الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
366 - رقم الاستشارة : 788
24/01/2025
أنا يا سيدتي طبيبة ثلاثينية ووالدي طبيب مشهور ولقد تربيت تربية راقية فلم أسمع يوما لفظا بذيئا في بيتنا ولم أتلق من أسرتي إلا التحفيز والدعم الدائم.. أنا متزوجة من بضع سنوات من مهندس نابه يعمل في شركة دولية ويقبض راتبه بالعملة الصعبة وعلى الرغم من ذلك هو بخيل جدا في التعامل معي ولا يعطيني أي مصروف خاص بي ويقايضني أن أترك عملي مقابل أن يعطيني المال وأنا يا سيدتي أحب عملي جدا وبذلت جهدا كبيرا فيه وقد قاربت على الحصول على الدكتوراه وأنا شخصية منظمة جدا وأدير وقتي بطريقة لا تؤثر على البيت والحقيقة أنني لا أحتاج المال منه ولكني أرغب بشعور الأنثى عندما ينفق عليها زوجها وأحيانا يؤلمني أن يشتري حلوى ويأتي ليأكل منها هو والأولاد ولا يتذكر أن يترك لي قطعة كأني لا أنتمي إليه ولا أنتمي إلى البيت.. ومن مظاهر بخله أيضا أننا لازلنا نقطن في نفس الشقة الصغيرة التي تزوجنا فيها رغم أنه يملك أن يشتري شقة أوسع وأفضل وفي مكان أرقى لكنه لا يفعل.. هذا غير سخريته مني والتي يصبها في قالب مزاح سخيف فهو يسخر من الأطباء عموما ويراهم لا يتقنون إلا مهارة الحفظ أما الطبيبات فهن فاشلات بينما العبقرية قد انحصرت لدى المهندسين فقط ويردد هذا الكلام السخيف على مسامع أولادي.. وأيضا عندما يغضب منهم يشتمهم بألفاظ بذيئة من تلك المعتادة في الحي الشعبي الذي نشأ فيه.. حتى أنا في أوقات الغضب يتجاوز في الكلام معي نسيت أن أخبرك أن علاقته بأسرتي وخاصة والدي متحفظة جدا رغم أنه يعامله بلطف شديد.. أكثر من مرة أطلب منه الطلاق ولكنه يرفض بشدة ويتحسن سلوكه فترة ثم لا يلبث أن يعود لطباعه ماذا أفعل؟
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة استشارات المجتمع...
الطلاق -يا غاليتي- هو آخر الأبواب التي نفكر بطرقها عندما تغلق بقية الأبواب.. الطلاق لا نفكر فيه إلا عندما تستحيل العشرة.. عندما تواجهنا مشكلات عاصفة من تلك التي تزلزل وتدمر، ولكننا لا نفكر بالطلاق لأننا لا نشعر بالراحة الكاملة.. لا نشعر بالسعادة.. لا شك أن من أهداف الزواج الشعور بالراحة والسعادة وسوف نعمل بالتأكيد على تحقيق هذا لكن انتقاصهم لا يجعلنا نفكر في هدم كيان الأسرة أبدا.. وإصرار زوجك على رفض الطلاق (وإن كنت أعتقد أنك تستخدميه كورقة للضغط) يدل على أنه شخص مسئول يدرك أهمية الميثاق الغليظ ويحترم كيان الأسرة بل إن تحسن سلوكه يدل أنه يمتلك نوايا طيبة تجاهك، لكن لماذا يعود لطباعه السيئة معك؟
دعينا نفكر معًا بصوت مرتفع ونبحث عن الاحتمالات المتعددة دون أن نستبعد أحد هذه الاحتمالات:
أحد هذه الاحتمالات أن هذه طبيعة زوجك يحب السخرية والتنمر والسيطرة يميل للبخل، ولعلك تميلين لهذا الاحتمال وهو الاحتمال السهل، فهو يلقي على عاتقه بالمشكلة كلها حيث تعود لطباعة الشخصية الثابتة التي مهما حاول إصلاحها يعود إليها لأن الطبع يغلب التطبع.. لكن هذا الاحتمال يتعارض مع طبيعة الحياة الإنسانية التي لا يوجد فيها أحد الطرفين ممثلا للشر الخالص، فكل منا فيه من الخير وفيه من الشر، وهذه النظرة تجعلنا رؤيتنا متزنة متوازنة.. فلنبحث عن احتمال آخر.
