الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
259 - رقم الاستشارة : 805
26/01/2025
أنا يا سيدتي سيدة على مشارف الأربعين تزوجت المرة الأولى ولم أكن قد أكملت العشرين من عمري ولم أكن أعرف شيئا عن خبرات الحياة وكان هذا الرجل يضربني ويعنفني حتى لجأت للمحكمة وطلبت الطلاق للضرر وهو ما كان بعد ست سنوات كاملة قضيتهم في أروقة المحاكم وما خفف عني هذا الابتلاء أن رزقني الله بوظيفة ذات دخل جيد .. تقدم لي بعد ذلك الكثيرين إلا أنني وافقت على زوجي الحالي لأنني حسبته على خلق ودين والحقيقة أنه كان هكذا في الفترة الأولى من حياتي معه.. زوجي الحالي كان متزوجا بالفعل ولكن زوجته الأولى لا تنجب ولقد قدم لنا ملفا طبيا يؤكد ذلك ووافقت بالفعل وتزوجنا وكان زوجي يتحرى العدل ما أمكنه ذلك وكانت علاقتي بزوجته الأولى طيبة واكتشفت بعد فترة أن لدي أنا الأخرى مشاكل في الإنجاب وأصبحت أنا والزوجة الأولى نخضع لعمليات الحقن المجهري وشاء الله أن تحمل هي بعد هذه السنوات وتنجب طفلا وظلت علاقتي طيبة بها وقدمت هدايا لطفلها ولكنني طلبت من زوجي أن يؤجر لي شقة بعيدا عن منزل عائلته لمشاكل في البيت ليس لها علاقة بزوجي أو زوجته الأخرى على أن أقوم أنا بدفع الإيجار والفواتير وكل شيء متعلق بها وهو ما كان وأشعرني بالراحة النفسية حتى أنني كررت عملية الحقن المجهري لكن لم يقدر لي الحمل. المشكلة يا سيدتي أن هناك زوجة ثالثة قد تزوجها زوجي وهي امرأة كان يحبها وهو لازال طالبا في الجامعة ولكنه لم يستطع أن يتزوجها وتزوجت هي وأنجبت ثلاثة من الأطفال ثم توفى زوجها فتزوجها زوجي (ولدي مؤشرات أنه كان يتحدث إليها من قبل وفاة زوجها) ومنذ أن تزوجها زوجي وقد تبدلت أحواله معي خاصة بعد أن أنجبت هي طفلا له بصورة طبيعية تماما وجاءني كلمات أنها تطلب منه تطليقي لأنني عبء عليه والحقيقة أنا أيضا أريد الطلاق لأنه هو أصبح عبء علي فهو لا ينفق علي أي شيء وكل زيارة للطبيب أنا من أدفع المواصلات ولو تناولنا الإفطار أو الغداء فأنا من أدفع حتى أنني كنت قد اشتريت له سيارة قبل أن يتزوج هذه المرأة والآن قد باعها ووضع المال في أحد البنوك الربوية وينفق منها عليها حتى صلاته أصبح مهملا فيها منذ أن تزوجها.. وفي هذا التوقيت توفيت أمي أكثر إنسانة قد دعمتني في الحياة وأصبحت حالتي النفسية بالغة السوء.. فاتحت أخي في أمر طلاقي فترك لي حرية القرار ولكنه أكد علي إنه لو تم طلاقي فسأعود لبيت والدي هو يبعد كثيرا عن محل عملي في قلب المدينة غير إنني أعرف إنني لن أشعر فيه بالارتياح ولقد جربت ذلك مرة حين طلاقي الأول وأيضا فطبيعة الحي حيث بيت والدي أنه لا توجد خصوصيات بين الجيران وسوف يتم التعليق علي كوني مطلقة للمرة الثانية وفي الوقت ذاته أشعر إنني كما أجرت شقة للسكن فأنا أؤجر زوجا يمنع عني كلام الناس ويمنحني مساحة من حرية الحركة وهذا يشعرني بالاختناق.. لقد عدت لاستكمال دراستي الجامعية بالإضافة لعملي وأيضا انضممت لمدرسة لحفظ القرآن الكريم بأحكام التلاوة وعلى الرغم من ذلك أشعر بفراغ في روحي وكآبة تظلل على حياتي ولا أعرف ما يمكن أن تكون خطوتي التالية في هذه الحياة. يا سيدتي أنا راضية بقضاء الله وقدره وراضية إنني حتى الآن لم أرزق بطفل ولكنني أرفض أن أشعر بالهوان وأنني بلا قيمة في حياة هذا الرجل وأدعو الله من قلبي أن يعاقب هذه المرأة الخبيثة التي قلبت حياتي جحيما فأنا لن أسامحها أبدا.
