Consultation Image

الإستشارة 09/03/2025

يرفض الإفطار معي في رمضان.. سددي وقاربي السلام عليكم.. قرأت استشارتكم التي جاءت تحت عنوان هل أفطر وحدي أول أيام رمضان؟ وجاءت على وجيعتي فأنا سأفطر وحدي أنا وأولادي طيلة شهر رمضان لأن زوجي سيفطر مع والديه.. والمشكلة باختصار إننا نعيش في بيت عيلة وكنت أخدم أهلى زوجي كلهم حتى تزوج الابن الصغير وكنت أتوقع أن تشارك زوجته معي في إدارة البيت إلا أنها عزلت نفسها وقال الابن الصغير لوالديه إنه يريد الاستقرار وعندما طالبت بالمثل ثار زوجي علي واتهمني بالتقليد وخرجت غاضبة لبيت أهلي.. زوجي رجل متدين جدا جاء وصالحني وقال لي إنه لن يطلب مني النزول تحت مرة أخرى لكنه فاجئني إنه سيفطر جميع أيام رمضان مع والديه وأنه هو سيساعد والدته في الطهي وهو يرى أن هذا من تمام بره بهما وأنه سيأتي لي بكل ما يحتاجه البيت كي أفطر أنا وأولادي وأنا أشعر أنه يلوي ذراعي للعودة لخدمة أسرته مرة أخرى فأخيه الصغير لن يفطر إلا مع عروسه وآخر ما سيفعله أن يدعوهما للإفطار معه يوما فما هو الحل؟

الإجابة 09/03/2025

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات وكل عام وأنت بخير غاليتي.

 

أختي الكريمة، حتى أنا لم أفهم على وجه الدقة هل أنت رافضة أن تتناولي الإفطار مع أسرة زوجك من حيث المبدأ، أم أنك رافضة أن تتناولي معهم الإفطار بينما العروس تفطر مع زوجها وحدهما، فأنت لم تعترضي على الإفطار الجماعي إلا بعد أن رفضه الأخ الصغير، وعلى الرغم من أن أعباء إعداد الإفطار لم تزد شيئا بل قلّت بغياب الأخ الصغير عن المائدة، وهذا كله يرجح أن رفضك للإفطار مع عائلة زوجك (رغم اعتيادك على ذلك لسنوات) ناتج من استخدامك للمنهج المقارن بطريقة غير صحية نتج عنها شعورك بالظلم والغبن...

 

فأنت رأيت الأمر من زاويتك بصورة حادة القسمات.. عروس مدللة تتناول الإفطار وحدها مع زوجها.. تنتقي من أصناف الطعام ما يحلو لها وترتدي في بيتها ملابسها المريحة ولا يتدخل أحد في عملها، وهي حتى لم تتحمل أن تطلب مثل هذه المطالب بل وجدت زوجها هو من يطالب بهذه المساحة من الخصوصية.

 

وقارنت بين هذا وبين ما تعايشنه أنت لسنوات في بيت العيلة، فإذا بك تشعرين أنك مجرد ترس في آلة.. مضغوطة لا تتمتعين بأي مساحة للحرية وليس لك من يتحدث باسمك، بل لعله العكس زوجك يطالبك بمزيد من الاندماج ويرهبك بأنك غير ناضجة وتشعرين بالغيرة من العروس، فكان رد فعلك عنيفًا منفجرًا حتى أنك غادرت بيتك غاضبة وهو أمر تعلمين يقينًا أنه خاطئ تمامًا على كافة المستويات، إلا أنك أخذت الخطوة تحت وطأة الضغط النفسي الذي شعرت به نتيجة الاستخدام المعرفي للمنهج المقارن بطريقة أوجعتك.

 

هنا –غاليتي- ظهر جوهر زوجك المتدين كما وصفته أنت وقام بعمل مراجعة لموقفه، ودعينا حتى نغوص قليلا في عقل وقلب هذا الرجل بناء على ما قدمته لنا من معلومات وما قام به من مواقف.. زوجك رجل متدين بعمق وهذا يعني أنه يضع بره بوالديه على رأس أولوياته.. يعني أنه يشعر بهما.. لا يتصور أن يجلسا وحدهما للإفطار بينما كل ابن مشغول بعائلته، كما أنه أيضا (وهذه نقطة مهمة جدا) اعتاد على هذا السلوك.. لا يتخيل رمضان دون والديه ولعله في نفسه يقول: لعلي لا ألقاهم بعد عامي هذا، وفي الوقت ذاته هو مستمتع بصحبتك وصحبة أولاده في جو حميمي دافئ، بل لعله وفي قرارة نفسه سعيد بقرار أخيه بالانفصال عنكم وقت الإفطار، فهذا كرّس حالة الخصوصية الحميمية وسط والديه وزوجته وأولاده...

