الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
95 - رقم الاستشارة : 1644
15/04/2025
أنا عايزة أعرف ليه الظالم عايش حياته ومرتاح سواء في شغل أو مع أهله مع أنهم سبب الطلاق وخراب البيت، أنا لما بشوفه قلبي بيوجعني أوي وبيجيلي زي رعشة في جسمي كأني وقع عليا مياه ثلج، وأنا شايفاه متهني وبيضحك وبيخرج ورميني أنا وبنتي حتى هدومي سرقها عشت سنة ونص عذاب منه ومن أهله واطلقت وتبهدلت في المحاكم عشان مش عايز بديني حاجتي ولا يصرف على بنته.
أنا اللي ضايعة من كل حاجه سواء دنيتي اللي وقفت وبنتي اللي هتتربى من غير أب وهو بالعكس فرحان ومبسوط واشتغل في مكان أحلى ودنيته ماشية.
ساعات بحس إني أنا اللي ظلمته مش هو، بس اقسم بالله أنا خارجة بعاهة مستديمة من كتر ضربه، حتى هدومي وهدوم بنتي سرقها، مش بيدفع للبنت جنيه ومش راضي يديني حاجتي، ليه هو الدنيا ماشية معاه حلو جدا، وأنا متبهدلة.
أنا من كتر عياطي وقهرتي على نفسي وعلى بنتي جالي السكر وأنا لسه عندي ٢٥ سنة واللي يشوفني يقولي أنت بقيتي شبه ميتة، أنا آسفة أني طولت بس مليش حد أتكلم معاه.
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع، ونحن سعداء بحكيك معنا والتواصل معك، وإن شاء الله تعالى يبدل الله همك وحزنك فرحًا وسعادة وراحة بال.
ابنتي الغالية، قرأت رسالتك الحزينة أكثر من مرة وأوجعني قلبي على ما آل إليه حالك وأنت في هذه السن الصغيرة.. أعلم أنك مررت بتجربة بالغة القسوة لا تزال آثارها واضحة على جسدك وروحك، فلقد قضيت عامًا ونصف العام في ظلال تلك التجربة القاسية ثم أعقبتها تجربة المحكمة مما أنهكك تمامًا.
لكني شعرت أن ما ضاعف هذا الإنهاك الجسدي والنفسي هو رؤيتك لطليقك سعيدًا في حياته ماضيًا قُدمًا في حياته، وكأن لسان حالك يقول لماذا لم ينتقم الله منه بعد كل هذا الظلم الذي تعرضت له؟ لماذا تبدو حياته هانئة مستقرة وهو الظالم الذي أهدر حقوقي كلها بينما أنا بائسة مطحونة في دوامة الحياة؟
دار ابتلاء
ابنتي الغالية، هذه الحياة الدنيا التي نعيشها هي دار ابتلاء واختبار في الأساس وليست دار جزاء، فما تعرضت له -يا ابنتي- هو ابتلاء {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.. تتنوع صور الابتلاء ويبقى في جوهره واحدًا، ولقد عشت أنت مشاعر الخوف والقلق والاحتياج والمرض، وأنت بحاجة –حبيبتي- فقط أن تكوني من الصابرين حتى تنالي الأجر العظيم ويبدل الله أحوالك {وَلَنُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.
فمشاعر الخوف تشتمل كل المشاعر النفسية المرهقة للإنسان والتي تعانين منها، والأمن النفسي هو أعلى حالة من الطمأنينة والاستقرار، فقط بشرط التقوى والصبر {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، ووقتها ابنتي الغالية تزول تلك الأيام العسيرة القاسية وتعيشين حياتك اليسيرة الآمنة المطمئنة {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا}.
