنا أن لديها حسابا بنكيا وافرا وعلى الرغم من ذلك تشكو دائما فهي من عشاق الشكوى.. هذه المشاعر السلبية لدينا جميعا نحن بناتها ولكن أخواتي البنات يتعاملن الآن معها بغلظة ولا يتصلن عليها وعلى الرغم من ذلك تعاملهن جميعا بصورة طبيعية عداي أنا وسطى بناتها على الرغم أني أضغط على نفسي كثيرا حتى أبرها وأتجاهل ذكرياتي السيئة معها إلا أنها تتصيد لي الأخطاء لتغضب وتدعو علي فأنا الوحيدة التي أذهب لأنظف لها البيت رغم أني حامل في شهوري الأولى ورغم أنها تمتلك من المال ما يمكنها أن تأتي بعاملة منزلية ولو اعتذرت يوما فلا أسلم من لسانها ودعائها علي.. ولا تطلب من الكبرى أو الصغرى شيئا لأنهما لن يستجيبا لها وسيقولان لها كلاما حادا.. زوجي رجل طيب ويشجعني على برها ولا يغضب من خروجي المتكرر لزيارتها ورغم ذلك لا يسلم من لسانها وسخريتها فأحيانا أشعر بالغضب الشديد ولا أتحمل ما تقول فأنفجر في وجهها فتغضب علي وتدعو ثم لا ألبث أن أذهب إليها واعتذر وتعود لمعاملتها معي.. صدقيني لولا الله سبحانه وتعالى لقاطعتها وأخشى أن تموت في لحظة تكون غاضبة علي وأخشى أن تصيبني دعواتها وأتساءل هل ذنبي إنني أحاول البر أن تضغط علي هكذا وتدعو علي بهذا النحو.. ماذا أفعل؟

الإجابة 14/01/2025

ملخص الرد: قسوة الأم لا تبرر قطيعتها وهو ابتلاء لا بد من الصبر عليه وعدم بر أخواتك للوالدة ليس عذرًا لتقليدهم، وما يساعدك على الصبر هو العفو والسماح لمشاعر الماضي بالرحيل طلبًا لعفو الله ومغفرته، لا بد من تعلم مهارات الصبر حتى لا يتكرر منك سلوك الغضب والانفعال، وثقي أن جزاء الصبر والمجاهدة هو الحياة الطيبة في الدنيا والثواب العظيم في الآخرة...

الإجابة:

ابنتي الحبيبة، قرأت رسالتك أكثر من مرة وهي رسالة تقطر حروفها بالمرارة والألم بل والغضب أيضا، فلقد فقدت المشاعر الطبيعية الممتلئة بالعاطفة بين الأم وابنتها، بل ويبدو أنك افتقدتها منذ مرحلة مبكرة من حياتك وعشت طفولة ممتلئة بالحرمان المادي والعاطفي...

وهاهي دورة الأيام قد دارت وحظيت أنت بزوج طيب حنون بينما بقيت ذكريات الطفولة عالقة في وجدانك، ولكنك بفضل الله عز وجل جاهدت نفسك لتتواصلي معها وتبريها وتخدمينها وساعدك زوجك على هذا، وهذه نعمة كبيرة حقًّا؛ فكم من أزواج يقفون موقفا أنانيًّا تجاه والدة زوجاتهم.

ولكن المشكلة أن والدتك تأخذ موقفًا متعنتًا منك إذا قصرت في خدمتها ولا تلتمس لك الأعذار بسبب ظروف حملك حتى أنها تدعو عليك، بينما أخواتك اللاتي يتعاملن معها بغلظة لا تغضب عليهن ولا تدعو عليهن ونحو ذلك؛ ما أثار مشاعر الاستياء داخلك.

ولعلك كنت تظنين أنك بخدمتك لها ستكونين أنت الأقرب لقلبها، ولما لم يحدث ذلك زادت مشاعر الغضب والاحتقان في قلبك وغذتها مشاعرك القديمة التي لا تزال حية فتصلين لمرحلة الانفجار والصراخ فتبادلك الوالدة هذه المشاعر بالغضب والدعاء عليك حتى تعودين للاعتذار لها، ويبدو أن هذا أصبح سلوك دائري تكرر أكثر من مرة حتى أنك تخشين أن تموت وهي غاضبة عليك تماما كخشيتك من الدعاء الذي تقوله لك في أوقات الغضب...

