الإستشارة - المستشار : أ. عزة مختار
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
199 - رقم الاستشارة : 1905
11/05/2025
أشعر أن حياتي لم تعد ملكا لي، لم أعد مسئولة عنها من قريب أو من بعيد، زوجي تركني لوالدته تتحكم بكل شئ في حياتي، حتى تحولت لمجرد آلة تنفذ أوامرها وتوجيهاتها ورغباتها في تحديد نمط حياة ابنها، ونمط تربية أبنائي والتعامل معهم، بل وامتد الأمر لنمط علاقتي به.
وزوجي لا يضع حدودًا لتلك العلاقة، لا يريد مشاكل مع والدته ولا أن يبدي بعض الاعتراض حفاظًا على هدوء البيت وعلاقته بوالدته التي تصل لدرجة القداسة، بدأت في فقدان إحساسي بالأمان معه، وأفقد إحساسي بملكيتي لبيتي، وأنني لم أعد شريكة في البيت، وإنما ضيفة عليه.
اسمي سماح. م. 34 سنة، متزوجة منذ 7 سنوات، ولدي من الأبناء اثنين، تزوجت بشكل تقليدي، بشكل اعتمد على اختيار الأهل، ووثقت باختيار أهلي، وكذلك هو وتمت الزيجة بموافقة جميع الأطراف، وبمودة بين الأهل، وصارت الأمور إلى ما صارت إليه، والمؤلم كذلك أنه يرى ذلك اهتمامًا من والدتهز
وفي نهاية الأمر صرت أتجنب التواجد معهم وأقضي معظم وقت الفراغ في غرفتي هربًا من مواجهتهم أو التعرض لكلماتهم الناقدة في كل وقت، وحتى أقلل من فترات الاحتكاك حتى تظل الأمور هادئة، فكيف أحافظ على كرامتي؟ بل كيف أستعيدها؟
بداية، يجب الاعتراف بأن تلك المشكلة تعبر عن ظاهرة داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهي حالة من حالات الصراع داخل الأسرة الواحدة، حيث يفشل أحد الطرفين في وضع حدود واضحة بين أطراف العائلة، فتتدخل الحماة، إحداهما أو كلتاهما لتغيير نمط حياة تلك الأسرة حسب وجهة نظر كل طرف منهما، وتنتج تلك الإشكالية في الأسر التي تغيب فيها الحدود العاطفية بين الزوج ووالديه وأسرته الأصلية، فتختلط المفاهيم بين بره وعلاقته الوطيدة بأسرته، وبين احترامه وتقديره لخصوصيات أسرته الجديدة، والتي هي الأساس مسئوليته وتحت رعايته.
وعلى إثر ذلك تفقد الزوجة شعورها بالاستقلال والخصوصية داخل منزلها، ومن ثم تتراكم الإحباطات لتنسحب في مقابلها عواطف مهمة لا تستقيم الحياة الزوجية بدونها، وتحتل مكانها مشاعر أخرى سلبية بالطبع تجاه الزوج وأهله جميعًا، يدعم كل تلك العواطف غياب الحوار الواضح والمباشر بين الزوجين، وغياب الحوار الزوجي الآمن والمبني على الاعتراف بالمشكلة.
وإليك الحل يا سيدتي:
وأرحب بك على صفحة استشارات بمجلة المجتمع، وأتعاطف مع مشكلتك التي تؤرق حياة الكثيرات من بنات جنسك، ومن المفارقات أنهن يشتكين كذلك من بنات جنسهن، فالحماة يومًا كانت زوجة ربما تكون قد عانت من نفس الإشكالية، والزوجة المكلومة اليوم غدًا هي أم وحماة، وربما تقع في نفس الخطأ، فالتسلط يولد مزيدًا من التسلط، وجرعات الحياة التي تسقيها للبشر تترك فيهم آثارًا من الصعب نسيانها، وغالبًا ما تنعكس على سلوك الناس مستقبلا، فالزوجة التي تنتهك خصوصيتها، غالبا ما تكون حماة شديدة التدخل في حياة أبنائها لتتكرر المآسي من جيل إلى جيل.
وليس من الإنصاف أن نطلب من الزوجة أن تبدأ هي خطوات الحل وهي في الأساس المظلومة، ولها الحق في الحزن والعزلة مما يدور في حياتها وهي خارج دائرته، ولذلك يا سيدتي فالحل ليس عندك وحدك، وإنما لا بد من أن يكون بمشاركة زوجك أيضًا؛ لأنه هو وحده بيده ضبط الأمر بينك وبين أهله، وأما كونه غير معترف بالمشكلة فيجب أن يسبق الحل خطوة أخرى، وهي:
- تدخل طرف من الأهل (العقلاء والمحايدين والحكماء) (أهلك وأهله) مع الزوج لإقناعه بأهمية الوصول لصيغة وسط في التعامل بين جميع الأطراف، تحفظ لكل طرف حقه.
