23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 08/02/2025

السلام عليكم.. لدي مشكلة من نوع غريب أنا متزوج منذ فترة قصيرة وزوجتي امرأة متدينة تحفظ كتاب الله ومعلمة للقرآن الكريم وذات خلق.. أثناء فترة الخطبة وعقد الزواج كنت أراها شخصية قوية جدا وبها بعض العناد حتى إني كنت أخشى أن تكون متأثرة بالأفكار النسوية بعض الشيء و"الاسترونج اندبنت وومن" وهذه الأشياء رغم نفيها ذلك حتى أنها قالت لي إنها بالفعل كانت تعتنق مثل هذه الأفكار ولكن الله هداها.. بعد الزواج الفعلي وجدتها في معظم الوقت زوجة مطيعة وتحاول إرضائي مشكلتي معها أثناء العلاقة الخاصة فهل تطلب مني ضربها وتقييدها وأشياء من هذه القبيل وأنا متأكد إنها لا تشاهد أي مواد إباحية ولست أدري ما سر رغبتها في أن أقوم بتعذيبها حتى إنها لا تتجاوب معي إلا بهذه الطريقة وهذا يضايقني بشدة فأنا لا أرغب في فعل هذه الأشياء ولا أستمتع بها وأشعر إنني في علاقة غير سوية .. زوجتي امرأة طبيعية جدا فيما عدا ذلك ولو غضبت منها وتحدثت معها بحدة تأخذ موقف مني ولو علمت مثلا عن زوج ضرب زوجته تنفعل بشدة وتراه سلوكا حيوانيا فاضطرابها لا يظهر إلا وقت علاقتنا فقط وهي لا تطلب مني أن أؤذيها بشدة ولكن المبدأ نفسه يزعجني بشدة فهل هي بحاجة لزيارة طبيبة نفسية أم ماذا أفعل .. ما العمل خاصة إذا أكرمنا الله سبحانه وتعالى وحدث حمل.. أفيدوني بالله عليكم.

الإجابة 08/02/2025

أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أخي الكريم على بوابة استشارات المجتمع..

 

ما رأيك أن نبدأ أيها الأخ الفاضل في فهم المشكلة وتحليلها ووضعها في حجمها الطبيعي، ثم نفكر في البحث عن حل.. زوجتك سيدة متدينة حافظة لكتاب الله تعاملك بالمعروف وتحاول أن ترضيك بشتى الطرق، هي إذن زوجة مثالية قلَّ أن تجد مثلها في هذا الزمان، فاحمد الله عز وجل أن هداك لمثل هذه الزوجة.

 

زوجتك امرأة طبيعية للغاية في كافة مناحي الحياة تظهر اعتدادًا بكرامتها وشخصيتها، ولا يبدو عليها أي مظهر من مظاهر الاضطراب النفسي.

 

المشكلة مرتبطة بإظهارها لبعض سمات الشخصية المازوخية في حدود العلاقة الخاصة بينكما، أنا لا أريد أن أطيل في شرح ما هو اضطراب الشخصية المازوخية أو اضطراب المازوخية الجنسية، إلا أنه يمكن القول إنه في أبسط صورة الحصول على المتعة عند تلقي التعذيب الجسدي أو النفسي.

 

لكن أنت ذكرت أنها لا تطلب منك أن تؤذيها بشدة، فالبعض يطلب الخنق بوشاح ونحو ذلك، وقد يصل الأمر بهم للموت أو الإصابة بإصابات خطيرة، فالبعض يطلب التعذيب بطرق وحشية فظيعة؛ لذلك فأنا أرى أن مشكلة زوجتك يمكن اعتبارها درجة بسيطة من الاضطراب أو في المساحة الآمنة، وكان من الممكن جدًّا مع رجل آخر ألا يشعر بالمشكلة من الأساس أو يعتبر الأمر لونًا من ألوان التشويق والإثارة والمسألة تبدو له كلعبة.

 

لكن بما أنك لا تحب هذا الأسلوب في العلاقات وتشعر به منافيًا للفطرة السوية ويتعارض مع السكن والمودة والرحمة، فهنا تبرز المشكلة بشكل حاد، والآن دعنا نقف على الأسباب المحتملة وتحليل هذه المشكلة.

 

الأسباب والتحليل

 

أخي الكريم، أنت نفيت بشكل قاطع أن زوجتك تشاهد محتوى إباحيًّا، لكن من قال لك إن المحتوى الإباحي هو السبب الرئيس لمثل هذه النوعية من الرغبات.. المحتوى الإباحي يفاقم الأمر ويجعله يستفحل، إلا أن أصل المشكلة موجود في النفس الإنسانية المعقدة، والدليل على ما أقوله لك حتى لا تساورك الشكوك أن رواية "فينوس في الفراء" التي صدرت في القرن التاسع عشر للروائي النمساوي "ليوبولد ريتر فون ساجر مازوخ" الذي اشتقت المازوخية من اسمه كانت تناقش هذه القضية في جزء من أجزائها وهي قصة واقعية عاشها الروائي نفسه قبل وجود الإنترنت والمحتوى الإباحي بعشرات السنوات.

