الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
261 - رقم الاستشارة : 746
20/01/2025
أنا يا سيدتي زوجة في منتصف الثلاثينات متزوجة منذ عشرة سنوات من أستاذ جامعي ولدى طفلان.. أنا يا سيدتي أنتمي لطبقة اجتماعية راقية فوالدي يعمل في مركز مرموق وكذلك والدتي وكل العائلة هكذا لهم أوضاع اجتماعية ووظيفية ممتازة وأنا تلقيت تعليمي في أرقى المدارس والجامعات ولم أتعرض يوما للتعنيف أثناء تربيتي وكانت نظرتي للحياة عموما نظرة وردية فلم أقابل فيها ضغوطا أو منغصات حتى تزوجت من زوجي هذا فهو على الرغم من أنه أستاذ جامعي في أحد الكليات العملية ويدرس أيضا في جامعة خاصة ولديه دخل مرتفع جدا إلا أن له أصول اجتماعية فقيرة ولا أقصد الفقر المادي أبدا وإنما أقصد الفقر النفسي والتربوي ولم أدرك ذلك إلا بعد زواجي بالفعل فلقد أبهرني الدكتور الجامعي المهذب والوسيم ولم التفت إلى خلفيته الاجتماعية التي نشأ فيها والتي أشعر أنه رغب في الهروب منها بالارتباط بطبقة اجتماعية أرقى. زوجي يعنف الأولاد وأكون حائرة هل أشاركه في تربيتهم فيعنفهم أم أجعله متباعد عن مشاكلهم كما أفعل الآن هو يستخدم معهم كل الأساليب التربوية السلبية التي نشأ عليها مثل منهج المقارنة والإيذاء اللفظي وقد يصل الأمر حد الإيذاء البدني (أكثر من مرة يضرب ابنتي الكبرى على رأسها ضربة خفيفة) وعندما انتقد أسلوبه يتشاجر معي ويكيل لي الاتهامات وينتهي الأمر للخصام وهذا ما كتبت لك تحديدا لأجله فزوجي العزيز لديه قدرة كبيرة على الخصام يعود من العمل يدخل غرفة النوم ولا يخرج ويقوم بإعداد طعامه لنفسه ويأخذه ويأكل في غرفة النوم ويرفض أن يشاركنا الطعام ولابد أن أذهب أنا واعتذر أكثر من مرة حتى يكسر هذه المقاطعة وتعود أجواء البيت إلى طبيعتها وأشعر أن مدد خصامه تزيد وفترات الصلح تقل وأشعر أنه يسير على خطوات والده فوالده الرجل الريفي يعيش وحده منذ سنوات طويلة في الطابق العلوي ويقاطع زوجته وأولاده ومنهم زوجي وعلى الرغم من أنه كان ينتقد والده إلا أنني أشعر أنه يقوم بتقليده.. أشعر بالاختناق فهل من حل؟
أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك أختي الكريمة على صفحة استشارات المجتمع.. بالطبع يا عزيزتي هناك أكثر من حل، ولكن لفت انتباهي قبل الحديث عن أي حلول قولك إنك كنت تعيشين حياة وردية بلا أي منغصات أو ضغوط، فهل تظنين أن هناك حياة طبيعية على سطح هذا الكوكب تخلو من المنغصات والضغوط؟ في طبقتك الاجتماعية مثلا ألم تحكِ لك بعض صديقاتك مثلا عن كارثة الزوج الخائن هل تقدرين حجم هذه المشكلة ووقعها النفسي على الزوجة أو على الكيان الأسري كله؟
ها أنا أستخدم معك المنهج المقارن لكي نستطيع تقدير حجم الضرر الذي تعيشين فيه بصور أخرى من الضرر تعيش فيها أخريات ينتمين لنفس خلفيتك الاجتماعية، فليس كل مقارنة شيطانًا رجيمًا كما تتصورين، ولقد استخدم القرآن الكريم منهج المقارنة في أكثر من موضع ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (الملك: 22)، ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا ۖ هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ (النحل: 75).
تعمدت أن أستطرد في هذه النقطة لهدف مزدوج الأول أن تقدري مشكلتك تقديرًا حقيقيًّا باستخدام المنهج المقارن.. والهدف الثاني أن يقل غضبك عندما يستخدم زوجك المنهج المقارن مع الأولاد فهو ليس شرًّا مطلقًا كما يروج لذلك.. المبالغة في استخدام المنهج المقارن خطأ شديد.. استخدام كلمات قاسية مع المقارنة ممكن أن يكون خطأ قاتلاً لنفسية الأولاد ولتقييم الوضع فلا بد من الموضوعية ولا بد من النقد بطريقة ذكية...
