23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 08/01/2025

كان حلمي منذ أن تخرجت من الجامعة أن أهاجر من بلدي التي تنتمي للعالم الثالث وكانت وجهتي هي الولايات المتحدة التي هاجر لها بعض أقاربي من قبل.. وظللت سنوات طوال من حياتي أسعى وراء هذا الحلم تزوجت وأنجبت فتاتين وشاركتني زوجتى الحلم حتى تحقق أخيرا .. أمضينا شهورا صعبة حتى استقرت حياتنا هناك وكانت ابنتاي في مراحل عمرية مبكرة.. أنا رجل متدين وكذلك زوجتي لذلك حرصنا أن نربي بناتنا على القيم الإسلامية واضطررنا للانعزال كثيرا حتى لا تتأثر الفتيات بالقيم الغربية السائدة خاصة والمقاطعة التي أعيش فيها لا يوجد فيها كثير من الجالية المسلمة وأقرب مسجد لنا يتبع جالية مسلمة غير عربية لم نستطع التآلف معهم.. ومع تباعد المسافات وضغوط العمل أصبحت علاقتي حتى بأقاربي الذين هاجروا من قبل شديدة الفتور خاصة أنهم وأبنائهم من الذين ذابوا أو يكادون في الثقافة الأمريكية.. مرت السنوات بسرعة وها قد تجاوزت ابنتي الكبرى الخامسة والعشرين من عمرها.. فتاة ملتزمة دينيا وخلقيا متفوقة دراسيا وفتاة عاملة.. المشكلة التي أعاني منها وتؤرقني هي زواجها وأختها فمع ضعف علاقتنا الاجتماعية لم يتقدم لها أحد من الجالية المسلمة هناك وأعرف من بعض الأقارب أن هناك فتيات مسلمات يتزوجن من زملاء لهم غير مسلمين بعد إشهار إسلامهم بطريقة صورية وهو ما أرعبني حقيقة.. عندما ننزل في العطلة لموطني لم يفكر أحد في التقدم لخطبة واحدة من بناتي .. البنت نفسها تقول لي: إن من سيتقدم لها سيكون مجرد طامع في جنسية الولايات المتحدة التي تحملها وهو رأي له وجاهة وأيضا هناك اختلاف الآن في الثقافة والعادات بوجه عام.. أنا قلق جدا على مستقبل بناتي حتى إنني أتمنى لو عاد بي الزمن ألا أخوض تجربة الهجرة.. فهل من نصيحة؟ آدم.. الولايات المتحدة

الإجابة 08/01/2025

عزيزي آدم، كما يقولون لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب؛ فالزمن لا يعود مرة أخرى، وما أدراك إنه إن عاد ستتخذ قرارًا مغايرًا، أنت فقط تشعر بذلك لأنك تعاني من مشكلة تؤرقك أو تحد لم تجد له حلا بعد فهون على نفسك.

 

دعنا ننظر للجانب المشرق في تجربتك وهو كبير للغاية.. أنت حققت حلمك الشخصي في العيش في ظلال مجتمع متطور ماديًّا، وحظيت بزوجة تشاركك حلمك ولم ترفض الاغتراب عن الأهل والوطن وكانت نعم العون لك في تربية بناتك.

 

ثم نأتي لأكبر إنجازاتك الحياتية وهو قدرتك على تربية ابنتيك على الخلق والدين ونجاتك بهما من شر الفتن والقيم الأخلاقية المغايرة لدينك وثقافتك، وفي الوقت ذاته استطاعت ابنتاك التفوق الدراسي والاندماج في سوق العمل، وهذا كله شهادة نجاح ووسام تقدير لك ولزوجتك؛ فأنتما بالفعل نموذج مشرق ومشرف للأسرة المسلمة في الغرب.. حتى سؤالك اليوم عن آلية زواج الفتيات خاصة الكبرى يدل على مدى حرصك واهتمامك الأبوي بابنتيك...

 

 فقط لو أن لي ملاحظة على نمط الحياة الذي اخترته لأسرتك فهو أنك لم تبذل الجهد الكافي للاندماج مع الجالية المسلمة في أمريكا، وهي جالية كبيرة ولها العديد من الأنشطة، فكان بإمكانك الانتقال لولاية أخرى مثلا.. أعرف أنه ليس بالأمر السهل ولكنه بالتأكيد أسهل من قرار العودة للوطن الذي شرعت في التفكير فيه مؤخرًا.. حتى أنشطة المسجد الذي يخص الجالية الإسلامية الأخرى لم تندمج معها بالشكل الكافي واستخدمت أسلوبًا تجنبيًّا معهم، على أي حال لم يفت الأوان بعد، وأنت وحدك من يستطيع أن يجد طرقًا أكثر فاعلية للاندماج.