- اجلسي مع زوجك أولا بهدوء وحاولي تفكيك المشكلة، واستثارة غيرته وحبه القديم، ورغبتك في الاستقلال بحياة معه تضفي عليكما السعادة والأمان والاستقلالية.
- ليكن حديث أطراف التدخل حول التفريق بين البر بالأهل والاستقلال بالأسرة، وأنه لا تعارض بينهما؛ فلكل ذي حق حقه، وأهمية التوازن في العلاقة بين الأسرتين، والتوازن بين حبه وبره بأمه، وعدله مع زوجته.
- يكون الحديث في وجود الزوجين، وترك مساحة كافية للزوجة للتعبير عن مشاعرها بهدوء مع الحفاظ الكامل على مشاعر زوجها ووالدته كي لا يحدث صدام من نوع آخر أشد سخونة وأكثر ضراوة لمن يفرض سيطرته.
- اتفاق الزوجين معًا على وضع قواعد للعيش فيما بينهما، وبما لا يفقدهما الروابط العائلية أو الاستقلالية الأسرية.
- تذكير الزوج بآيات الله عز وجل في الحث على حسن العشرة مثلما ورد في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 19)، وليس من المعروف ترك أمر زوجته وأبنائه لوالدته تتحكم فيهم كيف شاءت، وليس من المعروف أن لا تجد الزوجة حريتها وحياتها داخل أسرتها الصغيرة التي هي مملكتها وحدها، وليس من المعروف استخدام فريضة بر الوالدين لهضم حق الزوجة.
- احترام خصوصية العلاقة الزوجية من الطرفين، وأن الوضع القائم يهدم تلك الخصوصية وقد نهى النبي ﷺ عن ذلك: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثم ينشر سرها" (رواه مسلم).
ومع السعي إلى الحل كما قلنا عن طريق طرف ثالث يكون حريصًا على إصلاح الأمر وإقامة البيت وإعادة الأمور إلى نصابها، فهناك اعتبارات ضعيها نصب عينيك –غاليتي- بالتوازي مع سعيك للحل، تلك الاعتبارات تتعلق بوالدة زوجك، وهي أنها أم أولا وأخيرًا، وإن كانت ثمة تدخلات منها في حياتك، فلأنها تحسب أن ما تفعله هو الصواب، وكما مر بنا من قبل أنها كانت يومًا زوجة ابن، وأن بعض التصرفات الموروثة قد تركت أثرًا في سلوكها الذي تنتهجه معك، فلنلتمس لها بعض العذر، ونحن متيقنين أنها تسعى لأن تظل أسرتها الكبيرة متماسكة وإن كان السلوك خاطئًا.
بمعنى أنك وأنت تسعين للحل، لا تنسي أنها أم تحب ولدها، وتحب أولاده، وتتصرف وفق فهمها أن ما تفعله فيه استقامة لحياة أبنائها وأسرتها، وإذا نظرت في محيطك فسوف تجدين أن والدتك مثلها، وخالتك وعمتك وجدتك وجاراتك، ستجدين أن الأكثرية تنتهج نفس النهج، وأنك يومًا سوف تقعين فيه إن لم تستحضري تلك الأيام وتتخذي قرارًا بعدم تكرارها.
لكن -غاليتي- لكل سن طبيعتها، وأنك اليوم تنظرين من موقع الزوجة، وبعد سنوات معدودة سوف تنظرين بعين الأم والتي سوف تغير نظرتك للأمور تماما، فلنلتمس العذر مرة أخرى، وتهدأ نفوسنا قليلا بينما نحن في طريقنا لإيجاد حل، ولا تنسي أن تذكريه ببرها وتؤكدي عليه ذلك حتى يطمئن إلى أنك لا تدعيه لقطيعتها أو التأثير على علاقته بها.
- قومي أنت بالمبادرة معها، واستشارتها في أمور عامة بالبيت وتربية الأبناء حتى ولو كنت ستفعلين عكس ما وجهتك إليه، لكن شعورها باحترامك وتقديرك لها سوف يسعدها، ويطمئنها من ناحيتك، فهي من تخاف وتشعر بأن الأمور تنفلت من بين يديها.
- قومي بالثناء دائمًا على نصائحها وكرري ذلك على مسمع المحيطين بها.
- أظهري احترامك لابنها في وجودها.
- عدم تدليله أمامها، فإن ذلك قد يثير غيرتها ويدفعها لمحاولة السيطرة من جديد.
- أغدقي عليها بالهدايا في حدود إمكانياتك وإمكانيات زوجك؛ فالهدية ترقق القلوب وتدفع للمودة وتبعد الضغائن وتقلل الغيرة.
- الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، بأن يرقق الله لك قلبها وقلب زوجك.
وأخيري حبيبتي، فإن الحب والمودة والسلوك الحسن هو الطريق الأقرب لاحتواء قلب أي إنسان مهما بلغت درجة قساوته مصداقًا لقول الحق تبارك وتعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34).
فبارك الله لك في قلبك وزوجك وحياتك وأصلح شأنك كله، إنه ولي ذلك وهو عليه قدير.