23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 11/02/2025

السلام عليكم ورحمة الله.. أنا يا سيدتي أعمل موجهة في وزارة التعليم ومتزوجة منذ أكثر من عشرين سنة.. علاقتي بزوجي ليست على ما يرام فهو دائما غير راضي مهما عملت أو حاولت ودائما يتهمني أنني لا أمنحه التقدير الكافي، فهو مثلا يطلب مني أن أقبل يده كل صباح كتعبير عن التقدير والاحترام، وأنا لا أستسيغ هذا الفعل وأشعر أنه امتهان لكرامتي خاصة في عمري هذا ومع وضعي الوظيفي في المجتمع. وهذا الصباح أرسل لي مقطع فيديو متداول لسيدة وكيلة مدرسة في مثل عمري تقريبًا وبدأ يمدح فيها وفي أخلاقها فقد قامت السيدة بتقبيل يد زوجها على مرأى ومسمع من المدرسة كلها (ولست أدري حقيقة كيف فعلتها)، ثم يقارن بينها وبيني ويصورني أنا بالمرأة الناشز التي لا تطيع زوجها. فماذا أفعل مع هذا الرجل الذي لا يرضى ولا يحمد الله على كل جهودي معه، فلنا ابنان في كليات الطب، وبيتي نموذج في النظافة والنظام، وأيضا أنا لا أرفض أبدًا علاقتنا الزوجية الخاصة، فماذا يريد أكثر من ذلك.. وما هو رأي الدين فيما يطلبه مني من تقبيل يده، وهل امتناعي عن ذلك يعد من النشوز وعدم الطاعة، وما حكم الدين في رجل دائما غير راضي ويعلن ذلك على الرغم من أنني أبذل كل ما أستطيع لإرضائه.. بارك الله فيكم.

الإجابة 11/02/2025

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على بوابة استشارات المجتمع.. في الحقيقة أنا سعيدة جدًّا بتواصلك مع بوابة الاستشارات ولمحت من كلماتك مدى تدينك ورغبتك في معرفة موقف الدين من طبيعة المشكلات التي تدور بينك وبين زوجك، وإن شاء الله سيجيبك المستشار الفقهي عن هذه القضايا، لكن قبل أن أتركك لرأي الفقه لي بعض الكلمات التي أتمنى أن يتسع صدرك لها.

 

الحياة الأسرية –غاليتي- لا تشبه الحياة داخل المدرسة، وأنا استشعرت من كلماتك أن روح الموجهة ومن قبلها روح المعلمة والمديرة تسيطر عليك، فكأن لديك جدول مهام يشبه جدول الحصص.. مهمة تعليم الأبناء.. مهمة إدارة المنزل.. مهمة العلاقة الزوجية وأنت ترين نفسك حققت المستهدف، وبالتالي فلا معنى لشكوى الزوج أو الإعراب عن عدم رضاه عنك أو عن حياته معك.

 

وبدلا من أن تفكري أختي الكريمة عن دوافعه للشكوى حكمت عليه بأنه زوج لا يرضى ولا يحمد الله عز وجل، ولم تفكري أن لديه مشكلة حقيقية يعبر عنها بالشكوى أو بأن يطلب منك تقبيل يده، فيبدو لي أن زوجك يعاني من شعوره بعدم التقدير، وحاجة الرجل للتقدير من زوجته تأتي على رأس أولوياته، وقد لا أكون مبالغة إن قلت لك إنها تزيد عن رغبته في العلاقة الخاصة...

 

الرجل يبحث عن صورته في عيون امرأته، فإن شعر فيها بالتقدير امتلأ بالثقة والسعادة والزهو وانعكس ذلك على سلوكه معها كلون من الشكر العملي لما يراه وطمعًا في المزيد منه، والعكس صحيح أيضا فعندما يغيب هذا التقدير ولا يراه في عيونها ولا يحسه في سلوكها يبدأ في التذمر والشكوى وتعقيد الحياة...

 

عندما يشعر زوجك أنه لديك يشبه أن يكون مجرد معلم تحت إدارتك إن لم يكن مجرد تلميذ، ولعله يكون تلميذًا مشاغبًا أيضًا، فسيأخذ موقفًا متطرفًا منك ويبدأ في استخدام أوراق الضغط التي يملكها ومن ذلك رضاه عنك كزوج من عدمه، وسيعلن لك في كل موقف أنه غير راض عنك.. والحقيقة أنه فعلا غير راض، ولكن ليس لأنك ترفضين تقبيل يده، ولكنه غير راض لأنه لا يشعر بالتقدير، وما رغبته الشديدة في أن تقبلي يده إلا لون من ألوان التعبير الأولي للتعويض أو منحه الشعور بالأهمية والتقدير...

