22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. عزة مختار
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 168
  • رقم الاستشارة : 1028
17/02/2025

أدركيني يا سيدتي، إنني أم عاملة، أساعد زوجي على هموم الحياة وأثقالها مع أربعة من الأبناء اهتممت بهم كما لم تهتم بهم أم أخرى رغم عملي الذي أجعله دائما الرقم الثاني والثالث بعد بيتي وزوجي وأبنائي، حرصت على تربيتهم على الدين والأخلاق قدر استطاعتي وقدر ثقافتي. أعود من البيت مسرعة لأعد الطعام وأكف حاجاتهم المادية والمعنوية، وأساعد في المذاكرة والدروس، أجتهد أن أحافظ على عباداتهم خاصة ابنتي الكبرى التي وضعت فيها كل خبرتي الحياتية في العلاقات مع الآخرين، خاصة مع الجنس الآخر، علمتها كيف تحافظ على نفسها، وتضع حدًّا بينها وبين الشباب، وأنها غالية لا يصح أن تكون متاحة لكل طارق، علمتها الحلال والحرام، وخوفتها من الله، كانت متفوقة في دراستها، ومحبوبة من معلميها وأقاربنا وأبيها، ثم فجأة انهار كل شيء فوق رأسي بعدما وقع هاتفها بين يدي. ونحن كأسرة لم يكن بيننا كلمات سر على هواتفنا لا يعرفها الجميع، لا أحد ينحى جانبا ليخلو بهاتفه، لا أحد عنده مشكلة خاصة لا يحكيها للجميع، ويستشير فيها الجميع، كلنا صفحات مفتوحة لبعضنا البعض. اطلعت على هاتفها مصادفة ليس من باب التفتيش، فثقتي فيها ليس لها حدود، وهي عندي صادقة ما دامت تحدثت، إنما فتحت من باب الاطمئنان على عمق الحوارات بينها وبين صديقاتها لأتابع، فقط أتابع، فإذا بحوار غريب بينها وبين شاب فهمت أنه في الجامعة، وهي الفتاة ذات الستة عشر ربيعا، تطلب منه الانتظار حتى ينام أهل البيت فتستطيع التواصل معه، قابلته أمام المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي، يطلب منها ما هو أكثر من لقاء عابر أمام المدرسة، هي ما زالت تقاوم. لكني أنا من سقطت في بئر الصدمة والحيرة والخوف، في ماذا قصرت؟ ماذا قدمت ليكون هذا جزائي؟ ماذا لو علم والدها؟ ماذا أقول له؟ ماذا أفعل؟ دلوني بالله عليكم.

الإجابة 17/02/2025

بعد الحمد لله، والصلوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرحب بك أخيتي على صفحات مجلة المجتمع، وقلبي معك وعندك، ربط الله على قلبك، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يعينك على تربية أبنائك وبناتك على سلوك الطريق المستقيم، كما نسأله جل جلاله أن يجنبنا وإياك وأبناءك وأبناءنا وأبناء المسلمين جميعًا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

هوني عليكِ، فما تشتكين منه في ابنتك، لهو الغريزة الطبيعية التي جبل الله عز وجل عليها خلقه، والوقوع به في المجتمعات المفتوحة بشع ونتائجه غير مضمونة، وقد ورد لفظ الحب في القرآن الكريم في موضع استهجان إذا كان في غير موضعه، فقال تعالى في امرأة العزيز ناقلاً حديث النساء فيمن تعلق قلبها بغير زوجها: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).

 

فأمر العاطفة بين الرجال والنساء وارد طالما هناك اختلاط، والفتيات في هذه السن رقيقات القلوب، يتمنين أن يحبهن أحد، وينلن اهتمامه، ويشعرن بأنوثتهن الوليدة، تفكر فيما فوق سنها بكثير، وقد تتأخر إذا انخرطت في الأمر في دراستها، وقد تمرض شوقًا لمن تعلق قلبها به رغمًا عنها، فالمسألة تتعلق بغريزة لا يمكن مقاومتها.

 

ويتدخل الدين في السلوك الناتج عن هذه الغريزة القوية، فبقدر قوة التدين وتمكن الله عز وجل من القلب، بقدر ما تظل تلك العاطفة كامنة في حدود لوعة القلب، وأما إن ضعف الوازع الديني فتتحول لفعل محرم يبدأ من اللقاءات المتكررة حتى الخلوة.

 

وابنتك ما زالت كما تقولين تقاوم فكرة الخروج والانفراد بها، أي أنها ما زالت تعاني صراعًا بين إيمانها، وقوة غريزتها في أن تكون مرغوبة من أحدهم، فهو بالنسبة لها فتنة، وهي كذلك بالنسبة له فتنة، خاصة وهي تتمنع عليه وترفض لقاءه، فالأمر ما زال بيدك احتواؤه، واستعادة ابنتك إلى حضن الأسرة الدافئ وإبعادها عن مواطن الانزلاق، ومن المسئولية العظيمة الموكولة إليك في تربيتها وإعدادها لتكون مسلمة مصونة حتى تصل لخدر زوجها بموجب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأب راع ومسئول عن رعيته، والأم راعية ومسئولة عن رعيتها... الحديث).

