الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
47 - رقم الاستشارة : 847
31/01/2025
السلام عليكم .. أنا شاب في الثامنة والعشرين من عمري لدي انطباعات سيئة عن النساء فلقد تطلقت والدتي من والدي وكنت وقتها رضيعا وتخلت أمي عن حضانتي وتركتها لأبي وتزوجت.. وكان أبي دائم السب لها ونعتها بالفاجرة وكان دائما يقول لي: لا تأمن لصنف النساء.. أشعر بالحاجة للزواج ولدي الحمد لله الإمكانيات المادية لكنني خائف جدا من هذه الخطوة فكلما أعجبتني فتاة وسألت عنها أشعر أن شيئا مريبا يحيط بها ورغما عني أتذكر أمي وأنا لا أريد أن أنجب طفلا يعاني مثل ما عانيت من طفولتي.. أنا أشعر أن الفتيات أصبحن بلا حياء وأنه من السهل جدا أن تنزلق أي سيدة متزوجة لمستنقع الخيانة.. حتى أنني بالفعل دخلت في بعض علاقات واستدرجت بعض النساء باسم الحب حتى أتأكد من نظريتي وللأسف كانت استجابتهم أكبر برهان لنظريتي التي استقيتها من أبي.. أنا تركت هذه العلاقات المحرمة وأشعر بالندم عليها وأتمنى أن أتزوج في الحلال لكن كيف أتأكد من أخلاق الفتاة بعض ما اختبرته من تجارب وكيف أتأكد إنها لن تقوم بخيانتي إذا حدثت بيننا مشكلة أو قل مالي مثلا أنا في حيرة من أمري ولا أعرف كيف الخلاص مما أعاني منه من أفكار تتسلط على عقلي.. فهل من نصيحة؟
أهلا وسهلاً ومرحبًا بك ابني الكريم على بوابة استشارات المجتمع.. أشعر يا بني بهذه المشاعر المؤلمة التي تعتريك عندما تتسلط عليك هذه النوعية من الأفكار التي تشعر في كثير من الأحيان أنك لا تملك لها دفعًا.
يا بني، أنت تعرضت لإساءات طفولة بالغة.. افتقادك للأم وحنانها أثّر في نموك النفسي السليم، وأيضًا تعرضت لإساءات من الوالد الذي سعى للانتقام من الوالدة بتشويهها وتحطيم صورتها في قلبك.. بل إن ما قاله لك على النساء عموما حفر آثارًا غائرة في قلبك ونفسك...
وفي رأيي أنك بحاجة لمراجعة طبيب نفسي، ففي الغالب أنت تعاني من مرض يطلق عليه الوسواس القهري وهذا ما سيؤكده لك الطبيب (أو ينفيه)، وهذا المرض يتحسن جدًّا بالأدوية، ولكن الأدوية وحدها لا تكفي، فأنت ستكون بحاجة أيضًا لجلسات مع المعالج النفسي لمساعدتك على تجاوز إساءات الطفولة التي ما زالت تتحكم فيك، وأرجو أن تفكر في هذه الخطوة بجدية قبل التفكير في خطوة الارتباط والزواج.
يا بني، الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 35).
ماذا تفهم من هذه الآية؟ إن النساء شقائق الرجال فهن المسلمات المؤمنات إلى آخر الصفات.
المرأة -يا بني- هي الإنسان بخيره: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر} (الأنفال: 71)، وبشره أيضًا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (الأنفال: 73)؛ لذلك ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأتين امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، وضرب مثلا للذين كفروا امرأتين امرأة نوح وامرأة لوط؛ فأنت إن ذهبت تتلمس الشر من النساء وجدت، وإن ذهبت تتلمس الخير وجدت، وكل إنسان يبحث بعين قلبه، وأنت في قلبك تشوش كبير جدًّا.
خيرا فعلت -يا بني- بتركك للعلاقات المحرمة فهي من أكبر الكبائر وتورث مرتكبها حياة نكدة في الدنيا وعذابًا أليمًا في الآخرة ما لم يتب عنها، ولا يكفي تركك لهذه العلاقات فلا بد من الشعور بالندم والاعتراف بالخطأ والعزم على عدم تكرار هذه التجارب الخاسرة التي لا تثبت شيئًا أكثر من أن بعض النساء خبيثات، وهذا أمر طبيعي لم يكن بحاجة لإثباته بهذه الطريقة الملتوية المؤذية.
وأريد أن أنبهك أن هناك تيارات ذكورية (الريد بيل وأمثاله) تسعى لترويج هذه الصورة الشائنة عن النساء وتزعم أن جميع النساء خبيثات.. عاشقات للمال والسلطة.. خائنات إن أتيحت لهن الفرصة.. تستهدف هذه التيارات الفتاة المتعلمة والمرأة العاملة على وجه الخصوص، وبعض هذه التيارات موجودة في بلادنا وتتستر بستار ديني مشوه، سواء بالاستناد لأحاديث ضعيفة أو موضوعة أو أحاديث صحيحة مقتصة من سياقها ممزوجة بتجارب خاصة وآراء شخصية، وأدعوك ألا تنساق وراء هذه التيارات لأنها ستجهز على ما تبقى من فطرتك النقية وستكمل ما بدأه معك الوالد من بذور الشك والريبة.
أمنيتك للزواج وحبك للحلال أكبر دليل على أن هناك مساحة كبيرة من الفطرة النقية داخلك فتمسك بهذه الفطرة، واستعذ بالله عندما تساورك أفكار الشك {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (الأعراف: 200، 201).
اسع لتلقي العلاج المناسب بالتوازي مع جهدك الشخصي مع نفسك، كما أنصحك أن تقرأ عن الصحابيات وعن التابعيات وعن النساء الفُضليات عمومًا، فأنت بحاجة لتغذية معرفية جديدة؛ فالأفكار الجديدة تزحزح الأفكار القديمة.
وأنصحك أن يكون لك صحبة خيرة، وسترى بنفسك كيف يتعاملون مع نسائهم وكيف يتكلمون عنهن وكيف يثقون بهن، فهذا كله سيقدم لك نموذجًا إنسانيًّا مختلفًا عما اعتدته وألفته.. أسعد الله قلبك وأزال الوسواس عن عقلك، وكتب لك الخير، وتابعنا بأخبارك دائمًا.