الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
247 - رقم الاستشارة : 620
08/01/2025
أنا يا سيدتي أستاذ جامعي في إحدى الجامعات المرموقة أدرس أحد العلوم الإنسانية متزوج منذ أكثر من عشر سنوات من زميلة معي في نفس القسم وكانت زميلة لي على مقاعد الدراسة من قبل.. لم تربطنا قصة حب وإنما كنا متشابهان لحد كبير.. جمعنا التفوق الدراسي والطموح وأيضا جمعنا تقارب وضعنا الاجتماعي بالإضافة إنها على قدر من الجمال والتدين فرأيت فيها صورة مثالية للزوجة التي أحلم بها ولكن وللأسف لم تتوقف المشكلات بيننا يوما لذات الأسباب التي سعيت خلفها لأجلها؛ فزوجتي العزيزة في حالة تنافس دائم معي حتى إنها أنجبت طفلنا الوحيد بعد مناقشات ومشادات كثيرة بيننا لأنها تخشى من التخلف عن المسار الوظيفي لها والآن هي ترفض مطلقا أن تنجب مرة أخرى وتتهمني إنني أريد "تعطيلها" وهي التهمة الجاهزة التي تلقيها في وجهي كلما طلبت منها أي طلب طبيعي من زوج لزوجته.. الكارثة إنني أشعر إنها تغار مني لدرجة تصل حد الحقد كلما نشرت بحثا أو تلقيت ترقية وهذا ما جعل مشاعري ناحيتها تتحول تدريجيا لمشاعر كراهية ولم أعد أر فيها أي لمحة جمال وأحيانا كثيرة أتعمد أن أقول لها كلاما حادا أو جارحا حتى أنال من كبريائها ولقد كرهت هذا السلوك من نفسي والذي لا أراه إلا كرد فعل لمشاعرها وسلوكها تجاهي والآن أنا أفكر جديا في الطلاق فلم أعد أحتمل هذه الحياة القائمة على الصراع والمنافسة وما يجعلني أتردد في اتخاذ هذا القرار هو طفلي.. فهل من بارقة أمل في هذه الحياة النكدة التي أعيشها؟ دكتور حازم.. مصر
عزيزي الدكتور حازم، أهلا بك على صفحة استشارات المجتمع.
يبدو لي أنك كتبت كلماتك السابقة في لحظات مشحونة بمشاعر الغضب والاستياء، وهذه المشاعر عندما تسيطر على الإنسان تمنعه من الحكم السديد على الأمور، أو لنكن أكثر دقة تقوم بتلوين أفكاره بالأحمر الناري وتستخدم كل قوى العقل لتقديم الحجج والبراهين وربط الأحداث بطريقة تبدو مغلقة عصية على الحل.
ويبدو أن جزءًا كبيرًا من دوافعك للغضب مرتبطة بذاتك؛ فأنت ترفض هذه التحولات في شخصيتك والتي حولتك وأنت أستاذ الجامعة المثقف لشخص يلقي بالعبارات الحادة والكلمات المهينة المؤذية، وهذه ليست طبيعتك، ولكن الجملة الدفاعية الأشهر التي تأتي في الاستشارات بعد الاعتراف ببعض الأخطاء الذاتية هي أن ما قمت به من أخطاء هو مجرد رد فعل لسلوك الطرف الآخر...
هذه الأخطاء الذاتية التي قد تحدث بالفعل كرد فعل تعزز لدى الطرف الآخر مشاعر العناد والغضب ومن ثم تزداد ردة الفعل تطرفًا، وهكذا تدخل العلاقة الزوجية الدائرة الجهنمية التي بيدك كسرها؛ فأنت الرجل بمعنى أنه يجب عليك أن تكون مبادرًا قائدًا للعلاقة لا مجرد طرف يقوم بردود الأفعال.
أعلم أن زوجتك استفزتك كثيرا وأعلم أنها وعلى الرغم من تدينها فإنها وقعت في شباك الفكر النسوي؛ حيث يتم تقديس المساواة والعلاقات الندية وحيث يصبح أهم أدوار المرأة دورها في العمل المأجور..