أهلا وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة على صفحة استشارات المجتمع.. أشعر بك أختى وبما تعانينه وما يدور في أعماق نفسك من هواجس وأحزان، وأقدر تمامًا ما تعانين منه خاصة بعد وفاة الوالدة غفر الله لها ورزقها الفردوس الأعلى؛ فحالتك النفسية من وقتها مضطربة وغير قادرة على تحمل أي ضغوط إضافية والحلول المتاحة أمامك لا ترضيك، فما العمل؟
دعينا في البداية نتفق ألا نتخذ قرارًا مصيريًّا كقرار الطلاق ونحن تحت تأثير شحنات الغضب، فمثل هذا القرار بحاجة لهدوء نفس شديد أنت في أمس الحاجة إليه، ليس من أجل اتخاذ قرار مصيري فحسب وإنما لعمل إعادة قراءة لتفاصيل حياتك، والآن أريد منك أن تصلي على النبي بالصيغة الإبراهيمية عشر مرات قبل أن تستأنفي القراءة...
والآن سأتحدث معك بصراحة وأرجو أن يتسع صدرك.. أنت كان لك مسكن في بيت عائلة زوجك وأنت من طلبت السكن بالإيجار على أن تتكفلي كافة مصاريف هذا السكن.. أنت من اشتريت له السيارة بطيب نفس ورضا.. الرجل لم يطمع في مالك.. لم يطالبك براتبك ككثير من الأزواج الذين عمت بهم البلوى.. أنت أجريت عملية الحقن المجهري عدة مرات وهو أصبح لديه طفلان بالفعل ولديه مصروفات كثيرة حتى أنه باع السيارة، ألا ترين أنه من المنطقي وأنت تمتلكين أن تنفقي أنت على أي عملية جديدة.
لو أخذنا بالمنهج المقارن فهناك عدد من الرجال يرفضون الخضوع لمثل هذه العملية إذا كانوا بالفعل لديهم أولاد وهو لم يعترض وسافر معك حيث تودين؛ ما يؤكد رغبته أن يكون له طفل منك وأنت تعلمين حبه للأطفال منذ اللحظة التي تقدم لك وهو متزوج بالفعل وكان هذا تبريره لزواجه الثاني...
لو كان هذا الزوج لا يريدك ولا يرغبك كما قد تتوهمين لماذا لم يطلقك بعد أن أصبح لديه أطفال بالفعل؟ ولو أن هذه الزوجة الثالثة تمتلك قدرات خارقة لماذا لم تدفعه لتطليقك (كما نقل لك شخص غير طيب النوايا)؟ وحتى لو هي طلبت طلاقك فلماذا لم يفعل هو ويستجيب؟ ألا يقدم لك ذلك برهانًا أن الرجل متمسك بك ولو أنه فكر في طلاقك الآن فسيكون هذا ردًّا على شعورك نحوه وأنت ترينه مجرد رجل للإيجار ليحميك من ألسنة الناس وضغوط المجتمع؟
دعيني أرتفع معك درجة أخرى في سلم الصراحة، ما المانع من التنازل عن جزء من حقك وليكن حقك في النفقة (وأنت لست بحاجة للمال) مقابل استقرار حياتك الزوجية.. هذا شرعًا أمر جائز وليس فيه إهانة أو انتقاص لك وإنما هو مراعاة للواقع {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (النساء: 128).
جاء في تفسير ابن كثير: (إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها، أو يعرض عنها، فلها أن تسقط حقها أو بعضه، من نفقة أو كسوة، أو مبيت، أو غير ذلك من الحقوق عليه، وله أن يقبل ذلك منها فلا جناح عليها في بذلها ذلك له، ولا عليه في قبوله منها; ولهذا قال تعالى: (فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا) ثم قال (والصلح خير) أي: من الفراق. وقوله: (وأحضرت الأنفس الشح) أي الصلح عند المشاحة خير من الفراق; ولهذا لما كبرت سودة بنت زمعة عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فراقها، فصالحته على أن يمسكها، وتترك يومها لعائشة، فقبل ذلك منها وأبقاها على ذلك).
فالنبي صلى الله عليه وسلم خشى أن يظلم السيدة سودة لأنها وصلت لمرحلة سنية وجسدية لم يعد يستطيع معها العدل في الحقوق الشرعية ففكر في طلاقها حتى يقيم العدل بين زوجاته، فأدركت السيدة سودة ما يفكر فيه النبي وبادرت هي بتوضيح أنها لم تعد تنشد مثل هذه الحقوق وقد زهدت فيها فأعفته من يومها بل ومنحته لعائشة عن طيب نفس حبًّا في سعادة النبي صلى عليه وسلم ولم يقلل ذلك من شأنها أبدًا...
