22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

زوجي مدمن وأخاف على بناتي.. هل الطلاق هو الحل؟

الإستشارة
  • المستشار : مجموعة مستشارين
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 312
  • رقم الاستشارة : 743
20/01/2025

زوجي يتعاطى الأيس وهي مادة مخدرة شديدة ويتاجر في المخدرات ، وأنا امرأة أحاول مساعدته في حياته وأقوم بالعمل والتجارة من أجل أن أربي ثلاث بنات بالغات ، وزوجي مع الأسف بدأ يستعمل البنت الصغيرة في توصيل المخدرات ، وأنا أحاول أربي البنات على الالتزام والصلاة ، وكنت لا أقرأ ولا أكتب وذهبت وتعلمت في محو الأمية والآن أنا أدرس في المرحلة الثانوية وأتممت عشرة أجزاء من القرآن الكريم حفظا وتجويدا ، وأحاول ألبس ملابس شرعية ولكن للأسف زوجي يسخر من تلك الملابس ويطلب مني أن ألبس ملابس ضيقه تصف جسدي وتظهر مفاتني وكلما حاولت التمسك بملابسي أو الامتناع عنه يسب الدين ويتطاول علي وعلى رب العزة ، وفي الفترة الأخيرة ازدادت المشاكل بيننا لأنه يرفض أن تغلق أي بنت من البنات على نفسها الغرفة وهي نائمة ، وأنا أصبحت أخاف على بناتي ، ولا أطيق رائحته ولا منظره ، وأريد الطلاق وأهلي يرفضون لأن ما أحد يتحمل البنات ويقولون هو أولى ببناته ،،،، أنا لا أعلم ماذا أفعل ...

الإجابة 20/01/2025

نظرا لأهمية هذه الاستشارة وتشعُّب جوانبها تم توجيهها إلى عدد من المستشارين في تخصصات مختلفة لتغطية كل جوانب الاستشارة؛ حيث اتفقوا في بعض الأمور الكلية العاجلة، لكن كان لكل منهم نصائحه الخاصة حسب تخصصه..

 وفيما يلي هذه الردود كاملة:

تقول الأستاذة فاطمة عبد الرؤوف الاستشارية في مجال العلاقات الأسرية:

أختي الكريمة أهلا وسهلا بك على صفحة استشارات المجتمع.. اسمحي لي قبل أي شيء أن أحييك على جهودك الرائعة في تنمية ذاتك فأنت تطورت من امرأة لا تقرأ ولا تكتب لطالبة في المرحلة الثانوية تحفظ عشرة أجزاء من القرآن حفظًا صحيحًا، فأنت حقيقي نموذج جميل جدًّا للمرأة المسلمة الواعية التي ترتدي الزي الشرعي وتجاهد لتربية بناتها على الدين، وأيضا أحييك على عملك بالتجارة مما يدل أنك سعيت لتطوير شخصيتك بشكل متكامل، لذلك أنا على يقين أنك تستطيعين أن تجتازي هذه العقبة المؤلمة في حياتك الزوجية بمشيئة الرحمن.

مشكلتك مع هذا الزوج تتلخص في إدمانه لمخدر الأيس أو الشابو (الكريستال ميث) وكل ما تعانين منه معه مرتبط بهذا الإدمان بشكل أو آخر، ومشكلة هذا المخدر تحديدًا أنه رخيص الثمن حتى أنه يطلق عليه "مخدر شارع"، كما أنه بعد مرتين أو ثلاث من تعاطيه يتحول لإدمان، ومن الواضح من كلامك أن زوجك أصبح بالفعل واقعًا في فخ الإدمان حتى أنه يتاجر فيه، وهو سلوك كثير من مدمني المخدرات لجلب المال (يتحولون لديلر أو موزع)..

أريدك أن تعلمي ونحن نخطط للبحث عن حل أن هذا النوع من المخدرات من النوع التحفيزي، فهناك نوعية أخرى من المخدرات مثبطة مهدئة تدع مدمنها في حالة نعاس واستسلام، أما هذا النوع الذي يدمنه زوجك فهو يجعل نومه قليلا للغاية ويكون لديه طاقة زائدة ونشاط جنسي شديد (مهيبر)، ويرتبط أيضا بهذا النوع من المخدرات ممارسة سلوكيات خطرة، فهو يكون في حالة اندفاع غير مسيطر عليه، ووارد جدًّا استخدامه للعنف خاصة داخل نطاق المنزل، وكل هذه علامات خطورة تجعل من بقائك معه في المنزل غير آمن بالفعل، بل إنه بالفعل بدأ في استخدام صغرى بناتك في مساعدته له في التوزيع ومخاوفك تجاه بناتك لها ما يبررها بالفعل، لكن قبل اتخاذ قرار بطلب الطلاق من هذا الرجل أريدك أن تبذلي كل جهدك لمساعدته فهو سيظل والد بناتك وتركه لمصيره المجهول سيمس سمعتهن.. كما أنه من واجبك كزوجة استفراغ الجهد في مساعدته للتخلص من إدمانه ويدعم ذلك الاتجاه أن أسرتك وهي داعمك الأول ترفض هذا الطلاق.

