الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
324 - رقم الاستشارة : 769
22/01/2025
أنا يا سيدتي زوجة في الثانية والأربعين من عمري على قدر لا بأس به من الجمال والجاذبية من يراني يظن أني لم أتجاوز الخامسة والثلاثين.. أنا متزوجة منذ أكثر من عشر سنوات ولدي ثلاثة أطفال.. بدأت مشكلتي مع زوجي منذ العام الأول للزواج . زوجي رجل مهذب وخلوق يعمل في وظيفة مرموقة في أحد الدول الخليجية الثرية ونحن جميعا نعيش معه هناك.. نحن نعيش في رغد من العيش قريبا من معيشة المواطنين من أهل هذه البلاد لا كالمصريين المغتربين الذي يقطنون المساكن الصغيرة الضيقة وزوجي لا يبخل علي وعلى الأولاد بأي شيء وعلى الرغم من أنني امرأة عاملة إلا أنني لا أضع دولارا واحدا في البيت فهو يتكفل بكل المصاريف. لكن في المقابل يا سيدتي أنا محرومة من حقوقي الطبيعية كزوجة حتى إنني لا أبالغ لو قلت لك أن أولادي الثلاثة ربما جاءوا بمحض الصدفة فهو مستغرق في عمله بطريقة من الصعب تصديقها فهو يعود ليتناول طعامه ثم يخلد للنوم أما يوم العطلة فهو يقضيه نائما أو مسترخيا أمام التلفاز.. تخيلي أن يمضي ثلاثة شهور أو ربما أربعة دون أن يقربني.. على الرغم من إنني أهتم جدا جدا بمظهري وأناقتي ورشاقتي. في السنوات الماضية استغرقتني أمور الحمل والرضاعة والاهتمام بالأطفال الصغار فلم أتنبه لمرور السنوات حتى كبر الأولاد وواجهتني الحقيقة المؤلمة إنني لا أشعر بأنوثتي مع هذا الرجل الكريم المهذب حتى إنني أخاف حقا أن أقع فيما يغضب الله عز وجل.. تحدثت معه بصراحة فاستنكر كوني أشعر بالمعاناة وهو الذي لم يقصر معي في أي شيء ويعاملني معاملة راقية ووعدني أن يهتم بي في يوم العطلة لكنه لا يفعل إلا نادرا فهو يتحجج بحاجته للنوم ويقول لي: سأنام ساعتين لأني أشعر بالإرهاق من العمل طيلة الأسبوع "ابقي صحيني" وما بين الإحراج الذي أعانيه ومابين تململه في الاستيقاظ يبقى الحال على ما هو عليه. يا سيدتي زوجي لا يخونني أنا على يقين من هذا وليس له أي علاقات أخرى وهو يكبرني بثلاث سنوات فقط ولا يعاني من أي أمراض مزمنة وغير مصاب بضعف جنسي ولا يحتاج لأخذ منشطات ونحو ذلك عندما يقرر في تلك المرات النادرة أن يقترب مني يكون طبيعي للغاية فهو فقط لا يرغب ولا يريد وغير مهتم الآن أنا أعاني من العصبية الشديدة واصرخ كثيرا في الأطفال وأفكر معظم الوقت في الطلاق ولكنني خائفة ومترددة فماذا أفعل؟
أختي الغالية، لن أخوض كثيرًا في تفسير حالة زوجك فهي حالة متكررة بأشكال مختلفة يمكن أن يندرج زوجك تحت تصنيف "اللاجنسيين"، وهي فئة لا تهتم كثيرًا بالجنس دون عائق صحي، وهي وإن كانت فئة قليلة حد الندرة إلا أنه لا توجد أرقام دقيقة عنهم خاصة في بلادنا .
"اللاجنسيين" درجات أيضًا، فبعضهم يميل لإرضاء الشريك دون رغبة منه، وبعضهم يميل للجنس ولكن بصورة نادرة، وبعضهم يميل للتقارب الحسي والعاطفي دون الجنسي، وبعضهم يرفض هذا التقارب بأي صورة، وبعضهم لديه أعراض خفيفة، فمثلا يكون زوجًا طبيعيًّا لكن عندما يغضب يستطيع أن يهجر زوجته بالشهور دون معاناة، أو يكون زوجًا طبيعيًّا ولكن عندما يكون مقدمًا على مشروع للعمل يرفض العلاقة حتى ينتهي منه مهما طالت المدة.. بعض السياسيين يمتنعون عن أي علاقة أثناء موسم الانتخابات مثلا رغم أنه في الأحوال العادية شخص طبيعي للغاية .