والقرآن نكّر كلمة صلح حتى تفيد العموم؛ فأي تنازل عن جزء من الحقوق يعد من الدائرة الواسعة للصلح، والصلح خير بينما الفراق سوء.. فلو أسقطت حقك في النفقة لرجل مثقل بالالتزامات مقابل استقرار حياتك الزوجية فهذا خير وليس تقليلا منك كما يوسوس الشيطان في قلبك.. الشيطان هو من يدعوك للشح بالعطاء في لحظات الغضب (وأحضرت الأنفس الشح)...
ولكن دعينا مع بقية الآية (وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا) فإحسانك في هذه العلاقة الله سبحانه وتعالى خبير به ويجازيك عليه (تمامًا لو أن هذه المرأة سعت أو تسعى لإفساد حياتك فالله خبير بها وسيجازيها على ما تسلك ثقي من ذلك).
دعينا بعد ذلك نفكر في مصلحتك بشكل نفعي وليس عليك تثريب في التفكير في مصلحتك ومنفعتك.. أرجو أن تفكري فيها عبر ثلاث نقاط:
ـ الآن أنت لو تطلقت فستعودين لمنزل أسرتك حيث تفتقدين خصوصيتك واستقلاليتك وراحتك الشخصية وقد يتنمر عليك جيرانك، وإن بقيت في المدينة وحدك فستتحملين كافة نفقاتك كما الآن، بالإضافة لغضب أسرتك منك وربما لا تسلمين من بعض ألسنة السوء في مجتمعك هذه واحدة.
ـ إن تطلقت وسعيت للزواج فهذا يستغرق وقتًا حتى تتأكدي من نوايا من يتقدم لك وغالبًا سيكون لديه ظروف غير مناسبة وربما يكون طامعًا في مالك أيضًا.. هذه كلها احتمالات، وأن تتطلقي ثم تتزوجي ثم تلجئي لعمل حقن مجهري جديد فهذا يستغرق وقتًا، والوقت في غير صالحك هذه الثانية.
ـ زوجك رجل على قدر من الطيبة والصلاح يحاول العدل قدر استطاعته، عشت معه سنوات سعيدة يحقق لك العفاف ويسعى للإنجاب منك.. هو في النهاية بشر يعتريه الضعف الإيماني في بعض الأحيان لكن معدنه طيب لماذا تفرطين فيه؟ هل أنت على يقين أنك ستجدين من هو أفضل منه؟
تعرفين إذا رغبت يمكنك أن تكوني أقرب زوجاته لقلبه فكل منهما مضغوطة بطفلها، بل إن الثالثة لديها أربعة أطفال عليها أن تصبح امرأة خارقة حتى يمكنها أن تهتم به مثلك.. تقولين تزوجها لأنه يحبها أقول لك ولعله تزوجها ليقينه من أنها تنجب.. هل تعتقدين أنها بعد أن تزوجت وأنجبت ثلاثة من الأولاد بقيت هي ذاتها الفتاة التي أحبها في سنوات دراسته الجامعية؟ ألا تظنين أنه ليس كباقي الرجال ينفر من ضجيج الأطفال خاصة وهم ليسوا بأطفاله؟ بينما يمكنه أن يجد عندك السكن والراحة النفسية وتستطيعين بما تمتلكين من مال ووقت أن تستثمري في نفسك فتخلبين لبه بجمالك وأناقتك وعطورك.
بقيت نقطتان صغيرتان:
الأولى: استمري في استكمال دراستك وحفظك للقرآن واشغلي حياتك واستثمريها دون أن تبعثريها بفراق وطلاق وبدء من جديد بل استكملي بناء ما بدأته، وزوجك هو في الحد الأدنى ضمان لك أن تستكملي حياتك بالشكل الذي تطمحين له.
الثانية: أن تتخذي قرارًا بالسعادة، فسعادتك ليست وقفًا على أحد أو على شيء، فقط بعلاقتك بالله عز وجل فهو من سيجبر قلبك الذي افتقد الأم وهو الذي يؤلف بين قلبك وقلب زوجك وهو القادر أن يرزقك الذرية الطيبة، فاحرصي على علاقتك به خاصة حين تختلين به في صلاة في جوف الليل فتأتيك البشرى كنبي الله زكريا {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (آل عمران: 38 - 40).
فأبشري واصبري ودعي عنك القلق.. أسعد الله قلبك وأصلح بينك وبين زوجك ورزقك الذرية الطيبة وكفاك الشر والأذى وتابعيني بأخبارك دائمًا.