23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 16/01/2025

أنا يا سيدتي امرأة تجاوزت الثلاثين من عمري.. تزوجت في المرة الأولى وأنا في عمر العشرين ولم يستمر زواجي الأول أكثر من ثلاثة شهور ولم يثمر عن أولاد.. بعد الطلاق حاولت تطوير نفسي وأكملت دراستي الجامعية وحصلت على فرصة عمل تدر لي دخلا معقولا وانضممت لحلقة لحفظ القرآن الكريم واستقرت نفسيتي كثيرا بعد التجربة الأليمة التي مررت بها في زواجي .. مرت السنوات ولم يتقدم لي أي شخص مناسب فكل من يتقدم (كل فترة طويلة من الزمن) يكون فيه عيوب جسيمة فهذا فارق السن بيننا يتجاوز العشرين سنة وهذا أرمل لديه فريق من الأولاد ولا يتردد في قول أنه يبحث عن زوجة لخدمة أولاده وهذا عاطل لا يعمل وهكذا حتى تقدم لي زوجي الحالي كنت وقتها في الثامنة والعشرين بينما هو في الثالثة والثلاثين .. رجل على خلق ودين ميسور ماديا لكنه متزوج ولديه أولاد من الزوجة الأولى في البداية رفضت هذا الزواج لأنني لا أريد بناء سعادتي على شقاء الآخرين أو أكون مجرد زيجة مؤقتة للقضاء على الملل ولكنه أصر على الحديث معي وأقنعني أنه بحاجة لهذا الزواج الثاني وجاد فيه تماما وأنه لن يظلمني ولن يظلم زوجته الأولى إن أردت الحق لا أدري هل أقنعني فعلا؟ أم أعجبني؟ أم وجدت فيه فرصتي الأخيرة قبل الثلاثين؟ لكن حديثه الديني كان له أثرا كبيرا في اتخاذي للقرار وقبولي الزواج به ولم أندم فلقد رزقني الله طفلا جميلا وعشت معه حياة مستقرة وأنا يا سيدتي كنت حريصة جدا على سلامي النفسي فلم أحاول سؤاله أبدا عن علاقته بزوجته الأولى أو أخبارها وهو كذلك لم يفعل وشجعني على استمراري في عملي وحفظي للقرآن وطبعا رعاية طفلي الصغير فكانت حياتي مليئة ثرية بالتفاصيل ويعلم إنني لم أحاول أبدا أن أوغر صدره على زوجته الأولى أو أذكرها بسوء أو أحاول التحايل لأخذ بعض حقها لكن مشكلتي يا سيدتي التي أكتب لك بشأنها هي نظرة المجتمع لي خاصة النساء ففي كل مكان أذهب إليه أشعر بالهمسات من حولي وقد تصل أحيانا لاتهامات صريحة بالأنانية وسمعتها بأذني أكثر من مرة (لا تغضبي ولكن الزوجة الثانية هذه خرابة بيوت!) فهل أنا حقا يا سيدتي خرابة بيوت رغم كل ما حكيته لك وكيف أستطيع العيش بسلام وأنا يواجهني هذا الاتهام؟ هل انعزل عن التجمعات.. لكن ماذا عن عملي؟ أخشى ما أخشاه أن يؤثر هذا الكلام على نفسيتي أكثر من ذلك فأتحول لشخصية نكدية وأخسر زواجي واستقراري ولن تزول عني التهمة بل ربما سيضاف لها الشماتة بخرابة البيوت .. ماذا أفعل؟

الإجابة 16/01/2025

خلاصة الرد:

خرابة البيوت هي تلك المرأة الملتوية التي تسلك طرقًا ملتوية للوصول لرجل متزوج ولا علاقة بينها وبين صاحبة الاستشارة؛ فالزوجة الثانية لها نفس حقوق وواجبات الزوجة الأولى، وصاحبة الاستشارة تقدم لها رجل صالح لم تسعَ هي وراءه أبدًا، وعليها أن تكون أكثر ثقة في نفسها وتتذكر أن التعدد تشريع إلهي لحماية المجتمع المسلم من الفواحش.