ببساطة شديدة الرغبة الجنسية تتفاوت بدرجة كبيرة بين شخص وآخر؛ فالبعض لا تؤثر ظروف العمل والحياة فيه، والبعض الآخر يتأثر نسبيًّا، والبعض تكون هذه الرغبة منخفضة بصورة طبيعية دون ضغوط، وأظن زوجك من هذه الفئة لأن هذه عادته منذ زواجكم ولا شك أن طبيعة عمله وعدد الساعات الذي يقضيه فيه عامل آخر يعزز رغبته المنخفضة .
لكن وكما قلت لك منذ البداية بغض النظر عن التفسير فإن النتيجة هي تلك المعاناة التي تعانين منها، ولست وحدك في هذا الأمر، فكثير من النساء يعانين ويخجلن من البوح بمثل هذه الأمور وأخريات يتوافق ذلك مع طبيعتها فلا تشكو.
وكان على زوجك طالما أنه قرر الزواج بإرادته الحرة حتى لو كان الهدف أن يكون له عائلة وأولاد أن يراعي الحد الأدنى من التوازن، وانظري لما زار سلمان أبا الدرداء ورأى عنده شيئًا من التقشف والتعبد وعدم التفاته إلى أهله نصحه، وكانت اشتكت إليه زوجة أبي الدرداء وأنه لا حاجة له في الدنيا، فعرف من كلامها أنه لا يلتفت إليها كما ينبغي، فنصحه سلمان، وأمره أن ينام مع أهله إلى آخر الليل ثم يقوم يصلي، وأمره أن يصوم تارة ويفطر تارة، وقال له سلمان: "إن لنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولضيفك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه"، ثم توجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره سلمان وأبو الدرداء بما جرى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان، صدق سلمان".
مدة الهجر التي ذكرتها كبيرة جدًّا تشبه الحد الأقصى للإيلاء ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فما العمل؟
ـ أنصحك أن تنتظري أربعة أشهر أخرى قبل أن تأخذي قرارًا بالاستمرار أو الطلاق.. في هذه الأشهر الأربعة ستأخذين بكل الأسباب المادية والدينية التي سأذكرها لك في النقاط التالية حتى تصلي لقرار لا تعانين بعده من الندم:
ـ طالما أن فرصتك متمثلة في أربعة أشهر فعليك أن تتعلمي مهارات الاسترخاء والهدوء حتى تكون فرصة التغيير فعالة.. أنصحك بالحفاظ على الصلاة في وقتها وكثرة الذكر والدعاء، فكلها أمور تساعدك على الشعور بالسكينة والسلام الداخلي.. أيضا حاولي أن تمارسي التنفس بعمق في ساعات الصباح الباكرة.. لا تنسي التعرض لأشعة الشمس فهي تساعد في تحسين المزاج.
ـ توقفي عن الحوار معه في هذا الأمر لمدة شهر.. هذا الشهر ستحاولين فيه مد جسور جديدة معه.. في هذا الشهر أنت ستلتزمين بالهدوء معه ومع الأولاد (الذين لا ذنب لهم فيما تعانينه).
في هذا الشهر ستحاولين التقرب الجسدي منه دون ربط ذلك نهائيًّا بالعلاقة الخاصة، فمثلا ستودعينه عند الصباح بحميمية وابتسامة حلوة ودعاء من القلب.. تربتين على رأسه عند العودة من العمل.. تتواصلين بصريًّا معه كلما أمكن.. من التقنيات ذات النتائج المبهرة ممارسة المساج بغرض تخفيف الضغوط واسترخاء العضلات حتى يستسلم للنوم.. الهدف من ذلك الشهر أن تعيدي ربطه بك بعيدًا عن المصروفات والالتزامات المادية وبعيدًا أيضًا عن العلاقة الخاصة التي لا يرغب فيها.