 

إلا إنه فوجئ بثورتك وغضبك الذي وصل حد أن تركت البيت، وهنا يظهر معدن هذا الرجل مرة أخرى وأن تدينه حقيقي وليس شكلانيًّا، فرغم أنه كان يريد صورة معينة للإفطار فإنه رأى أن لك حقًّا في الاستقلال في معيشتك وتناول طعامك بعيدا عن والديه.. لذلك توصل (وأظن أن ذلك حدث بعد تفكير عميق) أن يرضيك ويحقق لك ما ترغبين وما يراه حقًّا لك، وفي الوقت ذاته لا يتخلى عن والديه حتى لو قام هو بتجهيز الطعام مع والدته، وهو في هذا السياق لا يضغط عليك بصورة سلبية كما تتصورين أو يحاول لَي ذراعك أو يحاول إجبارك للمعيشة المشتركة بطريقة ناعمة.

 

إنه ببساطة -يا غاليتي- يحاول إيجاد حل يرضي جميع الأطراف ووحده هو من يتحمل الثمن؛ فأنت سيشتري لك كل ما ترغبين، ووالدته سوف يقوم بمساعدتها في الطهي وهو محروم من زوجته وأولاده أيضا وقت الإفطار هذا هو حله ببساطة، وهو سوف يتحمل دفع الثمن الذي يحقق هذا الحل، والآن أنت من عليه اتخاذ القرار النهائي، وأيضا تكونين مستعدة لدفع الثمن المناسب لهذا الحل فلا يوجد قرار لا يُدفع فيه ثمن مناسب له.. وأنا سأحاول في السطور القادمة إلقاء بعض الأضواء على الثمن الذي عليك أن تتحمليه أمام كل خيار.

 

أمامك أيتها الأخت الكريمة ثلاثة خيارات عليك أن تتخذي قرارًا بقبول واحد منها:

 

الأول: أن تتمسكي بموقفك الأخير وتعتبري زوجك مسافرًا وتقومي بعمل وإعداد الطعام لك ولأطفالك، ولو أخذت به‍ذا الخيار فحاولي ألا تكثري من التفكير في افتقادك لزوجك حتى لا يصل بك الأمر للعيش في ظلال دور المظلومية الاجتماعي؛ لأن ثماره بالغة المرارة، وهو طريق سيقوم بنقل حياتك الأسرية لمنحى خطير حقًّا؛ لذا فضعي كل علامات التحذير الحمراء أمام هذا الخيار، وإياك إياك والعيش في أجواء المظلومية..

 

قولي لنفسك هذا قراري الحر وأنا على كامل الاستعداد لتحمل مسئوليته وسوف استمتع بيومي الرمضاني حتى لو لم يشاركني زوجي وجبة الإفطار، فمن حقه هو الآخر أن يقضيه بصحبة والديه؛ لذا فأنا لن أنشغل بهذه القضية، ومن الممكن أن تتركي جزءًا من وجبة الإفطار تأكلين منها معه بعد ذلك، فكثيرا ما يشعر الصائمون بالرغبة في وجبة وسيطة خاصة لو كنت قد أعددت صنفًا من الطعام مميزًا يحبه..

 

ثم أنت لم تذكري شيئًا عن السحور، وهذا يعني أنه سيشارككم فيه، ويمكنك أن تجعلي وجبات السحور هي الأكثر تميزًا حتى تقضيا معًا وقتًا لطيفًا..

 

خلاصة الخيار الأول الثبات على موقفك في الاستقلالية مع دفع الثمن، وهو حرمانك من زوجك في وجبة الإفطار، وقدمت لك بعض الأضواء التي تساعدك على تقليل هذا الثمن للحد الأدنى الممكن والمقبول والواقعي.

