Consultation Image

الإستشارة 14/04/2025

هل أظل معلقة ومكسورة؟ أم أطلب الطلاق وأحسم أمري؟ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أتمنى منكم الرد على رسالتي وأناشدكم بالله أن تقرأوها بقلب المستشار لا بعين القارئ، لأني بكتب وأنا موجوعة من سنين عمر ضاعت، وكلّي رجاء أن أجد عندكم توجيه يروّح عن قلبي.

أنا سيدة في عمر الـ52، متزوجة منذ 17 عامًا، زواجي هذا كان عن حب، أو على الأقل أنا كنت فاهمة كده. دخلت حياتي وأنا أرملة عندي 4 أبناء، وهو كان متزوج وعنده أولاد. خدت أولاده بحضني، وخدمت زوجته المريضة لسنين حتى توفت، وعمري ما حسستها إننا ضرائر، بالعكس، كنت أتعامل معاها كأنها أمي.

طول عمري بعتبر أولاده أولادي، رغم قسوتهم عليّ، وكنت دايمًا أسكت علشان ابني اللي أنجبته منه. كنت أتحمل كل حاجة، وهو دايمًا سلبي، ولا عمره أنصفني، ولا وقف في صفي. هو ساكت للكل، إلا عليّ!

من حوالي 40 يوم، بنته كانت جاية تزوره في العيد، وأنا طلبت منه يقوم يقابلها، قال لي: "اطفي النور واقفلي الباب واطلعي". اتكررت الكلمة مرتين قدامها! فافتكرت بنتُه إني أنا اللي منعتها تشوفه، وشتمتني، وجوزها كمان شتمني بألفاظ جارحة. وهو؟ بدل ما يدافع عني، ضربني، شتمني، ورمى عليّ يمين الطلاق!

دلوقتي هو عايش في مكان، وأنا في مكان تاني. بيقول للناس إني متحرّمة عليه، وبيتصرف معايا كإني مش مراته، لكنه بيبعتلي مصاريف للولد. شرعًا: مطلقة. قانونيًا: لسه زوجته. وهو بيرفض يثبت الطلاق في المحكمة، بحجّة "مصلحة الأولاد". يعني لا أنا زوجة، ولا أنا مطلقة، ومتعلقة كده بين الأرض والسماء، ومكسورة الكرامة. أنا شايفة نفسي دلوقتي خدامة بفلوسه عشان ابني، لا في ستر، ولا عشرة، ولا احترام.

سؤالي لحضرتكم: هل أطالب بالطلاق رسميًا وأسترد كرامتي؟ ولا أعيش على الهامش عشان مصاريف ابني؟ هل اللي أنا فيه ده له وجه شرعي أو أخلاقي؟ هل في أمل؟ ولا أعتبر نفسي فعليًا مطلقة وأكمل حياتي على هذا الأساس؟

والله العظيم تعبت، وقلبي مكسور، وأشعر إني بعد العمر ده كله اترميت زي "الكلبة" – آسفة على التعبير، بس هو اللي بيوصف وجعي. أرجو منكم الرد والمشورة، وربي يجزيكم عني خير الجزاء.

الإجابة 14/04/2025

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع.. أختي أنت إنسانة غالية كرمها رب العالمين {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (الإسراء: 70)؛ فكرامتك الإنسانية –عزيزتي- ليست محل تشكيك أبدًا، فإياك أن تستهيني بنفسك أو بكرامتك الإنسانية أو تقولي لنفسك هذا الكلام المهين.. فكرامتك هذه ليست منحة من أي إنسان ولا يستطيع أي إنسان سلبها منك هذه الكرامة لأن فيك نفخة من روح الله {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (الحجر: ٢٩).

 

لا يستطيع أي إنسان مهما كان أن ينال منك إلا إذا نلت من نفسك.. لو شعرت بالنقص من داخلك أو إذا شعرت أن حياتك بلا قيمة أو جدوى.