الإجابة:

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة استشارات المجتمع، وإن شاء الله تجدين في إجابتنا ما يثلج صدرك ويهدئ روعك.

لكن دعينا نبدأ حديثنا عن تعدد الزوجات في الإسلام ليس من حيث الحكم الفقهي فهو أمر مباح ومشروع بضوابطه ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾ (النساء: 3)، فالسياق يتحدث عن الحرص على العدالة مع النساء اليتيمات وإلا فالنساء غير اليتيمات كثيرات ويستطيع أن يتزوج الرجل منهن امرأة أو اثنتين أو ثلاثًا وأقصى ما يمكن أن يتم السماح به هو أربع.

وليس في الآية حث على الزواج بأربع نساء ولا حتى اثنتين وإنما هو الحديث عن الحد الأقصى المباح وهو حكم يخص الأسرة المسلمة في كل مكان وزمان في الحرب والسلم في البادية والمدينة، فلا بد أن يتسع ليشمل كل الأحوال، ثم ينزل كل فرد ما يحتاجه بحسب واقعه لا سلطة لأحد عليه غير ضميره الديني اليقظ، فمجرد الخوف والتوجس من الظلم يكفي لئن يكتفي الرجل بواحدة فهذا الأقرب للعدالة.

والآية الأخرى تؤكد هذا المعنى ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ (النساء: 129)، فالآية تقرر أن العدل المطلق مستحيل حتى مع أشد الرجال حرصًا؛ لذلك فالله سبحانه وتعالى يخفف عن الرجل فتسمح له أن يسدد ويقارب ويحاول الإصلاح قدر استطاعته فهو لن يملك مشاعره مثلا ولا يمكنه العدل فيها ولا ما يترتب عليها من علاقة خاصة مثلا، وإنما يستطيع العدل في النفقة والمبيت ونحو ذلك، ولكن حتى في هذه الأمور العاطفية لا بد من الحرص على الإصلاح والتقوى حتى يكون الأمر أقرب للعدالة حتى لا تصبح إحدى الزوجتين في وضع أقرب ما يكون للمعلقة فهي شكليًّا متزوجة بينما في الواقع هي مهجورة منبوذة؛ فهذا ظلم بيّن وتفريغ للزواج من مضمونه.

لذلك وكما ترين أختي الكريمة فالتعدد مباح ولكنه ليس بالأمر الهين فهو مسئولية كبيرة والتزام وأمانة ولا بد لمن يمارسها أن يتصف بالعدالة والقدرة على الضبط والتحكم في مشاعره، بالإضافة طبعًا للقدرة على النفقة ونحو ذلك.. هذا كله مرتبط بالرجل وبالتالي فالتعدد مسئولية كبيرة تقع على عاتقه وليس منحة بلا شروط...

لماذا أحدثك عن الرجل والتعدد كي أضعك في الإطار الكبير للصورة، فكلما فهمت أكثر عن مغزى التعدد وفلسفته ساعدك ذلك على مواجهة مشكلتك بشكل أكثر احترافية.

أنت سيدة على دين وخلق تقدم لك رجل ظننت فيه الصلاح (ونحسبه كذلك) وكان مناسبًا لك، فما الجريمة التي ارتكبتها حتى يحاسبك عليها المجتمع والنساء خاصة؟ ولماذا تشعرين ببعض الذنب الداخلي وأنت تقولين "لا أدري هل أقنعني فعلا؟ أم أعجبني؟ أم وجدت فيه فرصتي الأخيرة قبل الثلاثين؟" لا شك أنه المجتمع الذي يرى في الزوجة الثانية خرابة بيوت تبني سعادتها على شقاء أسرته الأولى والأمر ليس كذلك أبدا...

دعيني أخبرك أولا من هي خرابة البيوت.. خرابة البيوت هي سيدة ذات سلوك ملتو تسعى خلف الرجل بطرق ملتوية مثلها، وقد تكون طرقًا بالغة النعومة، وغالبا ما تجيد التسلل عبر الثغرات حتى توقع الرجل، وقد يصل الأمر في نهاية المطاف لزواج شرعي لكنه جاء بطريق غير شرعي وملتو.

