Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. يحيى عثمان
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 109
  • رقم الاستشارة : 1533
06/04/2025

أستاذي الفاضل د، يحيى، السلام عليكم، أكتب إليكم وأنا طريحة الفراش بالمستشفى ليس بسبب أي مرض عضوي، ولكن بسبب من أحببت الذي من هول صدمتي به انهارت نفسيتي، بل دمرت؛ ما أدى إلى ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم وفقدت الوعي ونقلتني سيار الإسعاف إلى حجرة العناية المركزة، كما أدى ارتفاع السكر إلى فشل في أداء الكلى، ناهيك عن اضطراب وظائف الكبد، وأحببت قبل مغادرتي للحياة أن أسجل من خلال الممرضة المقيمة بحجرتي مأساتي.

لله الحمد، نشأت في أسرة بسيطة، يكافح والدي لتغطية الاحتياجات الأساسية، وأُم تجتهد لتصنع من القليل الكثير، وكنا قد ارتوينا من الحب والحنان الكثير، هذا فضلاً عن القيم والمثل التي لم يصموا آذاننا بها، بل عشناها سلوكاً.

كان أبي يغدق الحب والتقدير على أمي وكأنها ملكة، وتبادله أمي فيوضات من الحاب والتقدير والاحترام، ولك أن تتخيل كم كانت لهفتنا للعودة لبيتنا بعد اليوم المدرسي.

حلمت في فترة البلوغ بزواجي لأستكمل المشاعر الفطرية، وليستمر معين الحب ولكن بطعم أخر، لم أمكث كثيراً، فقد تقدم لي شاب به كل ما حلمت به، وأثنى عليه صديق أبي، وحيث إنني كنت بنتاً متربية، ولله الحمد، يغدق عليَّ أهلي من الحب والتقدير الكثير؛ لذا فلم ألوث عيني أو بصري بأي من التصرفات المشينة؛ لذا فقد عشت حلمي حقيقة، وملأ زوجي كل حياتي.

عشنا -أو بمعنى أدق توهمت- أجمل قصة حب، كان زوجي ممثلاً بارعاً، حيث يبالغ من وده وكرمه في كل علاقاته بي، ورزقنا الله بثلاثة أولاد وبنتين بالجامعة، حياتنا كانت طيبة، إلا أن وصل الأولاد للالتحاق بالجامعة أصبحنا نحتاج إلى شقة أكبر، بدأنا نعاني من تكاليف المعيشة رغم اجتهاد زوجي بالعمل الإضافي،

رغم أن تخصص زوجي صناعة الكمبيوتر، فإنه كان يعمل في مجال الصيانة؛ لعدم وجود مصانع للكمبيوتر في بلدنا، ومنذ حوالي 6 أشهر حضر زوجي من عمله مبتهجاً، وأخبرني بمفاجأة، فقد تم افتتاح مصنع كمبيوتر ومطلوب تخصصات وخبرات تتوافق معه، وقد تواصل معهم وتم فعلاً تعيينه.

ابتهجنا كلنا فرحاً، ولكنه صدمنا بأن المكان في محافظة أخرى تبعد بالطائرة أكثر من ساعة، وإننا سننتقل جميعاً هناك! نعم صدمت لأن أهلنا وصديقاتي هنا والمحافظة التي سننتقل إليها نائية ولا تتوافر فيها مظاهر الحياة التي نحياها بالعاصمة، كما أنني أمارس العديد من الأنشطة الاجتماعية مع صديقاتي، ناهيك عن ارتباط الأولاد بالمدارس والنادي والأصدقاء، وقد ولدوا ونشؤوا هنا، وألفوا نمط الحياة ويسرها.

حاولت منع زوجي، ولكنه آثر عدم الرد، وقال: سأسافر للالتحاق بالعمل، فرصة لنا جميعاً، فكما تعلمين كم تغطية الحد الأدنى من تكاليف المعيشة والتعليم، والأولاد يكبرون وتزداد التكاليف، وأنا الآخر أضحي بالبعد عن أهلي وأصدقائي وعملي الذي لم يعد يمثل لي أي عبء لأبدأ قصة كفاح جديدة.