 

كل هذه المشاعر السلبية يحاول الشيطان أن يبثها في نفسك كي تشعري باليأس والإحباط {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} (البقرة: ٢٦٨)، الفقر في كل شيء.. الفقر المالي.. الفقر الصحي.. الفقر النفسي.. الفقر العاطفي فلا تستسلمي لوساوس الشيطان.

 

سنين العمر

 

أختي الكريمة، ذكرت في رسالتك أنك موجوعة على سنين العمر التي ضاعت.. ولكني أريد سؤالك لماذا تجزمين أنها ضاعت؟ أظنك ستجيبينني لأنني في هذه اللحظة مطلقة مطرودة.. لكنني أتحدث عن الماضي.. أما اللحظة الراهنة فلها حديث آخر.

 

أنت في الماضي قمت بأعمال صالحة كثيرة (أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبلها ويبارك فيها) لقد خدمت سيدة مريضة واحتضنت أطفالاً صغارًا وعاملتهم بالحسنى.. هذه الأعمال الصالحة احتسبيها عند الله والله يجازي بالإحسان إحسانًا.. أما البشر فقد يجحدون النعم التي قدمت إليهم؛ لذلك فأنا أدعوك لاحتساب عملك عند الله حتى أنه يمكنك أن تدعي الله سبحانه وتعالى وتطلبي منه أن يفرج كربك بسبب ما قمت به من عمل صالح ويمكنك الرجوع للحديث الطويل الذي يروي قصة الثلاثة الذين أُغلق عليهم الكهف فدعا كل منهم بعمل صالح قام به.

 

إذن، يمكننا القول إن ما قمت به من عمل صالح مع هذه المرأة ومع هؤلاء الأولاد ليس عملاً ضائعًا حتى لو كانت نيتك أن تتقربي لزوجك وتحسني إلى أولاده حتى ترضيه وتسعدي قلبه فهذه نية صالحة تشتمل المعنى الواسع لحسن التبعل.

 

ومن الأمور المهمة التي حدثت في الماضي أنك تزوجت رجلاً تحبينه (حتى لو أنت غاضبة منه في هذه اللحظة) وقضيت سنوات طويلة طيبة معه بعد أن كنت تعيشين حياتك كأرملة.. لم تذكري شيئًا عن أولادك الأربعة لكن يبدو لي أن أمورهم مستقرة ولم يحدث ما يسيء إليهم.

 

ومن الأمور المهمة التي حدثت لك في الماضي أيضًا إنجاب ابنك الصغير الذي هو قرة عين لك الآن والذي يلون حياتك ويجعل لك أهدافًا مهمة تعيشين لأجلها.. إذن أختي الكريمة لم تكن سنين ضائعة فقيرة المعنى كما يحاول الشيطان أن يقنعك ويوحي إليك.. وعلى عاتقك يقع النظر للماضي نظرة مختلفة.. نظرة يملؤها الفخر ويظللها الرضا ستفضي لنظرة للوقت الحاضر يملؤها الصبر والعزم معا.

 

بين الصبر والعزم

 

كيف تتعاملين إذن مع مأزق اللحظة الراهنة وأنت عالقة في هذا الوضع الذي حكيته؟ أنا أدعوك للتعامل معه وفق مبدأي الصبر والعزم.. أنت في مأزق لا شك في ذلك وهذا المأزق لا يصلح معه إلا سلاح الصبر الجميل، قولي لنفسك بصوت واضح تسمعينه، إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، قوليها بيقين وأنت على ثقة أن الله سيفرج كربك وسيبدل حزنك وضيقك راحة وسعادة.

 

الصبر الجميل الذي أقصده هو الصبر على وضعك في اللحظة الراهنة، ولا أقصد الصبر على الإهانة أو السباب أو الضرب أو شيئًا من صور الظلم الذي تعرضت له في الموقف الأخير قبل أن يلقي يمين الطلاق.

