الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
105 - رقم الاستشارة : 993
16/02/2025
أنا يا سيدتي رجل في الثالثة والثلاثين أعمل في وظيفة مرموقة تدر علي دخلا عاليا ولي وضع اجتماعي ممتاز فوالدي يعتبر كبير عائلة من أكبر العائلات وأنا اعتبر نائبه وأجلس معه في جلسات التحكيم العرفية وأنا حاليا خاطب فتاة من عائلة كبيرة جدا وهي آية في الجمال والخلق وأشعر بها تحبني بشدة وإن كان حيائها يمنعها من التعبير عن ذلك وأرى في عيونها نظرات الانبهار بي فأنا كما قلت لكم شخصية كاريزما كما يقال.. المهم حتى لا أطيل عليكم قرأت استشارتكم عن الزوجة المازوخية ولمست جرحا داخلي أحاول تجاهله فأنا أعاني من هذا الأمر ومنذ سنوات مراهقتي الأولى أمتلك هذا الخيال وكنت أمارس العادة السرية وأتخيل إنني أتعرض للضرب المؤلم من إحداهن (ليس لدي أي ميول تجاه نفس جنسي) ثم أصبحت مدمنا لهذه النوعية من الأفلام الإباحية وطبعا هذا كله في سرية تامة فلا يمكن أن يتصور أحد إنني أعاني من هذا الأمر وأنا لا أستطيع زيارة طبيب أو معالج نفسي ولولا إنني مجهول الهوية ما كتبت هذا الكلام.. أنا حاولت كثيرا مع نفسي أن أقلع عن هذه المشاهدة وهذه الممارسات ولم أفلح وحاولت أن أشاهد أشياء طبيعية (إباحية) فلم أشعر بالإثارة التي كنت أشعر بها.. الآن زواجي بعد عدة شهور ولا أدري ماذا أفعل.. هل أحاول ترك عروسي لكن لا يوجد لدي مبرر وسوف يحدث ذلك مشكلات بين العائلتين.. بالطبع لا أستطيع مصارحتها الآن.. ولست أدري كيف أصارحها بعد الزواج بما أعاني منه؟ وكيف سيكون رد فعلها؟ أتخيل إنها إن وافقت على الاستمرار معي فستنظر لي باحتقار وهذا أمر لا يمكنني تحمله فأنا خارج هذا الموضوع شخصية تعتد بنفسها جدا.. أشعر إنني على بوابة الاكتئاب ومزاجي ليس جيدا كلما اقترب الزفاف أشعر بنفسي أكثر عصبية.. أعرف إنه لا يوجد حل لمشكلتي ولكنني أقول ربما.
أهلا وسهلاً ومرحبًا بك -أخي الكريم- على البوابة الإلكترونية للاستشارات.. يا أخي لا يوجد مشكلة في هذا العالم بلا حل، فقط لو امتلكنا الإرادة الحقيقية التي تجعلنا نستطيع دفع الثمن المناسب لهذا الحل، وكلما كانت المشكلة غائرة تطلب الحل أن ندفع ثمنًا أعلى، فعليك أنت أن تختار لنفسك بين أن تختنق بالمشكلة وتغرق فيها أو أن تدفع الثمن المرتفع للحل.
ولا تظن -يا أخي الكريم- أننا نملك عصا سحرية نقدم من خلالها الحلول؛ فالحلول كامنة في نفسك فقط، نحن نساعدك على إخراجها لحيز الوعي ونحاول تنظيم أفكارك ونقوم بتحفيزك لتفعيل الحلول، لكن الجهد الأكبر هو جهدك أنت الشخصي؛ فكن مستعدًّا، ودعنا نبدأ.
الصلاة والدعاء
أخي الكريم، أنت رجل ناضج ناجح تمتلك شخصية قوية، وهذه أهم نقاط قوتك الذاتية التي سنرتكز عليها عند التفكير في الحل، ولكن هذه نقاط القوة كلها تتحول إلى معادلة صفرية إذا لم يكن هناك عون من الله وتوفيق، أو كما قيل:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتهاده
وأنت لم تذكر في سؤالك شيئًا عن طبيعة علاقتك بالله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى هو من يمنحك القوة والإرادة على التعافي، والله سبحانه وتعالى هو من يطهر قلبك، والله سبحانه وتعالى هو القادر أن يجعلك تتجاوز عثراتك.. الله سبحانه وتعالى هو القادر أن يجعلك إنسانًا جديدًا ناجحًا نجاحًا حقيقيًّا يبدأ من داخل أعماقك.
ولعل هذا الابتلاء الذي تعاني منه رغم كل مظاهر القوة التي تحيطك حتى يدعوك للاقتراب منه حتى تشعر بالافتقار إليه.. حتى تذكرك نقطة الضعف الذي تعانيه بأنك في نهاية الأمر إنسان محدود بحاجة للاتصال بالخالق حتى يجبر كسور روحك.. ولا يوجد ما يجعلك تتصل بالخالق أفضل من الصلاة والدعاء؛ فاسجد يا أخي واقترب وادعوه دعاء المضطر الذي فقد أسباب النجاة وأنت موقن أنه سيستجيب لك..