 

بالنسبة لزواج ابنتك فهي بالفعل بلغت سنًّا مناسبة للزواج وليس للقلق عليها؛ فهدئ من روعك ومفتاح الهدوء هو حسن التوكل على الله تعالى...

 

أذكرك أن تقول قبل الشروق والغروب: "حسبي الله الذي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات"؛ فيكفيك الله ما أهمك.. لكن قلها بلسانك ومشاعرك العميقة معا حتى تصل لمرحلة الهدوء النفسي والاطمئنان.

 

ابنتك في مرحلة عمرية مميزة، وكم من فتاة في مثل عمرها في قلب العالم العربي والإسلامي لم تتزوج بعد، ولكن علينا (بعد التوكل على الله) أن نأخذ بالأسباب أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما واللهِ لو كان أسامةُ جاريةً حَلَّيتُها وزَيَّنتُها حتى أُنَفِّقَها" (رواه أحمد وابن ماجه)؛ فالسعي لتزويج ابنتك أمر مشروع ومحمود، وهو ما قام به الرجل الصالح في مدين عندما طلب من نبي الله موسى بشكل صريح أن يزوجه من إحدى ابنتيه.

 

وإليك ثلاثة سيناريوهات ممكنة لتزويج ابنتك بمن يليق بها:

 

الأول: أن يكون في محيط ابنتك شاب أمريكي غير مسلم يريد الزواج منها فتدعوه للإسلام فيسلم بشكل حقيقي وليس بشكل صوري، وهو ما قامت به أم سليم حين خطبها أبو طلحة وكان مشركًا فدعته للإسلام وقالت له إن مهرها إسلامه، لا تريد غيره؛ ففكر واقتنع ودخل في الإسلام وحسن إسلامه.

 

وهذا المسار ليس بالهين أبدًا؛ لأن المجتمع الأمريكي يختلف تمامًا عن مجتمع المدينة؛ فأبو طلحة عندما أسلم كان الإسلام هو الحاكم لقيم المدينة النبوية فاندمج مع التيار العام، ناهيك عن توافر فرصة تعليمه أمور الدين كلها. أما الشاب الأمريكي الذي اعتنق التوحيد حديثًا ففرصة تعلمه أمور الدين أو تشربه لروحه محل شك مشروع، وسيكون عليك وعلى ابنتك جهد كبير لا أدري هل ستستطيع القيام به وهل هو سيتقبله أم لا؟

 

الثاني: أن تتزوج ابنتك في ولاية أخرى بها جالية مسلمة مناسبة حتى لو لم تنتقل الأسرة كلها معها، والآن في عصر التحول الرقمي يمكنك التواصل مع الشيوخ والأئمة في المراكز الإسلامية في الولايات الأخرى وتعرض الأمر عليهم، وأعرف أن لهم دورًا كبيرًا في التوفيق بين الشباب المسلم حتى لو كان هذا الشاب المسلم من أصول غير عربية ما المانع؟ حتى إن كان يسعى وراء الإقامة الدائمة أو الجنسية ما المانع أيضا؟ دعني أناقش معك هذه النقطة باستفاضة أكبر في النقطة التالية.

 

الحل الثالث: أن تبحث أنت بين أسرتك ومعارفك في موطنك الأصلي عن شاب ذي خلق ودين ناجح في حياته العلمية والعملية وتعرض عليه ابنتك بشكل صريح أو ضمني أو عبر وسيط كما يناسبك فتقوم بما قام به شيخ مدين من قبل مع موسى.. ستقول إنه ربما لا يريد ابنتي ولكن يريد الإقامة أو الجنسية، واسمح لي أن أقول لك لا تقلل أبدًا من قدر ابنتك ولا تسمح لها بالتقليل من صورتها الذهنية عن نفسها؛ فالفتاة فيها من المميزات الذاتية الكثير والكثير ويكفي خلقها ودينها في مجتمع كالمجتمع الذي تعيش فيه لكي يتطلع إليها أفضل الشباب.. لكن ما المانع أن يرغب الشاب في الإقامة أو الجنسية أيضا بعد رغبته في الخلق والدين.. تماما كالذي يرغب بفتاة جميلة ومتدينة أو ذات حسب ونسب ومتدينة أو كما تزوج جابر بامرأة ثيب حتى ترعى أخواته الصغار أو حتى كما تزوج نبي الله موسى حتى يستطيع الحياة في أرض مدين.. هذا لا يقلل من الشاب أو الفتاة طالما أن القاعدة الأساسية قائمة وهي الدين والخلق.

 

أخيرا لا تنسى الدعاء في أوقات الاستجابة؛ فالله سبحانه وتعالى هو الرزاق.. وفقك الله تعالى وكتب لك ولأسرتك ولابنتيك الخير كله عاجلاً وآجلاً.