 

أنا لم أفهم تفاصيل ما حدث تمامًا، ولست أدري كيف أن ابنته سمعته وعلى الرغم من ذلك اتهمتك أنت برفض المقابلة.. ولم أفهم أصلا لماذا رفض مقابلتها.. لكن الشيء المؤكد أنني أرفض أن تشتمك هي وزوجها، ولم أفهم كيف تحول الأمر فقام زوجك هو الآخر بشتمك وضربك ثم إلقاء يمين الطلاق.. هناك جزء مفقود في هذا الجزء.. ماذا قلت أنت كي تحدث كل هذه العواقب؟ أتفهم أنه لا يوجد إنسان يحب أن يدين نفسه، وكثيرًا عندما نحكي المشكلة من وجهة نظرنا نغفل بعض التفاصيل التي آذينا بها الطرف الأخر وفي الوقت نفسه نبالغ عندما نحكي عن التفاصيل التي أوذينا فيها.. لذلك أرجو أن تراجعي ما حدث بموضوعية وصبر حتى يمكن وضع الأمور في نصابها الصحيح عندما نسعى نحو الإصلاح.

 

أختي الفاضلة، أنت بحاجة أيضًا لتفعيل سلاح العزم حتى تستطيعي الخروج من هذا المأزق.. فكوني عازمة ألا تحبطي وألا تيأسي وألا تنظري للماضي بحزن وأسى.. كوني قوية فالمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

 

أختي الغالية، إذا كنت قوية صاحبة عزيمة فسوف تخرجين من هذا المأزق ولو بعد حين، أما إذا استسلمت للحزن والإحباط فسوف تظلين تندبين حظك طويلا وأنت مدفونة داخل هذا المأزق، فإذا تحركت فستكون حركات عشوائية تضر أكثر مما تفيد.. لذلك فأنا أدعوك لعدم ارتداء ثوب الضحية وأدعوك لارتداء ثوب امرأة قوية بإيمانها.. قوية بحسن تخطيطها وإدارتها للأمور تمتلك من العزيمة ما يجعلها تدير دفة الأمور لصالحها.. وإليك مجموعة من الأفكار تساعدك في رحلتك للبحث عن حل ومطلوب منك أن تضيفي إليها بإبداع:

 

* حاولي التواصل الذكي مع زوجك.. تحدثي إليه بهدوء وأنصتي لما يقوله لك، فما قام به من سلوك عنيف لا يمكن أن يكون رد فعل لكلام ابنته فقط.. هناك أشياء أخرى حاولي أن تجديها فأنصتي إليه.. وحاولي قبل هذا اللقاء أن تراجعي نفسك فإن اكتشفت أخطاء قمت بها فاعترفي بها بشجاعة واعتذري عنها.

 

* في حالة رفض أن يقابلك فلا بد إذن أن توسطي شخصًا قريبًا منه كي ينقل وجهة نظرك ويستمع لوجهة نظره، وكما قلت لك لو أن هناك خطأ قمت به اعترفي به واطلبي الاعتذار.

 

* إن لم يستطع الوسيط إيجاد حل فليس أمامك إلا الحكمان، حكم من أهلك، وحكم من أهله.

 

* في حال فشل كل الحلول الودية فلك الخيار أن ترفعي قضية طلاق ولديك كثير من الشهود وأيضا ترفعي قضية نفقة لابنك.. أو تقبلي بالأمر الواقع وتهتمي بابنك وتسعي لبناء اهتمامات جديدة وحياة جديدة بعيدة عن هذا الرجل.. أنت وحدك من يستطيع الاختيار.. ما يهمني أن يكون هناك حالة من الرضا والسكينة تحيطك وأنت تأخذين قرارك وأن تكوني عازمة أن تعيشي حياتك متمتعة بكرامتك الإنسانية، ولا تنسي أنك في ذروة سنوات العطاء لنفسك ولمن حولك فلا تهدريها في الحزن والأسى.

 

وأخيرًا، استعيني بالله واعزمي أن تتذوقي حياتك كما لم تفعلي من قبل، وأن تستثمري كل لحظة فيها.. أسعد الله قلبك ورزقك السعادة، واكتبي لنا مرة أخرى سواء المزيد من التفاصيل أو تابعينا بالمستجدات.

الرابط المختصر :