أتعرف -يا أخي- كان هناك شاب أيام النبي صلى الله عليه وسلم كان عاشقًا للنساء عاشقًا للعلاقات غير المشروعة لا يرغب في الاكتفاء بزوجة واحدة أو حتى أربع.. يرغب دائما في التجديد والتغيير حتى إنه ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم عارضًا عليه أن يلتزم بجميع الشرائع على أن يسمح له النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا.. فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن استخدم معه علاجًا يقوم على خطوتين فقط:
الخطوة الأولى: علاج معرفي ناقش معه الفكرة وأثرها الخطير حتى اقتنع الشاب عقليًّا.. لكن الاقتناع العقلي وحده لا يكفي لمشاعر تعمقت في القلب فكانت الخطوة الثانية.
الخطوة الثانية: اللجوء لرب العالمين الذي بيده القلوب فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهر الله قلبه فكان هذا الشاب لا يلتفت (مجرد التفاتة) للنساء.. قد تقول إن مشكلتك تختلف عن مشكلة هذا الشاب لأن فيها سمات غير طبيعية، لكنني أؤكد لك أن جذور المرض واحدة، والعلاج النبوي هو الأساس في التعافي من هذا المرض.
وأنصحك -يا أخي- بقراءة هذه الاستشارة ففيها المزيد من التفاصيل النافعة بمشيئة الرحمن ذنوب الخلوات.. خطوات عملية للإقلاع والثبات.
تفكيك المشكلة
أخي الكريم، في بداية المراهقة يحدث كثيرًا أن ينشأ شيء من الاضطراب في تصور الشباب لشكل العلاقة الجنسية، ومن الممكن أن يقودهم شعورهم بالذنب وإدراكهم أنهم يقترفون خطأ إلى ربط المتعة بالألم كما حدث معك في بداية مراهقتك، وكان من الممكن أن يحدث التعافي بشكل طبيعي لولا مشاهدتك للمواد الإباحية التي عززت لديك هذه المتلازمة "متلازمة المتعة والألم".
وأنت تقريبًا لك نحو عشرين عاما تشاهد هذه الأشياء.. فهل تدرك ماذا فعلت هذه المشاهدة في عقلك؟ لقد نشأت آلاف التشابكات العصبية في المخ كلها تعزز ارتباط المتعة بالألم حتى أصبحت جزءًا حقيقيًّا من شخصيتك التي لا يعرفها أحد، ثم قام عقلك اللاواعي بتشجيعك على صناعة شخصية كاريزما (وكانت كل الظروف تساعد على ذلك) حتى تقوم بتعويض ما تعاني منه وتغطي عليه، وكان أن نجحت في ذلك فأصبحت لديك شخصيتان، واحدة تواجه بها المجتمع وأخرى خاصة جدًّا لا يعرفها أحد.
ولكن وبعد أن خطبت (وهذا ما يتماشى مع شخصيتك التي تواجه بها المجتمع) وأصبحت قريبًا جدًّا من الزفاف وما يعنيه ذلك من اقتراب شخص آخر(فتاة جميلة خلوقة منبهرة بك) من مساحتك الخاصة أصبحت تشعر بالخطر وهذا ما دفعك للكتابة والاستشارة.
مراحل العلاج
العلاج النبوي الذي حدثتك عنه هو الأساس العميق الذي يجب عليك ترسيخه في نفسك حتى يمكننا البناء عليه.. الجزء المعرفي أظنك أنت موقن منه وأنت مدرك تمامًا أن ما تقوم به خطأ سواء مشاهدة المواد الإباحية أو التوجه الذي تشاهده تحديدًا وتشعر بالضيق النفسي من ذلك، ولا أتصور أن رجلاً في ذكائك ينصب ضيقه النفسي على كشف أمره لزوجته وفقط، وإنما أفترض أنك بالفعل تشعر بالضيق والغضب لاقتراف المحرمات من جهة، وهذه الازدواجية في الشخصية من جهة أخرى.
خذ قرارك
أنت بحاجة أن تجلس مع نفسك وتفكر بشكل عميق فيما وصلت إليه بعد نحو من عشرين عامًا من الإباحية التي تتسم بالشذوذ، حيث قضيت في هذا المستنقع طيلة سنوات مراهقتك وسنوات طويلة من شبابك ونضجك وآن الأوان لاتخاذ القرار الحاسم الآن من أريد أن أكون؟ من أريد أن أكون من الخارج ومن الداخل؟
أنا الرجل الناضج الناجح كبير العائلة لا يليق بي أبدًا أن أكون ذلك الرجل الذي يتلقى الألم في علاقته الخاصة بزوجته ولا حتى في خياله، لذا أنا أقرر أنني سأتخلى عن هذا الخيال وعن هذه الأفكار وعن المواد الإباحية التي تغذي وتعزز هذا التوجه...