الخطوة الأولى: أن تتحدثي مع أهلك بهدوء وروية وثبات انفعالي أنك مقدرة مخاوفهم لذلك فأنت ستحاولين إصلاحه وليكونوا شاهدين على ذلك وداعمين لك فيما ستتخذينه من خطوات حتى تضعينهم معك داخل إطار المشكلة، ولا تدعي لهم فرصة للتملص من مسئولياتهم تجاهك وتجاه بناتك.

الخطوة الثانية: أن تتحدثي لزوجك بهدوء في وقت استقرار نسبي لحالته (لا تتحدثي معه أبدًا لو كان في حالة هياج)، جربي أن تتحدثي معه حديثًا عاطفيًّا ناعمًا، أخبريه بحبك وقلقك عليه.. لا تمارسي معه دور الواعظة والمذنب فهو سيجعله يقاوم بشدة الاستجابة لك...

يبدو لي من رسالتك أن أحد مشاكلك معه مرتبطة بعلاقتكم الخاصة، فمن ناحية أنت تشعرين بالنفور منه ومن رائحته ومظهره وسوء خلقه، ومن ناحية ثانية فإن المخدر يجعله في حالة هياج جنسي وهذا يضاعف الخطر على بناتك مع فقدانه القدرة على التفكير السليم.. لكن أتمنى أن تبذلي جهدك في هذه الأيام البسيطة التي تفصلك عن اتخاذ قرار مصيري في حياتك وتحاولي إقامة علاقة طبيعية معه فهذا قد يجعله يستجيب لك ويقدم على محاولة العلاج طوعا...

احرصي على استخدام وسائل أمان موضعية خاصة لو كان يستخدم الحقن في التعاطي.. انتبهي في هذه الخطوة لبناتك بشدة وأصري على أخذ كل احتياطاتك لئلا يمسهم سوء من غلق باب ونحوه، ولكن ابحثي عن حجة منطقية تخبريه بها كالطقس البارد ونحوه ولا تخبريه أبدا بما تفكرين فيه.. أيضا لا تناقشيه أمام البنات وحاولي الحفاظ على نفسياتهم مستقرة وأبعديهم قدر الطاقة عن هذه الأجواء.

 لماذا قلت لك إن هذه هي الخطوة الثانية وليست الأولى لأنك تقومين بها وفق خطة تدريجية تشركين فيها أهلك وأهله كما سيأتي.

في هذه الخطوة حاولي أن تخططي لأمورك المالية فمن الوارد بالفعل أن أهلك لن يدعموا قرارك ولن ينفقوا على بناتك، فمن الأهمية بمكان أن تخططي لإدارة المال حتى تمتلكي الحرية المالية التي ستدعمك في قرارك أيا كان وأنت امرأة مارست التجارة ولن يكون من الصعب عليك هذا التخطيط.. وفي هذه المرحلة أيضا أريدك أن تتواصلي مع المصحات العلاجية للاستشارة.

الخطوة الثالثة: هي اصطحاب زوجك لمصحة علاجية خاصة بالإدمان ويوجد مصحات بأسعار رمزية، وأريدك أن تعرفي أن علاج إدمان الشابو ممكن جدًّا، ففترة انسحاب المخدر ذات الأعراض الشديدة لا تزيد عن أسبوعين بعدها يستغرق العلاج عدة شهور، وفي هذه الفترة لو استجاب زوجك فسيحتاج لعلاج نفسي أيضا.. لكن ماذا لو رفض زوجك العلاج وهذا أمر وارد رغم جهادك (جهاد حقيقي) لإقناعه...