النسوية تحارب الأمومة وتراها مجرد وظيفة بيولوجية وأنت ترى في المجتمعات الغربية وفي اليابان كيف عزفت النساء عن الأمومة حتى بدأت بعض البلدان في التناقص.. السر يكمن في أن النساء هناك رأين أن الأمومة تعطل تطورهن الوظيفي، وهي نفس الفكرة التي تسيطر على ذهن زوجتك الآن.. وإن كان نموذج الأم العزباء السائد في الغرب يحفز النساء على اتخاذ هذا الموقف فإن المرأة في بلادنا (في الغالب) ليس لها عذر ومؤسسة الأسرة قائمة ودور الرجل فيها مركزي.. وهذا يقودني لسؤال أرجو أن تجيب عنه بصراحة وصدق هل قمت بدورك الأسري كما ينبغي أن يكون لمن هو في مثل ثقافتك؟
بمعنى آخر هل أشعرتها بالأمان حتى تستطيع هي الإنجاب وهي تعلم أنها تستند على جدار قوي؟ ألا يمكن أن تكون إهانتك لها واستخفافك بها بل وشعورها أنك ربما تفكر في الطلاق هو الدافع وراء رفضها لفكرة الإنجاب مرة أخرى؟
عزيزي الدكتور حازم.. الطلاق هو آخر الحلول التي يمكن اللجوء إليها، خاصة أن بينكما بالفعل طفل بريء يستحق منك المحاولة بجدية، فلا تدع الشيطان يزين لك مشاعر الكراهية ويسول لك التمادي في الإهانة فلا شيء يفرحه أكثر من خراب بيت وتشتيت أسرة، والآن سأقدم لك مقترح من ثلاث خطوات فكر في تطبيقه بطريقة إبداعية:
الخطوة الأولى: جلسة عميقة مع نفسك تناقش فيها مشاعرك وأفكارك السلبية تجاه زوجتك وتمعن فيها في قراءة ما وراء كلماتها وأفعالها.. والهدف من هذه الجلسة أن تنبذ فكرة الطلاق على الأقل في هذه المرحلة.
الخطوة الثانية: هي خطوة عملية تمنح فيها زوجتك التقدير الكافي خاصة بعد كلمات الإهانة والانتقاص، واعلم أن هذه الخطوة قد تستغرق بعض الوقت حتى تشعر بصدقك معها.. حاول أن تفرح من قلبك لفرحها وأخبرها بلسانك.. بإمكانك أن تخرج معها أو تقدم لها هدية لطيفة كتعبير عن هذا الفرح عندما تحقق هي الأخرى ترقية أو تنشر بحثًا أو تتلقى إشادة.. لا تبخل عليها بكلمات التقدير.
الخطوة الثالثة: هي خطوة المصارحة المغلفة بكل مشاعر الحب والأمان والاحتواء والبعيدة كل البعد عن الحدة والسخرية والمقارنات في إطار الحوار العقلي. اعتمد على تدينها دون أن تشعرها أنها تلميذة في جلسة وعظ، وامزج الحوار العقلي بالكلام العاطفي ولا تخجل من إخبارها بحبك لها، وصدقني فمشاعر الكراهية والنفور التي تعيشها هي مجرد مشاعر زائفة جاءت كرد فعل لما تعيشه من أزمة، وإذا انقشعت هذه المشاعر ستشعر بعودة الحب إلى قلبك فالعواطف من طبيعتها التقلب...
في هذه الخطوة عاتبها برفق.. اختر كل مرة نقطة واحدة عاتبها عليها، وابدأ بأسهلها حتى تصنع رابط استجابة قوي بينك وبينها، ولا تنس الاستماع لعتابها هي الأخرى بإنصات، وابذل جهدك في تفهمها وحل ما تشكو منه، وثق أنك كل ما بذلت من جهد في القرب منها ستجد مقابلا يرضيك ويسعد قلبك...
وفقك الله لكل خير وأصلح بينكما وتابعنا دائما بأخبارك.