وإذا كان السلوك الملتوي الذي يعتمد على الألاعيب سلوكًا مرفوضًا فهو مع الرجل المتزوج كارثي؛ لأن هناك طرفًا ثالثًا في هذه المعادلة، وهو الزوجة الأولى التي قد تطلب الطلاق وتهدم البيت، وهو حق مكفول لها إذا تضررت أو كانت شديدة الغيرة ولا تحتمل وتخشى أن تفتن في دينها فتكون هذه الخرابة عرضت البيت الأول لفتنة حقيقية بينما سعيها خلف رجل غير متزوج على الرغم من أنه سلوك غير لائق وغير صحيح إلا أنه لن يضر أحدًا غيرهما.

قد تقولين أو يقولون لك إنك بقبولك الزواج من رجل متزوج عرضت زوجته وبيته الأول للفتنة والابتلاء وقد يصل الأمر لخراب البيت، وأنت بريئة من هذا تمامًا، فالرجل هو الذي سعى خلفك عبر زواج شرعي وهو كان عازمًا على الزواج سواء منك أو من غيرك، فالرجل هو الذي اتخذ القرار وهو الذي يتحمل مسئوليته وهو الأكثر دراية بحجم النفع والضرر الذي قد يعود عليه.

وإذا كان الرجل صالحًا يتقي الله عز وجل فإنه لن يقدم على هذه الخطوة إلا لحاجته الشديدة إليها (وهو أدرى بنفسه وبنواياه وبقدراته)، فلا تحملي نفسك ذنبًا أو مسئولية، فلو أن بيته الأول تضرر فهو المسئول عن ذلك (وهو الأمر الذي لم يحدث بفضل الله)، وخيرًا فعلت أنك تباعدت عن معرفة كل ما يخص الزوجة الأولى فهذا سينعكس على قلبك بالسلام من جهة ومن جهة أخرى لا يكون لك أي مسئولية بما يحدث بينهما فهو شأنهما الخاص.

كيف تواجهين المجتمع والنساء اللاتي ينتقصن منك إذن؟

ـ بالفهم العميق لفلسفة التعدد، ويمكنك أن تقرئي تفسير الأستاذ سيد قطب في تفسير آيات سورة النساء، وهذا يمنحك القاعدة المعرفية التي تمنحك الثقة.. وخلاصة القول أن الإسلام يراعي في أحكامه جميع الأشخاص ويستوعب جميع الظروف ويترك مسئولية تنزيل ذلك على الواقع للنشاط الفردي حتى يتحقق أكبر قدر ممكن من الاتزان والتوازن في العلاقات.

ـ إياك وتجنب التجمعات فأنت لم ترتكبي إثمًا.. كوني هادئة واثقة من نفسك.. ترفعي عن الرد على كل شاردة وواردة.. لكن إذا تم الحديث المباشر معك فخذي نفسًا عميقًا قبل الرد وانظري في عيون من تحدثك مباشرة ولا تدافعي عن نفسك، فقط قولي لها: هل تعترضين على شرع الله فإذا أطالت معك في الحديث قولي لها: عفوًا هذه خصوصيات.

ـ حاولي أن تقومي بعمل علاقات جديدة تشعرين معها بالراحة النفسية.. علاقات أكثر تفهمًا وأكثر احترامًا للخصوصية وللتنوع بين الناس، ولن تعدمي أن تجدي مثل هذه العلاقات.

ـ أكثري من الذكر والاستغفار وقراءة القرآن، وأكثري جدًّا من الدعاء أن يمنحك الله السكينة والصبر وراحة البال.

ـ أكثري من الشكر والحمد لله عز وجل أن منحك زوجًا حسن الدين والخلق بعد تجربة الزواج الأولى التي آلمتك كثيرًا، ورزقك الذرية الطيبة، وامتني من أعماق قلبك لحياتك التي تعيشين فيها بكل تفاصيلها الصغيرة، ولا تدعي الشيطان يؤذيك ويعيد تكرار هذه الكلمات على مسامعك، وأنت لا تكرري هذه الكلمات الخبيثة (خرابة البيوت ونحو ذلك) فتتسرب لعقلك الباطن فاحذري.