هناك يكون المسار الموازي لهذه الخطوة إخبار أهله وأسرته ودائرة المؤثرين عليه كي تضعيهم معك في إطار الصورة وتحصلي على دعمهم في الخطوة القادمة مهما كانت، وأريد أن أخبرك لو امتنع عن العلاج وتم إجباره عليه فهذا لا يؤدي لانتكاسته فيما بعد، فكثير من المدمنين تعافوا بالإجبار وخطوة الإجبار لن تستطيعي أنت بالطبع القيام بها وإنما يستطيع القيام بها أهله.. أيضا أريد أن أخبرك أن علاج إدمان الشابو لا يمكن أن يتم في المنزل لو أخبرك هو بذلك أو أخبرك أهله فهو من المخدرات التي تترك آثارًا انسحابية شديدة لن يتحملها.

الخطوة الرابعة أو خطوة طلب الطلاق تستطيعين أنت تقريرها بعد سيرك في الخطوات الثلاثة السابقة وتقييمك للموقف.

أخيرًا أريد أن أذكرك أن الدعاء يرد القدر والدعاء يصنع المعجزات على سبيل الحقيقة لا المجاز، فأحسني الظن بربك ولا تملي الدعاء خاصة في الأوقات الفاضلة في الثلث الأخير من الليل وفي آخر ساعة في الجمعة وبين الأذان والإقامة وأثناء السجود.. ادعي لله دعاء الغريق في ظلمات البحر أن يشفي زوجك ويصلح حاله ويحفظ بناتك ويرزقك القوة، وتابعينا بما قمت به من خطوات، أصلح الله حالك وحفظ بناتك، ورزق زوجك الشفاء عاجلاً غير آجل.

 

ويقول د. رجب أبو مليح أستاذ الفقه المقارن:

بداية نسأل الله تعالى أن يربط على قلب الأخت السائلة وأن يفرج كربها، ومسألة ابتلاء الصالحين من الرجال بالنساء الخبيثات واردة، وكذلك العكس صحيح أن تبتلى المرأة الصالحة بزوج خبيث يتحول إلى مصدر قلق وخطر على نفسها ومالها وبناتها، ويتحول إلى ذئب كاسر وهو في الأصل حامي حمى الأسرة يدفع عنها كل سوء.

وكما ابتلي نوح ولوط عليهما السلام بالنساء الخبيثات، ابتليت امرأة فرعون بالزوج الخبيث، وما ننصح به السائلة إن كانت استفرغت الجهد في دعوة زوجها وتخويفه بالله، والدعاء له بصلاح الحال والهداية أن تلجأ إلى العقلاء من عائلتها وعائلته، أو من العقلاء في المجتمع، ليقوموا بدور التحكيم ويسمعوا من الرجل حتى لا يضيع حقه في الدفاع عن نفسه، ويسمعوا من المرأة في حضور زوجها، ثم يقرروا الأصلح لهذه الأسرة المنكوبة، فإن كان ثمة أمل في الإصلاح قضوا به، وإلا فيمكنهم التطليق والتفريق بشكل ودي أو رفع الأمر إلى القضاء إن عجزوا عن إصلاح الزوج أو تطليقه، وفي هذه الحالة تأخذ المرأة كافة حقوقها الشرعية من نفتها ونفقة بناتها ومؤخر الصداق ومقدمه ويطلقها القاضي للضرر بشهادة هؤلاء الشهود الذين سمعوا من كلا الطرفين.

وحتى يحدث هذا عليها أن تجعل عينها على بناتها - إن صح ظنها ونسأل الله ألا يكون صحيحًا - من نية الرجل الاعتداء على بناته في حالة سكره، وهذا وارد فهي أم الخبائث، حتى لو تطلب الأمر خروجها عند أهلها أو أهله حتى تحمي نفسها منه وتحمي بناتها.

أما طلب المرأة للطلاق فقد أجاز الفقهاء طلب المرأة الطلاق للضرر في حالة وقوع ضرر مادي أو معنوي تستطيع أن تقيم عليه الدليل أمام القاضي، فإن عجزت عن إقامة الدليل تنتقل إلى الخلع.

وقد يتحول الحكم من الجواز إلى الوجوب في مثل هذه الحالة إن صحت دعوى المرأة على زوجها، وأنه يسخر من لباسها الشرعي وهو فريضة بإجماع الفقهاء، ويدخل عليها وبناتها في حالة سكر بيّن، ويمنع البنات من غلق الأبواب عليهن، إن صحت هذه الأقوال أو بعضها فيجب عليها طلب الطلاق فحفظ الدين وحفظ النفس في الضروري مقدم على حفظ الأسرة.