 

الخيار الثاني: هو العكس تمامًا، أي أن تتراجعي تماما وبإرادتك الحرة عن الاستقلالية في المعيشة، وأن تراجعي مواقفك الأخيرة والمسألة ليست عيبًا أو عارًا وإنما هي شجاعة أدبية يفتقدها الكثيرون والكثيرات.. فما المانع من المراجعة؟! تذكري ما حدثتك عنه في بداية إجابتي عن الدافع الذي حرّك لديك هذا السلوك.. اسألي نفسك مرة ثانية وأجيبي نفسك بصدق...

 

ويمكنك أن تسألي نفسك أيضًا عن طبيعة العلاقة التي تجمع بينك وبين حمويك هل هي علاقة طيبة دافئة أم علاقة تشوبها الشوائب؟ وهل الوقت الذي تقضينه بصحبتهما هو وقت ماتع لك ولأولادك أو وقت سخيف أو وقت عادي يمكنك تحمله دونما عناء؟

 

والسؤال الحاسم الذي قد يقضي على حيرتك لو كان زوجك ابنًا وحيدًا لهؤلاء الوالدين ولم يكن له أخ قد تزوج حديثا واستقل بمعيشته.. فهل كنت ستأخذين هذا القرار أم لا؟ وهل يستحق هذا القرار أن تفطري وحدك في رمضان مع أولادك وزوجك على بعد خطوات منك؟

 

خلاصة القرار الثاني التراجع عن قرارك واعتبار ذلك شجاعة أدبية منك، والثمن الذي ستدفعينه أنك خضت حربًا بلا قيمة، وهذا قد يضعف قدرتك على اتخاذ قرارات مستقبلية، وما قد يقلل جدًّا من هذا الثمن بل ويحوله لنصر نفسي لك هو عرضك للقضية في إطار الإيثار والرغبة في لمِّ الشمل مع التأكيد على حقك الذي تتنازلين عنه بطيب خاطر، ولا شك أن ذلك سيكون له أثر طيب على زوجك ووالديه.

 

الخيار الثالث: ويمكن أن نطلق عليه خيار التوفيق، وهو مزيج من الخيارين السابقين فتصرين على موقفك في الاستقلالية المعيشية، وفي الوقت ذاته تحافظين على جسور قوية متصلة ومتينة مع أسرة زوجك.. كأن تفاجئيهم بإعداد إفطار مميز والدخول به عليهم وتناول الطعام معًا، وقد لا تكون مفاجئة حتى لا يرهقوا بإعداد الطعام وإنما تخبرينهم منذ بداية اليوم أنك تجهزين لهم الإفطار.

 

وقد تكون الدعوة في بيتك والأفضل أن تكون في بيتهم، ومن الممكن أن تكون منتظمة كل ثلاثة أيام وممكن أن تكون عشوائية حتى لا تكون ملزمة لك.. الأمر واسع فقط يلزمه شيء من الإبداع.. ابتسامة مشرقة.. كلام طيب من القلب مع عدم فتح صفحات العتاب أو اللوم سواء مع زوجك أو والديه..

 

خلاصة هذا الخيار الحرص على منجز الاستقلالية والحرية المعيشية مع الحفاظ على العلاقات الدافئة مع الزوج وأسرته، وهو خيار متوازن لو استطعت إدارته بمهارة يمكنه أن يقلل من مشاعرك السلبية جراء غياب زوجك عن الإفطار، والثمن الذي سيتم دفعه فيه يعد متوسطًا يميل للسهولة لأنك أنت الذي تديرينه بحرية.. أما إذا لم تستطيعي إدارته بمهارة فسينقلب لأحد الخيارين السابقين وأنت أدرى بنفسك وقدراتك ومدى ثباتك الانفعالي.

 

في النهاية أنا لن أرشح لك خيارًا من هذه الخيارات الثلاثة بل سأتركها مفتوحة لك، وعليك أن تجلسي مع نفسك جلسة صادقة تتأملين فيها نفسك في كل منها قبل أن تتخذي قرارًا، فقط أوصيك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم أن تسددي وتقاربي، فلا يوجد إنسان كامل، ولا توجد زوجة كاملة ولا توجد أسرة كاملة لكننا نحاول المقاربة.. فحاولي واستعيني بالله تعالى واطلبي منه أن يلهمك الصواب.. أسعد الله قلبك وألف ما بينك وبين زوجك، وتابعيني بأخبارك دائمًا.