Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. عزة مختار
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 217
  • رقم الاستشارة : 1135
26/02/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا في حيرة شديدة، ابنتي الوحيدة على أعتاب البلوغ ما شاء الله عليها ذكية ومتفوقة دراسيًّا ومحبوبة من الجميع حولها، لكن بدأ منها بعض التمرد والعناد على ثوابت بيتنا الملتزم وبيئتنا المتدينة فتتعمد أحيانًا ترك الصلاة أو محاولة التخفف من خمارها مما يثير غضب أبيها فيلجأ إلى ضربها وعقابها، وأنا أخشى عليها من حدوث فجوة بينها وبيننا وخاصة أبيها ويستفحل الأمر ويسوء حالها، ولا أدري ماذا أفعل معها ومع حزم أبيها الحنون ومن شدة خوفه عليها وحرصه الزائد الذي يصل أحيانًا إلى حد التهور والقسوة وبارك الله فيك؟؟

الإجابة 26/02/2025

الحمد لله رب العالمين، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد سيد الخلق أجمعين، ثم أما بعد، فأقول وبالله التوفيق:

 

عليك السلام ورحمة الله وبركاته حبيبتي، وأهلا ومرحبًا بكِ على صفحات المجتمع، مجلة الأسرة المسلمة، نرحب بك في كل وقت، مع تقديري الكامل لمشاعرك كأم في مرحلة شديدة الحساسية من تربية ابنتها، أدرك تماما ما تعانينه من حيرة، وما تشعرين به من قلق حيال تصرفات ابنتك التي أشرفت على البلوغ وتمر بمرحلة تغيرات حادة في عمرها التربوي، وأتفق معك في محورية تلك المرحلة وتأثيرها الكبير على تكوينها العاطفي والنفسي والجسدي كذلك، ولذلك فهي مرحلة تتطلب الكثير من الحرص والحيطة والتفهم، كذلك الصبر والحكمة ولين الفهم وعمقه.

 

- مرحلة التمرد، فعليكِ أختي الكريمة أن تعلمي وزوجكِ أن ما تمر ابنتك به في تلك المرحلة تسمى بفترة التمرد على الواقع المفروض من حولها، فلن تقبل إلا ما يقبله عقلها ويمثل قناعة لها، التمرد والعناد هو جزء أصيل في شخصية المراهق حتى يستقر فكريًّا ونفسيًّا، وأهم ما تريد أن تشعر به هو الاستقلالية، وتظهر بشكل أبرز في الأولاد، لكنها موجودة كذلك في الفتيات، فلا تحزني وهوني عليكِ، ولا تحسبي أنها معاناتك وحدك.

 

- يجب أن نعلم نحن كمربين، وأولياء أمور أنها مرحلة متغيرة، فما زال جسدها يتكون ويتحول من الطفولة للأنوثة، وربما ذلك يزعجها بعض الشيء، وتحدث لها أيضًا بعض التغيرات النفسية، فمشاعرها تتغير تجاه الجنس الآخر وتعتريها بعض الأفكار، فتحسب أنها قد كبرت وأصبح لديها الحق في الاستقلال الفكري باتخاذ القرارات التي تخصها وحدها، فتعيد النظر في نوعية ملابسها، وقد يمتد الأمر لعباداتها التي كانت تؤديها بالعادة وما تربت عليه.

 

لكن هذا النمو غير مكتمل، وما زال في طور التطور والنمو والتكوين، والمفاهيم التربوية يجب أن تقدم بحكمة وخطاب عقلي وعاطفي على التوازي، وحتى تتضح الرؤية كاملة في الانقلاب الفكري للمراهق، ما حدث في السيرة النبوية ومعاملة النبي صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الموقف باستثارة حمية المراهق وفكره، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: «إن فتى شابا (أي مراهقا) أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا (أي أنه يعلم أنه زنا ومحرم، ومع ذلك يستأذن رسول الله فيه)، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن شيء أبغض إليه منه – الزنا-» (رواه أحمد).

 

- العقاب العنيف كالضرب والتعنيف ليسا الحل الناجع في هذه الحالة على الإطلاق، بل تزيد الفجوة بين الابنة والأبوين وتؤدي إلى نتائج عكسية، ولا سبيل إلا بالحوار المباشر والصريح والاستماع لوجهة نظرها، لتعويدها على تبادل الرأي والتنفيذ بعد الاتفاق على الرأي الأصوب بإقناعها، فربما لها وجهة نظر أخرى معتبرة وتستوجب الرد عليها بالعقل والحكمة، وإشعارها بالثقة فيها واحترامها واحترام رأيها وتقدير مشاعرها في إطار من الصداقة والقرب والمسئولية.

 

- منح المراهقة مساحة من الحرية والاستقلالية وعدم إشعارها بالمراقبة على الدوام، مع التوجيه الودود، كأن تبيني لها مواصفات الملابس التي يجب أن ترتديها، ثم أعطيها حرية اختيار اللون والشكل النهائي في حدود المواصفات الشرعية، فلا صدام، ولا تفريط.

 

- التربية والتعامل مع الفتاة يجب أن يكون باتفاق مسبق بينك وبين زوجك، فلا يقوم أحدكما بالبناء، والآخر يهدم من حيث يريد الإصلاح، تحدثي معه عن طبيعة المرحلة، وأن الفتاة حتمًا سيهديها عقلها وبيئتها وبيتها الملتزم لسلوك الطريق القويم، وإن حدثت بعض التجاوزات فسرعان ما ستعود إذا اتبعنا الأسلوب الأمثل في التعامل معها بالرفق واللين والحب والدفء الأسري.

 

- عليكِ أن تشغيلها بما هو أكبر من الاهتمامات الفردية الشخصية، وأتوسم فيكم الخير بمشاركتها هموم المجتمع والآخرين وهموم الأمة، فالمراهق إن آمن بقضية تفانى فيها وعاش بها، ولقد رأينا كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع فتيان الأمة الوليدة، حين كانوا يجاهدون في سبيل الله، ومنهم من قاد جيش المسلمين الذي حوى كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وكيف أن تغيير المجتمعات وبناء الأمم منوط بحركة الشباب وقناعاتهم وميولهم، فبقدر ما توجهينها ناحية الاهتمامات المجتمعية، بقدر ما تقل مشكلاتها الفردية الخاصة، علميها سيرة الصحابيات وسير الصالحين واغرسي فيها القيم دون أن تكون مجرد متلق، وإنما صانع ومساهم إيجابي.

 

- ثم عليكِ بالطريق الأسرع نحو هدفك وهو اللجوء لرب العالمين والدعاء بأن يحفظ ابنتك من الزلل، وأن تمر عليها تلك الفترة بأمان، جبر الله خاطرك، وقوّى ظهرك، وهدى لك حبيبتك، وحفظ أبناءنا جميعا، إنه ولي ذلك وهو عليه قدير.