فالطلاق - كالنكاح سواء بسواء - كما صرح سادتنا الفقهاء يدور مع الأحكام الخمسة قد يكون واجبًا في مثل هذه الحالة، وقد يكون مندوبًا أو جائزًا أو مكروهًا أو حرامًا، وإن كنا لا ننصح أن تبدأ به المرأة، أو تنفرد به دون أهلها، أو الصالحين في المجتمع فربما يتدخل أهل الخير فينصلح حال الزوج فلا نحتاج إليه حفاظًا على هذا الميثاق الغليظ والرباط المتين.

والله تعالى أعلى وأعلم

 

ويقول د. عادل هندي أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية المساعد بجامعة الأزهر:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:

فأسأل الله تعالى -ابتداءً- لكِ أختي السائلة أن يصـرف عنك الشـرور كلها، كما نسأله سبحانه أن يصلح حالك وحال بناتك، وأن يعجّل بتفريج كربك على الوجه الذي يرضيه، ويسعدكِ في ذات الوقت، وإليك الجواب:

أولا: يجـب الإقرار ابتداء بأن ما فيه هو بلاء -بكل المقاييس- يتطلب الحكمة والثبات والصبر قدر الاستطاعة؛ حتى تجدي الحل الأمثل للخروج مما أنتِ فيه، وأيقني بأن البلاء هو سنة الله في هذه الحياة الفانية الزائلة، كما قال ربنا: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2].

ثانيًا: الأولوية الآن هي حفظ بناتك وصيانتكنّ عن هذا الهلاك الذي أُسِر به هذا الزوج، ومن ثم يلزمكِ البحث السـريع عن ثقة من الأهل أو الأقارب؛ لحماية البنات بأي شكل من الأشكال، وعدم السماح باستغلالهنّ وضرورة إبعادهنّ عنه قدر المستطاع؛ فإنّ ما يمكن تخيله وراء كل هذا أمر خطير.

ثالثًا: إذا صحّت روايتكِ وتأزّمت الأمور، وحاولتِ الإصلاح مرة بعد مرة، وأخذتِ بالأسباب في ذلك، لكن لم يُكتب لكِ التوفيق، فأرى أن تُدخلي وسيطًا ولو بالقانون لفك هذه العلاقة بالطرق السلميّة المُثلى، ولو وصل الأمر إلى الطلاق النهائي، واستعيني بشخص مؤثر من العائلـة؛ لإقناع الأهل بضرورة تلك النتيجة الحتمية والضروريّة، ولا تستسلمي للضغوط مهما كانت، ولتتحمّلي المسؤوليـة التربويّة للبنات فيما بعد ذلك، واعلمي بأنّ الله يختار أُناسًا لأقدار ما بقدرته وحكمته، ولن يضيع الله ثوابك.

رابعًا: أما بالنسبة لبناتك، فأنصحكِ باستمرار متابعتك لهنّ في حفظ القرآن واستكمال طريق التعلم والنجاح؛ فإن من الناس من يصنع لنفسه السيرة الحسنة، ولم يصنعها وليّ أمره، ولعل الله أراد بكِ وببناتِكِ هذا الخير من بناء سيرة حسنة جديدة لهنّ، أسأل الله تعالى أن يحفظهنّ بحفظه، واغرسي فيهنّ القيم والأخلاق، وأشركيهنّ في أنشطة مفيدة رياضية، علمية، مهارية؛ حتى لا يكنّ عُرضة لأي استغلال فيما بعد.

خامسًا: لا تنسـي ضرورة الاستعانة بالله تعالى، وتوثيق الصلة به سبحانه؛ رغبة فيما عنده من العون والمدد، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3]، وحاولي أن تعوّدي بناتك على الصلة الكريمة بربهنّ سبحانه.

 سادسًا: هناك بعض الحلول المقترحة والسريعة والعاجلة، ومنها:

  1. حماية البنات بنقلهنّ السريع لمكان آمِن، ومنع زوجك من الوصول إليهنّ ولو استعنتِ بالقانون.
  2. التحدث مع الأهل من خلال أهل الثقة بضرورة الفصل والانفصال.
  3. القيام بالعمل الشـريف من طرفك؛ ليفتح الله لكِ باب الرزق عن طريق الأخذ بالأسباب.
  4. تأمين مستقبل البنات، بالاهتمام بتعليمهنّ وتفوقهنّ.

وأخيرًا:

أختي السائلة الكريمة:

أنتِ امرأة قوية، صامدة، ومجتهدة، سعيك في تعليم نفسك وحفظ القرآن يُظهر أنكِ قادرة على مواجهة المحن، اعتمدي على الله، وخذي بالأسباب العملية، وسيفتح الله لكِ أبواب الخير.