سافر زوجي وطار قلبي معه، وكان يومياً يتواصل معنا، وكان يحضر لزيارتنا كل شهر تقريباً، وتحت إلحاحه سافرت له مرتين في عطلة الأسبوع، رغم تكاليف السفر العالية، لكن الحمد لله فرق الراتب كان ضخماً، وقد أصبحنا نعيش في رغد من العيش.

مع نهاية العام الدراسي؛ أي من حوالي شهر، طلب منا أن نعد أنفسنا للالتحاق به واستغلال الإجازة الصيفية للتعرف على مدينتنا الجديدة، لأول مرة نختلف، فقد واجهته بالرفض وشجع ذلك الأولاد على الإصرار على عدم الانتقال.

سافر زوجي وظننت أن الموضوع قد حسم، وأنه اقتنع بوجهة نظرنا بأن نستمر كما نحن وهو يأتي لزيارتنا وأنا أزوره كلما تمكنت من ذلك ويمكنني قضاء معظم الإجازة الصيفية معه.

فوجئت في إحدى مكالماته أنه قد حجز لي للسفر إليه بمفردي، فسافرت، وقد أعرب لي أنه يعاني من الوحدة (وهذا تعليل كاذب وحجة واهية لأنه يكلمنا يومياً أكثر من ساعة)، وأن الحياة مليئة بالفتن، وأنه يخشى على نفسه (وكأنه يراهق مرة أخرى وقد تعدى الخمسين!).

قلت له: لو أنك تحفظ بصرك ولسانك وتضع حدوداً للتعامل مع النساء ما ألحّت عليك شهوتك، استعن بالله وصم فإنه وجاء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، أنا زوجتك ألا أتألم لحرماني منك؟! ولكنني أحفظ نفسي وتشغلني مسؤولياتي، لماذا تريد أن تبعثر استقراري والأولاد؟! سأبقى مع أولادي في بيتي وأنت كلما احتجت لي أهلاً بك، لم ولن آتي لأتعرف على بلد جديد وأبحث عن صديقات جدد.

سافرت، وداوم هو على اتصاله كعادته، وكنت في معظم الأحيان أتجاهله، وفي كل مرة لا يمل من تكرار طلبه بسفرنا إليه!

وبعد حوالي شهرين، فوجئت به يتصل ويخبرني بزواجه، طبعاً كل ما سبق مجرد أعذار لنية مبيتة لديه بالزواج بأخرى، لم أدر بشيء إلا وأنا بالمستشفى، وعلمت أنه حضر بعد أن أخبره الأولاد بحالتي، ولكن عندما أدركت وجوده صرخت وطلبت منه الطلاق، فقرر الطبيب منعه من زيارتي، طلبت من أخي أن يتصل بزوجي لطلاقي ولكن أخي رفض!

أكاد أجن! كيف يمكن له أن يكون له زوجة أخرى؟ كيف وقد أحببته كل هذا الحب؟ وكيف لم أكتشف خداعه بحبه لي طوال هذه السنوات؟ كيف يعقل هذيانه بأن زواجه بأخرى لم يؤثر على حبه لي؟ أي حب هذا الذي يدعيه؟ لقد تحول حبي له إلى كره وبغض على ما فعله بي من مرض، لقد دمرني؟ يدعي هذا المخادع أني آثمة طلبي الطلاق للضرر الذي لحق بي؟

أستاذي، هو من قراء مجلتكم الغراء، أنا مستعدة أن أصفح وأعتبره كابوساً إن طلقها وعاد معتذراً!

الإجابة 06/04/2025

إن الله الحكيم العليم بخلقه هو الذي شرع أحكام الزواج، ولست بصدد بيان رأي بعض الفقهاء أن الأصل هو التعدد، والرأي الآخر أن التعدد هو الاستثناء، ولكن من المعلوم أن الزواج بصفة عامة من المباحات، ويخضع إلى درجات الحكم الفقهي بناء على ما يترتب عليه، فقد يكون حرامًا، ومكروهًا، ومباحًا، ومستحبًا، وفرضًا.