قواعد الصبر
ابنتي الكريمة، أعلم أن الصبر ليس سهلاً وإلا ماكان له هذا الجزاء العظيم {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}؛ فالصبر هو مقام من أعلى مقامات العبودية حتى أن بعض المفسرين يرى أن أجره لا يوزن كباقي الأعمال.. تخيلي حتى ألم الشوكة تؤجرين عليه عندما تحتسبينه، فما بالك بما مررت به؛ لذلك أريد أن تتغير رؤيتك للابتلاء الذي عشته -يا ابنتي- وتنظري له كمنحة من الله فقط إذا صبرت واحتسبت هذا الصبر.. وهذا الصبر -يا ابنتي- له قواعد تجعل النفس الإنسانية قادرة على تحمله، ومن هذه القواعد:
* إن الله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين ولا يكلف نفسًا إلا وسعها، ومن ثم فإن الابتلاء الذي يعيشه الإنسان مهما كان قاسيًا مما يدخل في حدود الطاقة {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}.
* لا بد من الاحتساب ووجود نية من وراء هذا الصبر، فكانك تُشهدين الله أنك تصبرين لأجله وطمعًا في رحمته وفي الحديث: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".
* الاستعانة بالله تعالي على الصبر {قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا}، ومن أكثر ما يمكن الاستعانة به الصلاة، ففيها الدعاء والصلة والاستعانة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ابنتي الحبيبة، إذا تفهمت هذه القواعد الثلاثة فستستطيعين الصبر وسيتحول الابتلاء لبرد وسلام على قلبك.
هل يعني هذا أن الحزن سيختفي مباشرة من حياتك، كلا بالتأكيد، لكن سيصبح أكثر احتمالاً ولن تحتاجي أن تنقلي شكواك لبشر؛ لأن لديك أنس بالله {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، سيتماسك ظاهرك أمام الناس وستهدأ دواخلك رويدًا رويدا، فمع كل مناجاة بينك وبين الله ستتلمسين كيف ينسحب الحزن وينكمش حتى يتحول لمجرد ندبة لا تؤلم لكن تذكرك فقط بتجربة قاسية مررت بها ونجاك الله منها.. ووقتها تبدئين تلتفتين لحياتك ولصحتك وتتناولين علاجك وتهتمين بغذائك وبأناقتك وتخططين لمستقبلك وتفكرين في استكمال دراستك أو البحث عن فرصة عمل مناسبة وتبحثين عن حقوقك وحقوق ابنتك القانونية من منطلق القوة لا الضعف.
جزاء الظالمين
ابنتي الكريمة، ثقي تمامًا أن الله سبحانه وتعالى شاهد على كل تفاصيل ما حدث معك عالم بكل نية وكل شعور ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
أنا لا أريد أن أحكم على زوجك السابق فلكل قصة روايات مختلفة، لكن ما أنا واثقة منه تمام الثقة أن الله سبحانه يعلم السر وأخفى وأنه لا يرضى بالظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وأن الله قد يملي للظالمين ويفتح عليهم من أبواب النعم استدراجًا لهم، وفي الحديث "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ شَرًّا أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ، حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
مرة أخرى أنا لا أحكم على زوجك أو أجزم أن ينطبق عليه هذا الحكم، لكن لو كان الأمر كما تقولين فإن ما يعيشه من نعم هو ابتلاء شديد لا يفهمه لأنه يمنعه من التوبة.
وإن كان قد ضربك حتى أحدث لك عاهة دائمة فهذا ذنب كبير لا يسقط إلا بعفوك عنه (أيضا يحق لك مقاضاته على ذلك)؛ فالضرب المذكور في القرآن ضرب على سبيل الرمز بسواك وما يشبهه كلون من ألوان التنبيه ولفت الإنتباه، أما الضرب الذي يحدث عاهة فينطبق عليه قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ}.
وأنا لا أدعوك للعفو عنه في هذه المرحلة من حياتك فلست بقادرة عليه، وإنما أدعوك أن تفوضي أمرك لله وتغلقي هذا الملف، ولا تتابعي أخباره بأي طريقة واستثمري كل ما لديك من طاقة في إعادة بناء حياتك.. أسعد الله قلبك ويسر أمرك، وتابعيني بأخبارك.