واعلمي بـأن الطلاق -مع الخوف منه- قد يكون هو الحل الأمثل لمثل هذه الموضوعات، وهو شرع لا يمكن رفضه أو اعتباره من المحظورات، ولا تنشغلي بما تحت رجليك الآن، وفكّرِي في مستقبل البنات ومستقبل طاعتكنّ وصلتكنّ بالله تعالى، وأسأل الله تعالى أن يمدّك بعون منه ومدد.

 

ويقول الأستاذ فتحي عبد الستار المستشار الإيماني والدعوي:

أختي الكريمة، مرحبًا بك، ونشكرك على ثقتك بنا، وأسأل الله عز وجل أن يجعل لك الفرج من عنده، وأن ييسر لك أمرك ويشرح لك صدرك، وبعد..

فما حكيتِه في رسالتك -لا شك- مؤلم جدًّا، ويكشف عن تحديات كبيرة تواجهينها بصفتيك: زوجة، وأُمًّا.

إن الوضع الذي تصفينه معقَّد، ويتطلب حذرًا شديدًا في معالجته، حماية لنفسك ولبناتك، وحفاظًا على استقرار حياتك قدر الإمكان.

وعادتنا أن نؤصل -أولًا- بعض الأمور المتعلقة بالاستشارة نظريًّا، ثم نطرح بعد ذلك الوسائل العملية التي تعين على حل مشكلة المستشير، لكني في حالتك رأيت أن أتجه معك إلى الجانب العملي مباشرة، نظرًا لصعوبة ما تمرين به، وأهمية الوصول إلى حل عملي في أسرع وقت ممكن.

وما أنصحك به -أختي الكريمة- ألخصه لك في التالي:

أولاً: حماية نفسك وبناتك

  1. الأمان أولًا:
    • إذا كنت تشعرين بأن زوجك يشكل خطرًا جسديًّا أو أخلاقيًّا على بناتك، فيجب أن تكون الأولوية لحمايتهن. وإذا كنت ترغبين في مساعدته، فحاولي دفعه للتوجه إلى مراكز علاج الإدمان؛ لكن لا تجعلي ذلك على حساب سلامتك وسلامة بناتك.
    • كوني حذرة –أنت وبناتك- في التعامل مع زوجك؛ خصوصًا أنه في حالة إدمان، مما قد يجعله عنيفًا وتصرفاته غير متوقعة.
    • يمكنك البحث عن مأوى آمن (مثل جمعيات أو دور حماية الأسرة إن كانت تتوفر في بلدك) لضمان سلامتك وسلامة بناتك.
  2. منع استغلال بناتك في أعماله:

استغلال البنات في توصيل المخدرات أمر خطير جدًّا، وقد يؤدي إلى عواقب قانونية جسيمة لهن؛ فضلاً عن الآثار الخطيرة على شخصياتهن وأخلاقهن، ونظرة المجتمع لهن، فحاولي التحدث مع شخص موثوق ذي حيثية في عائلتك، أو ضمن الدائرة المجتمعية القريبة منكم لتقديم المساعدة، وردع زوجك وزجره عن هذا، ولو بالتهديد والوعيد.

  1. عدم ترك البنات وحدهن معه:

إذا كنت تخشين على سلامتهن منه، فحاولي أن تكوني دائمًا بجانبهن، أو تنظيم أمور المنزل بطريقة تضمن الحد الأدنى من احتكاكه بهن، أو انفراده بأي منهن.

ثانيًا: طلب المساعدة من جهات مختصة

  1. الجمعيات والمراكز المتخصصة:

ابحثي عن مراكز دعم المرأة والأسرة في بلدك. توفر هذه المراكز عادة مساعدة قانونية ونفسية واجتماعية للنساء اللواتي يعانين من ظروف مماثلة.

  1. التواصل مع الجهات القانونية:

إذا استمر زوجك في استغلال بناتك، فيمكنك التوجه إلى الجهات القانونية والإبلاغ عنه. هذا قد يكون صعبًا عاطفيًّا ومستنكر اجتماعيًّا؛ لكنه ضروري لحمايتك وحماية بناتك، إذا وصلنا إلى قناعة تامة بعدم إمكانية إصلاحه وتوقفه عما يفعله.

  1. التواصل مع داعميك الشخصيين:

إذا كان هناك شخص تثقين به في عائلتك (أخ، أخت، قريب) ويمكنه مساعدتك، فتحدثي معه بصراحة واطلبي دعمه.