هذا ما فهمته من كلامك وما أدركته من مشاعرك ومخاوفك ولا أقلل منها أبدًا، فأنا أدرك كم تنغص عليك حياتك، ولكن ما رأيك أن ننظر لما يحدث من زاوية أخرى أو فلسفة أخرى.. فلسفة الابتلاء والصبر والجزاء...

أنا لن أناقشك أن ما عشته مع الوالدة هو لون من ألوان الابتلاء أن تفتقدي في طفولتك مشاعر الحب والتقبل وتعاني من الحرمان فبالتأكيد هذا ابتلاء، أن تتعنت والدتك في شبابك وتسارع بالغضب والدعاء عليك فهذا أيضا ابتلاء لكنه من نوع مختلف؛ فابتلاء الطفولة يقع عليك دون أن يكون لك يد فيه وهو يختلف عن ابتلاء الشباب المرتبط بنمط الاستجابة لسلوكها، والابتلاء في الطفولة لا حل له إلا بالسماح بالرحيل، فأنت بتذكرك لهذه التفاصيل كمن يصر على أن يمسك بيده العارية قطعة من اللهب لا يريد أن يفلتها فلا حل لها إلا العفو...

أنت كثيرًا ما تكظمين غيظك لكن بتذكرك الدائم أي مشكلة صغيرة تجعل كظمك للغيظ يتفكك ويحدث الانفجار، لكن إن عفوت وسمحت لهذه المشاعر بالرحيل بعيدًا عن قلبك فستكونين أكثر قدرة على السيطرة على انفعالاتك.. إذا أردت عفو الله فعليك أنت أن تتعلمي العفو...

نعم كانت طفولة قاسية ولكن هناك من عاش طفولة أشد بؤسًا ومن عاش طفولة مشردة ومن عاش طفولة منتهكة؛ فاحمدي الله عز وجل أنك استطعت احتمال بعض الحرمان، وادعيه أن يرزقك الصبر والقدرة على العفو وأكثري من قول (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا)...

هل تعرفين يا ابنتي قصة أبي بكر الصديق مع ابن خالة له كان يعطف عليه ويعطيه ما يشبه الراتب الشهري شفقة منه عليه لأنه كان يتيمًا، فما كان من ابن الخالة هذا إلا أن خاض في عرض أم المؤمنين عائشة وقت حادثة الإفك فغضب سيدنا أبو بكر الصديق وأقسم ألا يمد له يد المساعدة، بعد ذلك فأنزل الله في ذلك قرآنا يتلى إلى يوم القيامة {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور:22) فقال أبو بكر الصديق: بلى أنا أحب أن يغفر الله لي، فلأكوننّ ليتيمي خيرَ ما كنت له قطُّ... وأنا أسألك ألا تحبين أن يغفر الله لك ويعفو عنك، إذن فلتسامحي ولتكوني كما قال أبو بكر والله لأكونن لأمي خير ما كنت لها قط.

تسألين لماذا أنا من أبرها وأخواتي لا يبذلن جهدًا بل يتعاملن معها بغلظة وهي عنهن راضية وعني غاضبة، وهذا يدفعنا للحديث عن ابتلاء الشباب الذي تعيشينه الآن.. كونك أنت من يبرها فهذا فضل من الله عليك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك" (متفق عليه). فبرك منحة وإن كان في ظاهرها ابتلاء وهل هناك ابتلاء أشد من الدعوة للكفر، وعلى الرغم من ذلك لا يبرر هذا سوء الصحبة كما تفعل أخواتك (وأرجو أن يكون لك دور في نصحهما وترقيق قلوبهما) {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (لقمان: 15).

ولكن عليك في كل مرة تذهبين إليها أن تقومي بتجديد نيتك وتعاهدي نفسك على الصبر، وعندما تغضبك بالكلمات انظري للسماء، وتذكري أن الله مطلع عليك وناظر ماذا تقولين أو تفعلين ويمكنك الدعاء وقتها (سرا) أن يلهمك الله الصبر، وعليك بالوضوء فهو يذهب عنك ما تجدين، وثقي أن الله سبحانه وتعالى يجازي على مقدار ذرة الخير والشر وأن ما تقومين به من العفو والصبر وجهادك لبرها ستجدين أثره لا في يوم الحساب فقط بل في حياتك الدنيا.. في احتواء زوجك لك في بر أولادك بك في الخير الذي سيجريه الله في حياتك فتعيشين حياة طيبة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97).

أعانك الله وكتب لك الخير ورزقك بر والدتك ورزقك بر أبنائك بك، وتابعينا بأخبارك فستجدين منا دائما الإنصات لمشاعرك والنصيحة والتوجيه لأفكارك.