 

وعندما شاهد زوجك مقطع وكيلة المدرسة وهي تقبل يد زوجها وقع المقطع على جرحه الملتهب منك فبدأ يقارنك بها ويقلل منك ويشيد بها.. والحقيقة أن مقطع وكيلة المدرسة يعد مقطعًا مثيرًا للجدل كونه خرج من الفضاء الخاص أو المنزل للفضاء العام وهو المدرسة؛ فالتعبير عن المشاعر العاطفية على الملأ أمام المعلمين والتلاميذ الصغار في قرية ريفية في ظني ليس مناسًبا خاصة مع التصفيق الذي حدث والذي يجعل المقطع جزءًا من ثقافة الترند حتى لو كانت النوايا طيبة.

 

ولكن زوجك لم يطالبك بمثل ما فعلت الوكيلة، وربما ما أثاره أنها لم تخجل من تقبيل يد زوجها على الملأ وأمام المدرسة كلها بمن فيها من طلبة ومعلمين، والمرأة تقريبًا في مثل عمرك ووضعك الاجتماعي، فبينما هي تراه حبًّا حيث كتبت على صفحتها على الفيس بوك (متستنيش هو يجيب لكي ورد، جيبي أنتي ورد وروحي له، وخليكي سند له، زي ما هو سند ليكي) ترينه أنت امتهان للكرامة.. ولست أدري ما هو الذي يمتهن كرامتك أن تقبلي يده أم أن تقبلي يده وأنت موجهة؟.. أن تقبلي يده أم أن تقبلي يده في عمرك هذا؟

 

أختي الكريمة، إذا كنت لا تستسيغين أن تقبلي يده، فلا بأس يمكنك الالتفاف على الموقف فتقبلين رأسه مثلا علامة على التقدير مع ضحكة حلوة منك وكلمة تعزز ثقته في نفسه وتشعره بالتقدير (أنت حبيبي وتاج راسي مثلا قد تفي بالغرض).

 

أما إن كنت ترين أن عمرك ومركزك هما الحائل بين أن تشعري زوجك بأنوثتك وقوامته، فأرجو أن تراجعي مفاهيمك وذلك لمصلحتك في المرتبة الأولى؛ لأنك ستعانين من موجات متتالية من الصدمات قد تنتهي باكتشافك أن زوجك يسعى للزواج من أخرى تكون لينة رقيقة معه، ولا أظنك تقبلين ذلك أو تقبله كرامتك وكان من الممكن تجنب ذلك ببعض المرونة في التعامل.. أسعد الله قلبك وألَّف بينك وبين زوجك، ومرحبًا بالحوار معك.

 

 

ويضيف د. رجب أبو مليح المستشار الفقهي للموقع:

 

وبعد، فقد نصحت لك الأخت الكريمة بما يكفي، وحديثي هنا موجه للزوج أولاً ولك ثانيًا.

 

أما زوجك الكريم فأقول له: إن احترام الزوج بهذه الطريقة لا يُفرض على الزوجة على أساس أنه واجب شرعي تأثم المرأة إن لم تفعله، ولماذا لم تفعل أنت؟ تقبل يدها ورأسها وما شئت من جسدها فهي حلالك، وفي بضع أحدكم صدقة، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يقبل نساءه وهو صائم إكرامًا وتقديرًا، وستجدها ترد التحية بأحسن منها.

 

إن ما بين الرجل وزوجته يجب أن يكون أكبر من هذه المظاهر، فاحترامها لك وسهرها على أولادك، وحفظها مالك وعرضك، وحسن تبعلها لك يفوق كل هذا كله، واعلم أخي الحبيب أن ثمة نهيًّا عن أن يقارن الزوج زوجته بغيرها على سبيل الانتقاص منها أو تفضيل غيرها عليها.

 

أما لزوجتك الكريمة فأقول: لماذا تأنفين من هذا وقد أفضى بعضكم إلى بعض، ورأى منك ما لم يره من أمه ولا أخته، ورأيت منه ما لم تري من أبيك وأخيك، بل وأختك وأمك، فهو ستر لك وأنت ستر له، صحيح لم يرد أمر ولا نهي عن ذلك، وهذه المساحة تسمى في الفقه الإسلامي مساحة المباح، وقد يتحول المباح بالنية إلى طاعة، فالنيات تحول المباحات إلى طاعات!

 

لم نطلب منك أختي الكريمة أنت تفعلي هذا أمام الكاميرات ولا أمام الناس، ولكن بينك وبين زوجك، فإن كان هذا يُرضي زوجك فما أيسره، وتؤجرين بنيتك هذه، والله تعالى أعلى وأعلم.