لا بد من أن تقولي له إنك مقدرة مشاعر الحب والخوف التي تدفعه للمقارنة ولكن ربط ذلك بالكلمات القاسية لن يحقق الهدف ويترك شروخًا في النفوس الصغيرة الغضة، فلا بد أن تصلي معه لنقطة في المنتصف تتفقان فيها على آليات التربية، فإبعاده عن تربية أولاده إقصاء ستجنين ثماره المُرة لاحقًا؛ فالتربية عملية مركبة بحاجة لتضافر جهودكما معًا.
وبمناسبة المنهج المقارن فأنت استخدمته أثناء الحديث عن خلفية طبقتك الاجتماعية مقارنة بطبقته هو الآخر، وأتفق معك أن الكفاءة في الزواج أمر بالغ الأهمية، وكلما كان الزوجان متشابهين جعل ذلك حياتهما أكثر سهولة وكان عليك التفكير في هذا الأمر من قبل، ففي هذه اللحظة تعد مناقشة هذه النقطة لونًا من ألوان الترف الفكري الذي يثيره الشيطان حتى يشعرك بالندم على اختيارك، وعلى أي حال فزوجك رجل مرموق بالفعل.. أستاذ جامعي في جامعة حكومية وأخرى خاصة جعلك تعيشين في نفس المستوى المادي الذي اعتدت عليه، وسيم مهذب كما ذكرت أنت، فلن يعيبه خلفيته الاجتماعية البسيطة، ولا داعي للتعالي عليه أو تفسير ارتباطه بك برغبته للهروب لطبقة اجتماعية أعلى، فأنت أول من سيتضرر إذا أمعنت في تحليل الأمر على مثل هذا النحو.
نأتي للنقطة الأساسية التي تزعجك والتي كتبت لنا بسببها كثرة فترات الخصام والقطيعة وهو أسلوبه المفضل في الاحتجاج والغضب، وهو أمر يثير غضبك وحنقك، ولا شك فالحوار هو أهم أداة للتواصل والبحث عن حل لأي مشكلة، وهو بهذا الأسلوب يجفف منابع الحل، ولكن إذا تمعنا في الأمر وحاولنا تمثل وجهة نظره فقد تكون هذه طريقته التي تمنعه من التجاوزات والإساءات اللفظية أو ما هو أكثر كما يفعل البعض فينسحب، ومن الوارد جدًّا أن يكون قد تأثر بسلوك والده بشكل لا واع، إلا أن والده مستمر في القطيعة لسنوات وهو نفسه يرفض سلوك والده، وهذا سيكون منطلقنا للحل، فإياك من إبراز فكرة تقليده لوالده من عقله اللاوعي لحيز عقله الواعي فهذا خطر.
استغلي فترات الصلح والحوار وتحدثي معه بمنتهى اللطف والرقة ودون توجيه أي اتهامات أو انتقادات شخصية له، وابحثي معه طريقتكم في الحوار والتواصل، وعبري له عن رفضك لاستخدامه وسيلة الصمت العقابي، واجعليه يتعهد لك ألا يتجاوز غضبه حدود اليوم والليلة وإلا فثلاثة أيام هو الحد الأقصى حتى لا تدخلوا في دوائر محرمة وحتى لا تدخل علاقتكم الزوجية في نفق التفكك والتحلل...
كوني ناعمة دافئة وأنت تتحدثين إليه، ولا تنسي التواصل البصري معه حتى تبددي ما قد يكون يعاني منه من مشاعر اهتزاز ثقته بنفسه، فكل ما يدور في خلدك من فروق اجتماعية وغيرها تصل إليه على نحو ما؛ فالمشاعر لها طرقها غير المألوفة للوصول حتى لو لم تتحدثي بها (فما بالك إذا ذكرتها في معرض الشجار والمشاحنة)، وقد تكون هذه طريقته في حماية نفسه فيحيطها بهذه القشرة الصلبة من الصمت والتقوقع داخل حجرته الخاصة؛ فأنت مطلوب منك بذكائك العاطفي أن تشققي بعضًا من هذه القشرة الصلبة حتى تستطيعي الوصول إليه بسهولة، وتذكري أن استقرار أسرتك وسلامها يستحق منك هذه المحاولة، وفقك الله تعالى لما يحب ويرضى، وتابعينا بأخبارك.