 

طاعة الزوجة فرض بالمعروف؛ لذا فانتقال الزوج للعمل من أجل تغطية نفقات الأسرة في مكان آمن متوفر به أسباب الحياة الطيبة فرض على الزوجة أن تلبي، وأن تكون نموذجًا للأولاد الذين عادة ما يرفضون لإلفهم الحياة في البيئة التي نشؤوا فيها، وما قد يفقدونه من أصدقاء وأهل، وكذلك سهولة الحياة وتمتعهم بخدمات قد لا تتوفر في بيئتهم الجديدة.

 

إن المقاصد الشرعية للزواج لا تستكمل إلا بالتفاف الأسرة جول بعضها؛ زوج يقوم بمتطلبات القوامة من تربية وتوفير متطلبات الحياة وإعطاء نموذج عملي حي للقيم الإسلامية، وأُم تقوم بمسؤولياتها ليتكامل دورها مع زوجها، وأولاد يرتوون حبًّا وخلقًا فتتفتح قنوات التلقي شوقًا للمعرفة فتنمو شخصيات سوية قوية تكون قيمة مضافة للأمة.

 

إن من المهم أن ندرك أنه لن يستطيع الزوجان القيام بهذه الأمانات الجسام إلا إذا ارتويا وجدانيًّا وعاطفيًّا وجنسيًّا، كما يجب التأكيد على أنه إذا كان الزوجان يلتقيان جنسيًّا مرة كل أسبوع، فهل يتحقق الارتواء إذا ظل بعيدًا عن زوجته طوال الأسبوع ويأتي في العطلة؟ أؤكد لا، لأن هناك فرقًا بين الجماع الذي قد يحدث مرة كل أسبوع، والعلاقة الجنسية التي هي في تواصل خلال الأسبوع من خلال نظرة أو كلمة أو لمسة أو نكته زوجية أو حضن، كما أن التواد العاطفي لا يمكن أن يتحقق من خلال التواصل عبر «الميديا»، بل هو إحساس بالرعاية والألفة لا يتحقق إلا بالمعايشة.

 

إن من الأخطاء التي قد تؤدي إلى تدمير الأسرة، وهذا إثم؛ هو حكم الزوج على زوجه من خلال التطرق لنيته والظن السوء -نعوذ بالله- وهذا ذنب عظيم حذرنا الله منه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات: 12)، والآخر أننا ننسب لأنفسنا عملاً قد اختص الله ذاته جل وعلا به، حيث إن اقتراف هذا الذنب يجعلنا نرى تصرفات الزوج سلبية؛ فنتعس بعد أن كنا سعداء بها.

 

لقد اتهمتِ زوجك بنيته للزواج، وأنه لم يكن يحبك، وكل ما فعله من خير معك كان تمثيلاً! فتعست نفسك أولاً، ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على زوجك والأولاد، لقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم النساء من نكران العشير؛ لأنه عدم شكر لله وهو كفر بأنعم الله وهو كذب، ناهيك أنه يصيب الزوج بالإحباط، وقد يوسوس له شيطانه فيندم على ما فعل معك من الخير، كما يمتنع عنه.

 

إن زوجك كان ينعم مثلك بإلف الحياة ويسرها في المدينة التي نشأ بها، وكذلك العمل الذي كبر فيه وسهل عليه تفوقه به، ولكنه من منطلق مسؤوليته عن القوامة وتوفير متطلبات الحياة مع كبر الأولاد قبل التحدي ليبدأ عملاً جديدًا في بيئة لا تتوافر فيها يسر الحياة كما أَلِف، طلب منك الاستعداد حتى نهاية العام الدراسي للحاق به، وحتى يخفف عنك وعنه مشقة الفراق كان يزورك ويطلبك لزيارته، كان فرضًا عليك أن تهيئي الأولاد لحب الانتقال ليكتمل شمل الأسرة، لقد وقعت في إثم عدم طاعة زوجك وما يترتب على ذلك من مشقة الحياة والعيش بمفرده(1)، وليست المشقة فقط في تلبية احتياجاته من مأكل ومشرب ونظافة مكان رغم انشغاله بعمله، بل أيضًا وهو الأهم ارتواؤه وتلبية احتياجاته الوجدانية والعاطفية والجنسية مما قد يعرضه للفتن.