 

فأريدك أن يطمئن قلبك وتثق تمامًا أن زوجتك معلمة القرآن لا تشاهد مثل هذه الأشياء، لذلك فهي لا تطالبك بالإيذاء الشديد، ولذلك قلت لك إن المشكلة في الحدود الآمنة، وهذا من فضل الله عز وجل على الإنسان المتدين.. فما هو أصل المشكلة؟

 

علماء النفس لا يعرفون تفسيرًا محددًا لهذا الاضطراب، وكل ما يقوله أصحاب مدرسة التحليل النفسي أنه ربما يكون السبب التعرض للصدمات القاسية في مرحلة الطفولة.

 

لي تحليل أرجو أن ينال تفهمك وقبولك، زوجتك امرأة قوية الشخصية اعتنقت في فترة من حياتها الفلسفة النسوية حيث المساواة المطلقة مع الرجل والصدام والصراع معه، وكانت من الناحية العقلية وعلى مستوى تيار الوعي مؤمنة بهذه الأفكار، لكن هذه الأفكار تصطدم بفطرة المرأة الطبيعية الناعمة التي تميل للخضوع للرجل؛ لذلك فاللاوعي لديها طوّر بعض المشاعر المازوخية التي قد تكون مرتبطة بالإحساس اللاواعي بالذنب أو قد يكون رد فعل بدائي على مستوى العقل الباطن كي تشعر بهيمنة الرجل..

 

بعد ذلك نجحت زوجتك على مستوى العقل الواعي في انتقاد ورفض الأفكار النسوية وانحازت للرؤية الدينية في هذا الأمر، وهذا حقق لها استقرارًا نفسيًّا كبيرًا لكنها بقيت غير قادرة على التعامل مع مخلفات اللاوعي الذي يظهر أثناء علاقتها الخاصة بك بحيث أصبحت لا تتجاوب معك إلا إذا تعاملت معها بقسوة تشعرها بتفوقك عليها.. فارتبطت لديها المتعة بالألم.

وعن هذه العلاقة المعقدة أنقل لك تفسير الطبيب النفسي وائل أبو هندي ببعض الاختصار:

 

1- (أفترضُ أن رابطًا [لا واعيا أو لا شعوريا] ما يوجدُ بين الجنس وبين الألم (المادي أو المعنوي) في الغيب النفسي للنفس البشرية [ذكرًا كانت أو أنثى]، وأن ذلك الرابط كمنَ بشكل أو بآخر عند أغلبية بني البشر.

 

2- من الممكن أن يجد ذلك الرابط طريقه إلى الظهور في تخيلات أو سلوكيات النفس الجنسية، وقد يحدثُ ذلك تحت ظروف نفسية معينة، أحيانًا تتمثل في التعرض للخوف المبهم ثم ارتبط كل ذلك بمناظر التعذيب.

 

3- ماذا يكونُ يا ترى تأثير ارتباط الألم باللذة الجنسية؟ في ظروف المجتمع البشري الذي نعيش فيه والذي يسود الرجل فيه في علاقته بالمرأة على الأقل داخل الأسرة الطبيعية، يبدو وضع الذكر كمتلق للألم أثناء الجنس غير مستساغ، ولهذا السبب تصبح المازوخية كشكوى أكثر ظهورًا في الرجال، وبنفس هذا الفهم أقول لك إنني لم أسمع من يشتكي من ساديته في الجنس من قبل، لكنني سمعت كثيرين من الذكور يشتكون ويتألمون من مازوخيهتم.

 

4- فإذا وصلنا إلى الأنثى ونحن نناقش ارتباط الجنس بالألم ماذا يا ترى سيكونُ موقفنا؟ هل سنعتبر بعض المازوخية من جانبها أمرًا طبيعيًّا؟ أليست الأنثى في العملية الجنسية مختلفةً عن الرجل؟ أليست طرفًا متلقيًا؟ هل تستطيع اعتبار الذكر والأنثى طرفين متساويين أثناء الممارسة الجنسية؟ أليس هناك فرق؟!)

 

ألا يمكننا القول إذن أن بعض السمات المازوخية التي تبديها زوجتك في بعض الأوقات الخاصة لا ينبغي أن تثير قلقك ومخاوفك؟

 

إضاءات وحلول

 

بالتأكيد يمكنك اصطحاب زوجتك للطبيبة النفسية، يمكنك مناقشة الأمر مع زوجتك، فيبدو لي أنك لم تتحدث إليها في هذا الأمر بشكل واضح، وعندها يمكنك اقتراح زيارة الطبيبة النفسية.. الطبيبة ستعطيها ببعض الأدوية المحسنة للمزاج والتي قد تساعد بشكل ثانوي في مساعدتها على تجاوز هذه الأزمة بشرط خضوعها لعلاج معرفي فهو الأساس في هذه الحالة..

 

من الممكن جدًّا أن ترفض زوجتك زيارة الطبيبة النفسية، ومن الممكن أن تحاول كبت أحاسيسها عنك حتى لا تطلب منها هذا الطلب مرة أخرى..

 

أيضًا بما إنكم تخططون لحدوث الحمل فإن استخدام الأدوية النفسية لن يكون مناسبًا لكما، لكن إن وافقت زوجتك على زيارة الطبيبة أو المعالجة النفسية فيمكن الاكتفاء ببعض الجلسات التي تساعدها على الوقوف على الدوافع التي تحرك إحساسها وتناقشها في كيفية التعامل مع هذه الأحاسيس.. وسواء تم ذلك أم لا فأنا سأقدم لك مجموعة من الأفكار التي قد تلهمك طريقًا للخروج من هذه المشكلة إن شاء الله تعالى:

 

1. تواصل معها بالحوار وتحدث معها بشكل صريح كيف أنك تحبها وترى في مثل هذه السلوكيات تقليلاً لا ترضاه لها ولا ترضاه لمكانتها عندك، وأن المرأة كما الرجل كرّمها الله عز وجل وأنك ترى فيما تطلبه منك تقليلاً لهذه الكرامة وخدشا لكبريائها كأنثى.. كن هادئًا ومبتسمًا ودقيقًا في كلامك فهذا مضمون جلسة العلاج المعرفي مناقشة الأفكار وإصلاح العطب فيها.

 

2. بما أنك أنت الرجل فأنت قائد هذه العلاقة فيمكنك أن تفرض أمرًا واقعًا جديدًا.. يمكنك أن تستجيب لها في مرات قليلة تقل من حيث الكم كل فترة، وفي الوقت نفسه وهو الأهم تقل تدريجيًّا من حيث الكيف فتقلل شيئًا فشيئًا من مقدار الألم أو القسوة حتى تصل لمرحلة الخشونة دون تعذيب.. يمكنك استخدام الكلمات لتفعيل خيالها المازوخي ولو نجحت في اكتفائها بالخيال دون الممارسة الفعلية فإن هذا إنجاز كبير لأنها بذلك لا تكون مازوخية حقيقية بل طيف مازوخية والفارق كبير.

 

3. يمكنك بعد ذلك تعليمها أساليب جديدة للحب بعيدة تمامًا عن المازوخية وأطيافها، وإن كنت أعتقد أنها ستظل تفضل بعض الخشونة في التعامل ويمكنكما الوصول لنقطة في المنتصف.. إن استطعت أن تمنعها لمدة 90 يومًا متواصلة من الممارسات الفعلية المازوخية فإنك ستكون على عتبة النجاح، لكن لا تحبط إذا أشعرتك بحاجتها لهذا الأمر بعد فترة من تجاهلها له وارجع خطوة صغيرة للوراء ثم حاول مرة أخرى.

 

4. إن لم تنجح هذه الأمور كلها، فعليك تقبل الأمر، كما أوضحت لك فإن زوجتك في المساحة الآمنة فلا تبالغ في رد فعلك إزاء رغباتها.. لا تستسلم تمامًا ولكن حاول أنت أيضًا مشاركتها بعض الأوقات المختلفة.

 

5. سيكون الحمل فرصة جيدة لتعافيها ومساعدتها على تجاوز ما تعانيه ولكن عوضها بكمية كبيرة من الحب والحنان، وامنحها الدلال الكافي لأم جديدة حامل للمرة الأولى وتخشى على جنينها.

 

6. كرر التواصل الكلامي معها بين الحين والآخر واستغل إحساسها بذاتها الأنثوية في جعلها تكره وتشمئز من المازوخية وأطيافها.

 

7. شجعها على مراجعة حفظها من القرآن الكريم وإتقانه ودعمها فيما تقوم به من أنشطة، وأعرب عن تقديرك لها وللدور الذي تقوم به فهو من أكثر الأمور التي ستجعلها تعيد تصحيح صورتها الذهنية عن نفسها وعن احتياجاتها.

 

أسعد الله قلوبكما وأصلح ذات بينكم ورزقكم الذرية الطيبة وتابعن دائما بأخبارك.