الاحتمال الثاني أن زوجك يمارس هذه السلوكيات كحيلة نفسية دفاعية.. رد فعل لمخاوف داخلية تعتريه، فهو يشعر مثلا أنك تنظرين إليه نظرة فوقية فهو رغم ثرائه ابن الحي الشعبي وأنت الطبيبة ابنة الطبيب المشهور التي تقف على أعتاب الدكتوراة فيستخدم أسلوب السخرية للانتقاص منك فهذا يمنحه الشعور بالتفوق.. هذا احتمال وارد.
هناك احتمال ثالث أرجو أن يتسع صدرك لمناقشته ألا وهو أنه يفتقد شعوره بأنوثتك، فهو لا يشعر أنك تحتاجينه (ولعلك قلتها له هكذا بصورة مباشرة) فيقوم بمحاولة يائسة ومحبطة لكسر قشرتك الصلبة التي يراها متمثلة في عملك ومالك.. هذا أيضا احتمال ممكن.
بالطبع هو مخطئ أيًّا كان التفسير وراء ما يقوم به من سلوكيات، ولكن خطأه من النوع الذي يمكن تداركه لو صدقت النية خاصة لو التمست له بعض الأعذار النفسية فيما يقوم به.. وهذه بعض الأضواء التي قد تساعدك في إصلاح حياتك الزوجية:
ـ جوهر الحل أن تتوجهي لله عز وجل بنية صافية صادقة وبدعاء المضطر أن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك ويصلح ذات بينكم، فليس هناك ما هو أهم من حياتك الزوجية كي تتوجهي لله بالدعاء حتى يصلحها لك.
ـ رطبي حياتك الزوجية فهي تبدو شديدة الجفاف، مشادات مشاحنات غضب متراكم.. أين هي أوقاتكم اللطيفة معا؟.. أنت على أعتاب الدكتوراة حنانيك قليلا.. ربما أنتما بحاجة لعطلة بعيدًا عن ضغوط الدراسة والعمل، صدقيني لن يحدث شيء لو تأخرت قليلا في المناقشة مقابل أن تسيطري على فوضى حياتك الزوجية.. نعم قلت إنك شديدة التنظيم لكن هناك أمور بطبيعتها تحتاج بعض العفوية والفوضى (الفوضى الخلاقة!) أقصد أنتما بحاجة للخروج عن الروتين والنظام بعض الوقت حتى تقوما بشحن وتجديد حياتكما.. تعرفين قد تكتشفان مساحات جديدة مجهولة تعيد الشغف لكما.
ـ امنحيه التقدير الكافي فهو يبدو في حالة جوع للتقدير ويسعى له بطرق قد تكون مؤذية أحيانًا.. الحقيقة كل البشر يسعون للتقدير ويرغبون بالشعور بمدى أهميتهم وربما الرجال على وجه خاص يعشقون صورتهم في أعين من يحبونهم، فلا تبخلي عليه به، ولكن كوني صادقة ولا تبالغي حتى يشعر بمدى صدقك.. امدحيه أمام أولاده فهذا سيضاعف من شعوره بالرضا وسيزجره عن أن يؤذيك بالكلمات أمامهم.
ـ إذا استمر بإيذائك بالكلمات سواء أمام الأطفال أو بدونهما فلا بديل عن الحوار الهادئ دون تشنجات ودون إلقاء الاتهامات حتى تصلا لحل، وثقي تماما أنكما تستطيعان الوصول له.
ـ قد يستفزك في بعض الأحيان بحكم العادة فإذا كان الأمر بسيطًا أو يمكن تمريره فمرريه وأتقني فن التغافل، وإن كان بإمكانك أن تقلبي الأمر لمزاح وضحك فافعلي.. أما إن الأمر أكبر من ذلك فذكريه بما اتفقتما عليه.
ـ قللي مساحات النقد للحد الأدنى فلا أحد يحب الاستماع لكلمات اللوم والعتاب، وعندما تنتقديه اختاري نقطة واحدة محددة تكون الأسوأ ولا توجهي له النقد مباشرة، فمثلا لا تقولي له يا لبخلك لم تشترِ لي الحلوى مثل الأطفال أو أن تقطبي ملامحك وتتجاهليه وعندما يسألك: ما بك؟ تقولين لا شيء.. بل اجلسي معهم ووسطهم وانظري له وقولي وأين حلواي؟ أو اضحكي وقولي أنا غاضبة.. هذه خيانة!.. أو انظري له بعتاب وقولي له وأنا هل نسيتني؟ ويمكنك بعد ذلك أن تقولي له بشيء من الجدية مع تعبير حزين (وليس كئيبا) أتمنى أن تحتويني كطفلتك مع الاهتمام بالتواصل البصري والقرب المكاني.. كتب الله لك الخير وتابعيني بأخبارك دائمًا.
انظري أيضًا هذه الاستشارة: