22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 17/02/2025

دكتور، أنا حاسس إني مضغوط ومتعب نفسيًا وجسديًا من شغل البنك والروتين اليومي، وبقيت دايمًا مرهق وعصبي لما برجع البيت. بشتغل أكتر من شغل علشان أقدر أوفّر حياة كويسة، ومسؤولياتي مش بس تجاه بيتي، لكن كمان تجاه أمي وإخواتي، فحياتي بقت كلها ضغوط فوق طاقتي. المشكلة إن مراتي بقت دائمة الصراخ على الأولاد، دايمًا متوترة، تتمتم بكلام مش مفهوم، بتشتم الأولاد وبتحرضهم عليّ، مع إنهم أصلاً بيميلوا لي أكتر، لأني بتعامل معاهم بهدوء ومن غير عنف لفظي أو جسدي زي ما هي بتعمل. بحس إنها بتحبني وعشقاني، لكن في نفس الوقت بتبعد عني وبتتغير ناحيتي من غير سبب واضح! التناقض ده عامل لي ضغط نفسي كبير، وأنا مش عارف أفهمها ولا أتعامل مع تصرفاتها

الإجابة 17/02/2025

أهلا وسهلا ومرحبًا بك أخي الكريم على البوابة الالكترونية للاستشارات.. لمست من كلماتك ما تعانيه من ضغوط وإرهاق ما بين عملك الأساسي وعملك الإضافي، بالإضافة طبعًا لتباعد زوجتك عنك وأنت كنت في أمس الحاجة لتفهمها ودعمها، وزاد من ضغطك أنك غير مدرك للسبب وبالتالي غير قادر على التعامل معه.

 

أخي الكريم، يبدو لي من كلماتك أيضًا أنك رجل تدرك المعنى الحقيقي للمسئولية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة، لذلك فأنت تسعى لتأمين حياة كريمة آمنة لأولادك وزوجتك وبيتك، وفي الوقت ذاته لا تنسى واجبك نحو عائلتك وبيتك الأول، أي نحو والدتك وإخوتك، فاسمح لي أن أقدم لك التحية لأننا في عصر تهرب فيه كثير من الرجال من المسئوليات المنوطة بهم.

 

وأيضا أريد أن أقدم لك التحية، لأنه ورغم كل هذه الضغوط التي تعيشها فأنت حريص على التعامل بهدوء بعيدًا عن أي صورة من صور العنف اللفظي أو الجسدي، فأنت حريص على أن توفر لأبنائك بيئة آمنة سوية تحقق لهم الرفاه النفسي قبل الرفاه المادي.

 

وأخيرًا، أحييك على طلب الاستشارة والدعم كي تستطيع احتواء زوجتك وتقريبها منك ومحاولة فهم ما تعانيه، وإن شاء الله نستطيع أن نحلل لك تفاصيل ما تعاني منه زوجتك ونلهمك أفكارًا تساعدك على الحل.

 

ولكن قبل أن نخوض في التحليل أو الحل أريد أن نفكر معًا في طريقة لإدارة الضغوط التي تعيشها، لأن كل إنسان وله طاقة محددة، وإذا نفدت هذه الطاقة من كثرة الضغوط فلن يستطيع القيام بمهامه الأساسية، لذلك فكان دعاء المؤمنين في القرآن الكريم (وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) [البقرة: 286].

 

إدارة الضغوط

 

أخي الكريم، لقد بدأت رسالتك أو استشارتك بقولك "أنا حاسس إني مضغوط ومتعب نفسيًّا وجسديًّا"، وهذا الشعور جرس إنذار إن لم تنتبه له فسيبدأ منحنى حياتك في الهبوط الاضطراري؛ لذلك نحن بحاجة إلى أمرين:

 

الأول: مضاعفة حدود طاقتك:

 

نحن نريد مضاعفة حدود طاقتك حتى تتسع لهذه الضغوط الكثيرة.. فالناس فيما بينهم يمتلكون مساحات مختلفة ومتنوعة من مخازن الطاقة النفسية والجسدية إن جاز لنا التعبير.. وأنت يا أخي بما تمتلك من سمات شخصية مؤهل تمامًا لمضاعفة مخازن الطاقة لديك، وإليك أمران يساعدانك على ذلك بمشيئة الرحمن:

 

ـ اغتنام الهدي النبوي الذي يمنح الإنسان الطاقة.. ففاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم عانت في فترة من حياتها من ضغوط شديدة، فهي زوجة وأم لأطفال صغار بحاجة لرعاية ووقت وجهد وفي الوقت ذاته تقوم بمهام منزلية غاية في المشقة، فهي تطحن القمح حتى تحوله إلى دقيق تقوم بطحنه بالرحى وهي آلة بدائية مرهقة جعلت يديها متشققة جافة، وكانت تكنس البيت فتغبر ثيابها وتشعل النيران للطهي فيصيب ثيابها الدخان ويسود لونها.

 

فذهبت رضي الله عنها تلتمس من النبي صلى الله عليه وسلم خادمًا يساعدها من السبي الذي جاءه فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم هي وعليًّا رضي الله عنه بما هو خير لهما من خادم فقال: (ألَا أُعَلِّمُكُما خَيْرًا ممَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما تُكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، وتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتَحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ؛ فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ) [رواه البخاري]، فهذا الذكر يمنع عن الإنسان الإعياء الناجم عن الضغوط، حتى إن عليًّا رضي الله عنه يقول إنه لم يتركه ليلة حتى ليلة صفين.

 

فكيف يعمل هذا الذكر وكيف يمنح الإنسان الطاقة؟ عندما يقول الإنسان هذا الذكر بقلبه ولسانه في نهاية يومه المرهق المثقل بالأعباء والضغوط ينتقل لحالة روحية تخرجه من ضغط الجسد وأعباء الماديات فيحلق في تسبيح الله وحمده ويتماهى مع التكبير الذي هو أكبر من كل الضغوط والأعباء، فينام نومًا عميقًا وقد تخلص من كل شحنات الغضب والضيق والإحباط والإعياء الذي رافقه طيلة نهارا فيستيقظ نشيطا ممتلئا بالحيوية وقد امتلأ خزان طاقته إلى الحد الأقصى.

 

وإذا حرص الإنسان على باقي أذكاره وصلواته فسوف يظل هذا الخزان يتجدد باستمرار على مدار اليوم فيدخل في دائرة من الطاقة والحيوية التي ترتفع يوما بعد يوم.. غير أن هناك بركات تتنزل عليه ويشعر بأثرها الحقيقي ولا يشعر بذلك غير المؤمنين حقًّا فكن ممن يغتنم هذا الهدي النبوي.

 

ـ خذ بالأسباب، مارس الرياضة ولو أن تمشي وأنت ذاهب إلى عملك نصف ساعة، فالمشي يرفع من هرمونات السعادة في المخ، وهذا يجعل خزان طاقتك يتسع عكس التوتر الذي يحد من طاقة الإنسان.. تناول طعامًا صحيًّا ولا تكثر من الكافيين.. لا تكثر من التفكير والمخططات وعش في حدود يومك فكل يوم نعيشه سعداء هو إضافة لخزان الطاقة الإيجابية..

 

لا تقل لنفسك كلمات سلبية مثل أنا مضغوط.. أنا متعب.. واستبدل بها كلمات تحمل معاني إيجابية "أنا بفضل الله لدي طاقة عالية".. "أنا بفضل الله لدي قدرة على التعامل مع الضغوط".. هذه الكلمات تتسرب إلى اللا وعي وتشكل البنية العميقة لشخصية الإنسان.

 

الثاني: تخفيف الضغوط:

 

أخي الكريم، أنت رجل اقتصاد وتعلم أن الميزانية المضطربة يلزمها واحد من أمرين أو الاثنين معا.. إما زيادة الدخل أو تقليل النفقات، ورفع ومضاعفة حدود طاقتك تمثل زيادة الدخل بينما تقليل الضغوط يمثل تقليل النفقات وأنت بحاجة للاثنين معا، فكيف تخفف الضغوط عن نفسك؟ لاحظ أن هذا هو هدف مزدوج لأنك بتخفيف الضغوط عن نفسك ستخف الضغوط مباشرة على زوجتك، وإليك بعض الأمور التي قد تساعدك على ذلك:

 

ـ راجع ميزانيتك ونفقاتك واستغن عن بعض البنود التكميلية، أنت هنا بحاجة للحديث الصريح مع زوجتك فقرار تخفيض النفقات يمسها بشكل مباشر، لكن عندما يكون المقابل قضاء وقت نوعي معها فثق أنها ستوافق.. أيضا أنت بحاجة للحديث مع الوالدة وشرح الأمر لها وأنك تعاني من الإعياء من كثرة العمل وبحاجة لبعض الوقت وبعض الراحة.. هي أمك وأكثر من يخشى عليك فثق أنها ستتفهم...

 

أما إن كان ما يلتهم ميزانيتك هي مخططات مستقبلية لتأمين مستقبل أولادك فحنانيك يا أخي فالمستقبل بيد الله عز وجل.. لا أقول لك لا تدخر ولكن يمكنك تخفيض قيمة ما تدخره للنصف فحياتك الأسرية على المحك.

 

ـ يستتبع ذلك مراجعة أعمالك الإضافية وانتقاء أقلها ضررًا على وقتك وجهدك والحفاظ عليه بجوار عملك الأساسي بالطبع.. هذه خطوة شجاعة حقًّا ولكنك تستطيع فعلها.

 

ـ استمتع بحياتك.. استمتع بعملك.. استمتع بقضاء وقت بصحبة والدتك وإخوتك.. استمتع باللعب مع أطفالك.. بشرب القهوة مع زوجتك.. استمتع بالتفاصيل الصغيرة.. لا تجعل حياتك عبارة عن مهام وواجبات والتزامات فقط.. تذكر جيدا أنت بحاجة لتحجيم الضغوط.

 

أنت وزوجتك

 

أخي الفاضل، إن استطعت حقًّا إدارة الضغوط ونجحت في رفع خزان طاقتك فإنك ستكون قد قطعت بالفعل أكثر من نصف الطريق في حل مشكلتك مع زوجتك، فتحليلي للأمر أن زوجك تفتقدك بشدة في حياتها.. مشاعرك تجاه زوجتك صادقة تمامًا فاتبع قلبك، هي تحبك وتعشقك بالفعل؛ وإلا ما عانت مشاعر الافتقاد واكتفت بما تقدمه لها من رفاهية مادية.. كل ما تراه وتلمسه من تغيرها وتوترها وانفعالاتها الزائدة وصراخها على الأولاد وانفعالها الزائد عليهم مجرد مظاهر وأعراض لما تعانيه وتفقده وهو "أنت" للأسف...

 

أنت دائما مشغول حتى عندما تعود إلى البيت مشغول بأعمالك الأخرى، فمتى تجلس معها، ومتى تتكلم، ومتى تجلسان معًا جلسة هادئة كزوجين؛ لذا فلابد من الحديث الصريح معها فكل قرار نتخذه له ثمن.. الرفاه المادي له ثمن وهو انشغالك على هذا النحو وتوترها وعصبيتها بهذه الطريقة التي وصفتها، قضاء وقت ممتع لكما كزوجين وكأسرة له ثمن وهو انخفاض المستوى المعيشي درجة أو تقليل مدخراتكم..

 

شاركها معك في اتخاذ القرار وتحمل تبعاته ولا تهمشها أبدا، وفي كل الأحوال لا بد أن تعبر لها عن مشاعرك وعن حبك لها وأن انشغالك بالعمل على هذا النحو لون من ألوان الحب العملي كي يتم إشباع احتياجاتها واحتياجات الأطفال، وأن لديك الاستعداد كي تغير هذه اللغة من لغات الحب لأجلها أيضا.. وشاركها في موضوع والدتك وإخوتك وكيف يمكن دعمهم ماديًّا لو تغيرت فلسفة عملك.

 

وأخيرا، أوصيك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو عندما قال له: (صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا) رواه البخاري.

 

فإن كان عبد الله بن عمرو تجاهل حقوق زوجته في قربه منها بسبب انشغاله بالعبادة فيبدو لي أنك انشغلت عن حقوق زوجتك بكثرة العمل فسدد وقارب.. أسعد الله قلبك وأصلح بينك وبين زوجتك وتابعنا بأخبارك.