تمهل وأنت تتخذ هذا القرار.. اشعر به وتذوقه إن جاز التعبير، اجعله يلمس قلبك ومشاعرك حتى يكون قويًّا، فكّر فيه كثيرًا حتى تجعله واضحًا مركزًا في بؤرة الوعي.. ذكّر به نفسك كل صباح وكل مساء، اكتبه بشكل واضح لك ولكنه لا يكشف ما تقصد في مذكرتك، مثلا تكتب: "أنا أتقي الله عز وجل"، أو "أنا أراقب الله عز وجل"، أو "عين الله تراني"، أو "اللهم طهر قلبي".
ومن النتائج التي تترتب على اتخاذ هذا القرار أن تقوم بتثبيت برنامج على الهاتف وعلى الحاسوب يقوم بحجب المواقع الإباحية، اختر برنامجًا معقدًا حتى لا تجعل الإباحية في متناول يدك.
أيضا ابذل جهدًا كبيرًا طيلة اليوم.. مارس الرياضة.. لا تختلي بنفسك.. لا تدخل لتنام إلا عندما تشعر أنك وقعت بالفعل في أولى مراحل النوم.. افعل كل ما يساعدك على تفعيل قرارك، وها نحن ستظللنا بعد أيام قليلة أيام مباركات، فاجعل لسانك رطبًا بذكر الله وأقم ليلك وكثف الدعاء أن يطهر الله قلبك ويعفو عنك ويعينك أن تكون كما يليق بك.
شهران متتابعان
يرى الخبراء في علاج الإباحية بكافة أشكالها أن على الشخص المتعافي أن يمتنع عن أي نشاط جنسي لمدة 90 يومًا متواصلة حتى لو كان متزوجًا.. فيمتنع عن المشاهدة ويمتنع عن الممارسة، فإذا انتكس في يوم يبدأ العداد من البداية بلا كلل ولا يأس، ففي كل مرة يبدأ فيها من جديد سيكون أكثر قوة وستزيد أيام تعافيه بالتدريج.. فما حدث في عشرين عامًا في دماغك لن يُشفى بمجرد أخذ القرار.
وهو منهج علاجي نجح مع ملايين من مدمني الإباحية يشهد له الكفارة التي حددها الدين لمن جامع زوجته في نهار رمضان فبعد عتق الرقبة وهو لم يعد متاحًا في عصرنا هذا، وهي كفارة مالية باهظة بالتأكيد تجعل المسلم يفكر ألف مرة قبل ارتكاب الذنب، فإن العقوبة التالية هي صيام شهرين متتابعين حتى يتعلم مهارة ضبط النفس، وهي نفس عقوبة الظهار، وجمهور العلماء يرى أنه إذا جامعها ليلا بدأ الكفارة من جديد.
لذلك فأنا أرى أن الحد الأدنى المستهدف قد يكون شهرين متتابعين، ومن الوارد جدًّا أن تنتكس خلال هذين الشهرين، فلا تيأس فاليأس جريمة في حق رجل مثلك، بل ابدأ من جديد شهرين آخرين، وعليك أن تؤجل زفافك بأي حجة حتى يمر عليك 90 يومًا أو 60 يومًا كحد أدنى بشكل متواصل لا تشاهد فيها أي مواد إباحية ولا تمارس فيها العادة السيئة.
واستعن بالله وتوكل عليه ولا تعجز، وتمسك بأذكار الصباح والمساء، لا تنس أن تقول كل صباح وكل مساء "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين"، فاستغث بالله ورحمته وأنت تذكر نفسك بالقرار الحاسم الذي اتخذته.
في النهاية هناك نصيحتان لك:
الأولى: أريد أن أقول لك ألا تتكشف نفسيًّا أمام زوجتك المستقبلية إلى حد أن تخبرها بما كنت تعاني منه (سيصبح جزءًا من الماضي قريبًا إن شاء الله)، فمن ناحية هو هتك لستر الله عليك، ومن ناحية أخرى سينكسر شيء مهم بينكما، ومن ناحية ثالثة نريد أن نتجاهل هذا الموضوع ونبعده عن بؤرة الوعي.
الثانية: من الوارد جدًّا أن تخطر على بالك بعض الخيالات الحسية التي تربط المتعة بالألم وأنت مع زوجتك فلا تنزعج فهذا أمر وارد.. كل ما عليك أن تفعله هو أن تتركها تمر دون إمعان فيها أو تحليل أو استبقاء بالتأكيد، وثق أنه بالتدريج سيبدأ المخ ببناء تشابكات عصبية جديدة تربط المتعة بالعلاقة السوية بينك وبين زوجتك تحل محل التشابكات العصبية القديمة (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)، رزقك الله القلب الخاشع والصبر الجميل، وأسعد أيامك، وتابعنا بأخبارك.