22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 28/01/2025

أنا يا سيدتي رجل في الأربعين من عمري أعمل في مجال التجارة وظروفي المادية أكثر من ممتازة.. متزوج منذ أكثر من عشر سنوات وزوجتي نعم الزوجة أخلاق ودين وأدب وجمال عيبها الوحيد أنها تغار علي بشدة فأنا أريد الزواج الثاني وأظن في نفسي القدرة على العدل وأمتلك بفضل الله ما يمكنني من فتح بيتين.. يا سيدتي إخوتي ظروفهم المادية أقل مني بكثير وكلهم متزوجون من زوجة ثانية وثالثة وأمورهم تسير بصورة عادية ومشاكل طبيعية وعندما فكرت أنا في التعدد قامت الدنيا ولم تقعد حتى أنها هددتني بالطلاق إذا أٌقدمت على خطوة الزواج وأنا يا سيدتي أحب زوجتي حقا ولا أجد فيها عيبا بل أراها "ست الستات" كما يقولون عندنا ولا أتخيل حياتي بدونها ولكني لا أرى مشكلة من أن أتزوج مرة أخرى فهو حق شرعي لي فهل من طريقة أستطيع إقناعها بها كي تقبل من زواجي عليها؟

الإجابة 28/01/2025

أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أخي الكريم على صفحة استشارات المجتمع، لا شك أن الإسلام أباح تعدد الزوجات ووضع لهذا التشريع قيودًا، وأهم هذه القيود هو العدل والقدرة، وأنت ترى في نفسك القدرة وتظن أنك تستطيع العدل، وبالتالي فأنت ترى أن من حقك التعدد، وخاصة أن إخوتك وأسرتك من المعددين وفي الوقت ذاته أنت تعشق زوجتك ولا ترى فيها عيبًا إلا الغيرة التي تجعلها تفكر في الطلاق إن تزوجت عليها وتطلب طريقة لإقناع هذه الزوجة بقبول فكرة التعدد.

 

ولكن قبل أن أتطرق لآلية التعامل مع الزوجة أريد أن أخبرك شيئًا وأنت رجل تعمل في التجارة وتقدر قيمة المكسب والخسارة، وتدرك أن لكل شيء ثمنًا.. فهل أنت على كامل الإدراك بما أنت مقدم عليه والثمن الذي ستدفعه في المقابل؟ وهل يستحق هذا الثمن؟ هل حسبت جيدًا مكاسبك وخسائرك أم أنك مندفع دون حسابات دقيقة؟

 

هل يمكنني أيضا أن أسألك سؤالا آخر ربما يضيء لك بعض المساحات الخافية والتي ربما بخستها حقها في التقدير وسؤالي هو: هل سألت نفسك لماذا تريد التعدد وهل أجبت بصدق على نفسك؟.. هذا السؤال ليس من حق أحد أن يسأله لك لا المجتمع ولا القاضي، ولكن يجب أن تسأله أنت نفسك.. ما الدافع الذي يقف وراء هذه الرغبة؟ لا يوجد سلوك لا يحركه دافع، سأضرب لك مثلاً.. الطعام مباح تأكل صنفا أو اثنين أو ثلاثة هذه حرية شخصية فعل مباح شرعًا، لكن لماذا تأكل؟ تأكل لأنك جائع.. أو تأكل لأن الطعام لذيذ.. أو تأكل لأنك تشعر بالملل ولا تجد ما تفعله.. فهل كل هذه الدوافع سواء؟

 

أنت تريد الزواج مرة أخرى لأنك بحاجة إليه؟ أو رغبة في التجديد؟ أو تقليدًا لإخوتك؟

 

أيًّا كانت الإجابة هل تدرك الثمن الذي ستدفعه؟ إنه في حده الأقصى أن تصر زوجتك على الطلاق، وزوجتك هذه هي تلك المرأة التي وصفتها بـ "نعم الزوجة أخلاق ودين وأدب وجمال" "ست الستات"، تلك المرأة التي تعشقها ولا تتصور فراقها.

 

هذا الثمن في الحد الأدنى أن تستمر في العيش معك ولكن بقلب مجروح موجوع.. فهل تحبها حقًّا وتريد لها الوجع؟ وأرجو ألا تسألني لماذا تتوجع والتعدد تشريع جاء به الدين؛ فالدين أباحه ولم يفرضه لأنه يريد المصلحة للجميع سواء على المستوى الفردي أو الجماعي في أوقات السلم وفي أوقات الحرب بما يشيع العفة ويعلي من الفضيلة وليس كل ما أباحه الشرع محبوب من الجميع {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 216).

 

ستتألم زوجتك الحبيبة وسيجرح قلبها ولا شك.. فإن كنت ترى أن المصلحة التي ستتحقق لك من الزواج أكثر أهمية فبإمكانك خوض التجربة، ولكن تذكر أن وجع زوجتك لن يصيبها وحدها فأنت أيضًا ستشارك بجزء مباشر في الثمن المدفوع؛ فالإنسان الموجوع المتألم لا يقدر على العطاء وإن أعطى فسيفتقد روح العطاء فلا تنتظر ما كنت تحصل عليه منها ولا تغضب لو رأيت الوهج في عينيها قد انطفأ والاشتياق وقد فتر.. لا تغضب إذا شعرت أنك لم تعد تعني لها ما كنت تعني من قبل.. لن تقصر في حقوقك.. لن تصرخ في وجهك ولكن ستذهب دقة من قلبها بلا رجعة...

 

هل تعلم يا أخي الكريم عندما ترسل زوجتك لي وتقول كيف أتغلب على النار التي أحترق بها من الغيرة ماذا سأقول لها بعد أن أدعو الله أن يذهب غيرتها: أن تخفف من مشاعرها تجاهك فإن كانت هي جزءًا من حياتك فيجب أن تصبح أنت أيضًا جزءًا من حياتها، فبعد أن كان حبك حبًّا مركزًا في قلبها 100% سأقول لها هذا التركيز قاتل لك يكفي 50% أو أقل، وهذا كله خارج دائرة الحقوق والواجبات، إنها أمور غير ملموسة لا يمكنك الشكوى منها ولكنك ستشعر بها، هذا هو الحد الأدني من الثمن الذي ستدفعه فهل أنت مستعد له.

 

أدعوك لإعادة حساباتك وإدراك قيمة المكسب والخسارة ثم خذ قرارك وتحمل المسئولية عنه، فإن أخذت قرار الزواج الثاني فتلطف معها قدر ما تستطيع.. بثها مشاعرك بحرارة.. خاطب مشاعرها الإيمانية.. تحمل انفعالاتها.. أغدق عليها بالهدايا.. وإن أصرت على الطلاق فلا تستجب لها بل امنحها الوقت الكافي للمراجعة والتعافي والبحث عن طريقة للعيش معك في ظل وجود أخرى.. كتب الله لك الخير وألهمك الصواب وأسعد قلبك.

 

لمزيد من الفائدة اقرأ أيضًا:

 

زوجتي مريضة.. لأجل حالتك شرع التعدد