ـ في الشهر الثاني يمكنك أن تشجعيه على التقرب منك وليكن ذلك في يوم العطلة فقط وبعد أن يكون قد حصل على قسط كاف من النوم والراحة.. نوعي في هذا اليوم.. قضاء بعض الوقت مع الأولاد.. مشاهدة التلفاز معًا مع بعض المسليات.. دردشة وحوار حر.. خذي بعد ذلك زمام المبادرة ولا تملي هذا الشهر وفي كل يوم عطلة منه أن تكرري الأمر بأسلوب مميز ومختلف مع متابعة التقارب الآخر الذي قمت به في الشهر الأول حتى يرتبط بك بشدة ويحاول أن يسعدك بالطريقة التي ترغبين.
ـ في الشهر الثالث لو وجدت الأمور كما هي دون أي تحسن رغم كل ما بذلته من جهد ـ احتسبي هذا الجهد جهادًا في سبيل الحفاظ على أسرتك ـ فهنا عليك بالحديث معه بكل وضوح وليكن ذلك أيضًا في يوم العطلة وهو مستيقظ ومنتبه.. لا تبكي.. لا تصرخي.. لا تستدري عطفه.. فقط حديث هادئ معه أن هذا وضع لا يرضي الله عز وجل وأنك تفكرين جديًّا في الطلاق لو استمر هذا الوضع.. تباعدي عنه بعد ذلك كي يدرك الفارق بين وجودك وغيابك.
وفي الوقت نفسه ستقومين أنت أيضًا بعملية مراجعة دقيقة للفوائد والمضار.. يفيدك في ذلك أيضًا أن تفكري في شكل حياتك بعد الطلاق كيف ستكون؟ تعلمين أن هناك حالة من الكساد في عالم الزواج بصورة مريعة فمن الممكن أن يتم الطلاق ولا يتقدم زوج مناسب.. غالبًا سيتقدم الأرمل المسن والرجل المتزوج الذي يبحث عن زوجة ثانية كمغامرة مؤقتة حلال والبخيل النفعي الذي يريد مالك.. لا أقول ذلك لغلق الأبواب في وجهك ولكن لتستبصري الواقع جيدًا، وهذا قد يشجعك في البحث عن حل وسط مع زوجك .
من الأمور المهمة التي ينبغي التفكير فيها وضع أولادك بعد الطلاق.. أنت ستتزوجين فمن الممكن جدًّا أن تفقدي حضانة الأولاد بل إن وجود الأولاد معك عائق إضافي في طريق زواجك مرة أخرى.. أيضًا لا تنسي التحدي المادي وأنت التي اعتدت على رغد العيش، ضعي كل هذه الأمور في ذهنك وأنت تفكرين في أخذ القرار .
ـ بانتهاء الشهر الرابع عليك أن تكوني قد اتخذت القرار وسيعينك بالطبع على اتخاذ هذا القرار سلوكه معك بعد حوار الصراحة والمكاشفة الذي تم ومنه ستدركين إلى أي حد هو صادق في محاولة إرضائك أو عاجز عن ذلك، وتكونين قد فكرت بكل هدوء في كل العقبات التي ستقابلك لو اتخذت قرار الطلاق .
ـ النصيحة الأخيرة والأولى، استعيني بالله عز وجل فأمره يكون بين الكاف والنون أن يؤلف الله بينكما، وتصدقي بهذه النية واستغفري بهذه النية، وحاولي دائما أن تنظري لمجموع المميزات والعيوب في زوجك ولا تركزي فقط على نقاط الضعف مهما كانت جسيمة.. اشغلي وقتك بكل ما هو مفيد ونافع.. جربي ممارسة الرياضة فهي تحسن المزاج من جهة وتقلل من إحساسك بالرغبة الشديدة من جهة أخرى (تذكري وقت انشغالك بأطفالك عندما كانوا في سن أصغر كانت حاجتك أقل ولم تكن المشكلة بهذه الوطأة عليك) فحتى مع تجاوب زوجك سيكون أقل كثيرًا من سقف ما تطمحين لذلك كوني واقعية.
يسر الله أمرك وأسعد قلبك ورزقك الطمأنينة.. وتابعينا بأخبارك.