 

وأنا أدرك تمامًا حجم الصدمة التي تشعرين بها والحيرة التي تمرين بها، لكن عليكِ أن تدركي أن ما حدث ليس نتيجة خطأ منكِ، أو من ابنتكِ وحدها، إنما هو خطأ نظام مجتمعي أباح الاختلاط في المدارس والجامعات ووسائل المواصلات وداخل البيوت بين الأسر والأقارب والمعارف، وذلك لب المشكلة كلها، في وقت يستنكر البعض زواج الفتيات في سن مبكرة بحجة استكمال التعليم، في حين أنها يمكنها استكماله في بيتها، على الأقل التعليم الجامعي، هي إشكالية لا يد لكم فيها، لكن ما حدث قد حدث وقد وجب مواجهته برفق وحب ولين واحتواء وتذكير بالله واستخدام الترغيب والترهيب، لا أقصد العنف والضرب، وإنما ترتيب خطوات لحل جذري:

 

- عليكِ ألا تفقدي ثقتك بابنتك وتربيتك لها، وقد قال رب العزة في سورة البقرة: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.

 

- عليك معرفة طبيعة المرحلة التي تمر بها ابنتك، وتقلباتها، وعاطفتها، فلا تلومي نفسك أو تلومي ابنتك، فإن هي إلا سحابة وتمر، وهي في حاجة لدعمك واحتوائك، والحديث الصريح معها والاستماع الجيد لها.

 

- تلك المشكلة لا لا تخصك وحدك كأم، بل عليك إخبار والدها شرط أن يتعامل مع الأمر بهدوء تام، وتركك وحدك تتصدرين مشهد الحل، على أن تهدديها في مرحلة متقدمة من الحل بإخبار أبيها إن حاولت عدم الاستماع أو أصرت على الكذب وعدم الاعتراف بالخطأ، عليكِ أن توازني بين الحب وبين الخوف، ولتكوني أنتِ الحب، وهو مصدر القوة والأمان.

 

- الاطمئنان لصاحباتها من الفتيات، ومعرفة إن كانت إحداهن سببًا في ذلك التعارف أو طرفًا به.

 

- الصبر الطويل في الحوار معها؛ لأنها برغم التربية الجيدة يمكن أن تكذب، وتدعي الندم، ثم تفعل ما تفعله دون علمك وتتحايل في ذلك.

 

- شجعي على الحوار معك، ومع إخوانها، وأكثري من الجلسات الأسرية ولا تتركي لها مجالاً للانفراد بنفسها، شجعيها أن تتحدث معك في كل الموضوعات مهما بلغت حساسيتها بصراحة وصدق، كوني لها مصدر الثقة الآمن.

 

- يجب تخصيص أوقات أكبر للجلسات الإيمانية، ومدارسة المواد الشرعية في حضور الأبناء جميعا وأبيهم، وتكليف كل فرد فيهم بتحضير موضوع معين، واجعلي لها الموضوعات الخاصة بالتزكية مثل مراقبة الله للعبد في كل وقت، وذلك العمل التربوي هو الأهم في كل أسرة، سواء كان فيها مشكلة أو لا، لغرس القيم الإيمانية داخل نفوس الأبناء.

 

- رسخي فيها حب الذات، وأنها أغلى وأكرم من أن تتحدث مع عابر يريد التلهي بها، بينما من يحافظ على دينه إذا هي حافظت على قلبها ونفسها، وذكريها بمثل قوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}، وقوله: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.

 

- مشاركة كل أفراد البيت في الاهتمام بها، والاهتمام ببعضهم البعض، والثناء عليها، وإحاطتها بالحب وكلمات الاستسحان، مع الحزم الكامل في عدم تركها وحدها سواء داخل البيت أو خارجه دون أن تشعر أنها مراقبة.

 

- الأصل في معالجة مثل هذه القضايا هو الحزم، فاقطعوا عنها كل الوسائل التي تمكنها من التواصل مع ذلك الشاب، أو تصوير نفسها أو بعض من جسدها وإنزالها في بعض المواقع، مع بقاء مراقبتها، فقد تأتي بجوال من خارج البيت، فبقاء وسائل الاتصال في متناول يدها يجعل التواصل بينها وبين أي شخص سهلاً، وتكرار التواصل يؤدي إلى العبث بقلبها ومزيد تعلقها بمن تحادثه، ويصبح من الصعوبة عليها التوقف عن التواصل معه، واشغلوا أوقاتها في مذاكرة دروسها، وكلفوها ببعض الأعمال المنزلية، واقتربوا منها في وقت فراغها.

 

- وأولاً وأخيرًا، عليكِ بالدعاء، الدعاء، الدعاء والثقة بقول ربك: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، حفظ الله لكِ ابنتك، وحفظ بنات المسلمين وأبناءهم .