 

نتيجة إعراضك تزوج زوجك وأنت التي دفعته لذلك بإصرارك، بتفضيل إلف العيش في بيئتك على الحياة معه، رغم ما قد تعانين من فقدان ما ألفت عليه.

 

إن طاقة الرجال (وكذلك النساء) على الحرمان الجنسي تختلف من رجل لآخر؛ مما قد يدفع البعض -نعوذ بالله- إلى الوقوع في الفاحشة، خاصة مع موجة التحلل الغربي الذي غزا بيوتنا عبر الإنترنت؛ لذا ففرض على زوجك الزواج لرفضك اللحاق به حتى لا يقع في الحرام.

 

من المؤكد أن كل زوجة من منطلق حبها لزوجها وغيرتها عليه تحزن -إلا من رحم ربي- لزواج زوجها، ولكنَّ هناك فرقًا بين الغيرة التي تقف عند حدود شرع الله، وغريزة التملك وأثرة النفس، إن بعض الزوجات وقليل من الأزواج يحب حبًّا مرضيًّا وكأن من يحب ليس بشرًا ويكون متيمًا بمن أحب وكأنه الهواء الذي يستنشقه، ونتيجة طبيعية لهذا الحب الجارف يرى أن من حقه تملك من أحب، ولا يمكن أن يرى منه قصورًا فتكون الصدمة مدمرة له إذا ما اكتشف أن حبيبه بشر، لقد أثرت تربيتك ورعاية والديك عليك سلبًا، فلم تستطيعي أن تفرقي بين حب والديك وحب زوجك، وكنت معتقدة أن الحب بينك وبين زوجك سيجعله يصبر على الحياة وحيدًا، وكانت الصدمة التي تعانين من آثارها الآن.

 

أنت وأنت فقط المسؤولة عما تعانين، وزوجك بريء كلية من اتهاماتك؛ للأسباب التالية:

 

- المبالغة في الحب؛ حيث إن طاقة الحب اللانهائية يجب أن توجه لله الخالق العظيم ورسوله الأمين صلى الله عليه وسلم والشرع الحكيم المحكم الذي يجب أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وهوانا.

 

- الاستغفار وطلب السماح من زوجك لعدم طاعتك باللحاق به، أما زواجه فهو لإعفاف نفسه بعد إعراضك عنه.

 

- الاستغفار عن طلبك من زوجك أن يطلق زوجته(2)، إنها أختك في الله، وعليك أن تحبي لها ما تحبينه لنفسك.

 

- إن سمح زوجك بعد زواجه بأخرى أن تظلي فيما فضلت بمدينتك فهذا فضل منه، أما إذا طلب منك اللحاق به فعليك سرعة التلبية، وإن خيّرك فنصيحتي اللحاق بزوجك.

 

كما أذكّر الزوج بقيمة العدل، وإثم الميل لإحدى الزوجتين(3)؛ لأن المطلوب منه بين الزوجات العدل وليست المساواة.

 

_______________________

(1) فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن مبيت الرجل وحده في بيته؛ ففي مسند أحمد من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة، أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده، قال المناوي في «فيض القدير»: «أن يبيت الرجل -ومثله المرأة- وحده»؛ أي في دار ليس فيها أحد، انتهى.

 

(2) لا يجوز للمرأة أن تطلب من زوجها طلاق ضرتها، لتنفرد هي بالزوج؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» (رواه البخاري (4857) واللفظ له، ومسلم (1413)).

 

(3) أخرج أبو داود وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل».

الرابط المختصر :