ثالثًا: التعامل مع رفض أهلك للطلاق

  1. إقناعهم بالحقائق:
    • وضِّحي لأهلك أن الوضع لم يعد يحتمل، وأن بقاءك مع زوجك يعرض حياتك وحياة بناتك للخطر.
    • استعملي أسلوبًا هادئًا ومقنعًا، واشرحي لهم بالتفصيل المخاطر التي تواجهينها أنت والبنات.
  2. عرض حلول بديلة:

طمئني أهلك بأنك قادرة على تحمل مسؤولية بناتك. ذكِّريهم بأنك تعملين وتجتهدين لكسب العيش والإنفاق على نفسك وعلى بناتك، وأنك تستطيعين الاعتماد على نفسك في هذا، والاستغناء عنه. وقد تصلون إلى صيغة ما تبعده عنكن، أو تبعدكن عنه، دون وقوع الطلاق، حتى لو تحت مسمى إعطائه الفرصة ليصلح من نفسه، وعندها يمكنكن الرجوع للعيش معه، فلا تتعجلي في إجراء الطلاق، ولا تلحِّي عليه الآن.

  1. توجيههم دينيًّا:

ذكريهم بأن الإسلام يحث على حماية النفس والذرية، وبأن الله لا يرضى بالظلم والضرر. يمكنك طلب مساعدة أحد الدعاة لتوضيح الأمر لهم.

رابعًا: الجانب الديني والنفسي

  1. تقوية علاقتك بالله:
    • استمري في حفظ القرآن والحفاظ على الصلاة والزي المحتشم، واطلبي من الله العون في كل وقت، وكوني قدوة لبناتك.
    • تجاهلي سخريته، وركِّزي على بناء نفسك وإيمانك. في النهاية، الله هو المعين والناصر.
    • التوجه إلى الله بالدعاء المُلِحِّ سيمنحك القوة والثقة والطمأنينة، والإرشاد لاتخاذ القرارات الصحيحة. وثقي بأن الله معك: {وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}.
    • استخيري الله في كل خطوة تخطينها، واسأليه –سبحانه- الهداية إلى ما فيه الخير لكِ ولأسرتكِ.
  2. الحفاظ على تربية البنات:

ركزي على بناء شخصيات بناتك وتقويتهن أخلاقيًّا ودينيًّا ليصبحن قويات في مواجهة أي ضغوط.

  1. الاهتمام بصحتك النفسية:

لا تترددي في استشارة اختصاصية نفسية تساعدك على إدارة الضغط النفسي الذي تعيشينه.

خامسًا: قرار الطلاق

  1. إذا كان لا مفر من الطلاق:
    • فكري بوضوح في الخطوات التي ستتخذينها لحماية نفسك وبناتك بعد الطلاق.
    • تأكدي من تحضير نفسك ماديًّا وقانونيًّا قبل اتخاذ القرار. وحاولي ادخار المال لتأمين مستقبلك ومستقبل بناتك.
    • ابحثي عن محامٍ أو مستشار قانوني متخصص في قضايا الأسرة. يمكنه أن يشرح لك حقوقك القانونية، ويساعدك في اتخاذ خطوات عملية إذا قررت الطلاق.
  2. التخطيط المسبق:
    • حددي مكانًا آمنًا يمكنك الذهاب إليه.
    • حاولي جمع الوثائق والمعلومات الضرورية التي قد تحتاجينها في المستقبل، مثل شهادات ميلاد البنات، وثائقك الشخصية، وأي أدلة تدعم حالتك إذا احتجت إلى تقديمها للجهات الرسمية.

وأخيرًا أختي الفاضلة..

  • لا تخجلي من طلب المساعدة، فأنت تواجهين موقفًا صعبًا.
  • تذكري أن قوتك وإصرارك على حماية نفسك وبناتك هما مفتاحك للنجاة.
  • استمري في تطوير نفسك علميًّا ودينيًّا، فهذا سيمنحك المزيد من الثقة والقدرة على المواجهة.

وفقك الله وأعانك، وتابعينا بأخبارك، فنحن هنا دائمًا لمساعدتك.

 

وتقول الدكتورة أميمة السيد المستشارة التربوية:

أختي الغالية، أسأل الله أن يفرّج همّك ويُصلح حالك وحال زوجك، ويبارك فيك وفي بناتك، وأن يجعل لك من أمرك مخرجاً..

أختي في البداية سوف أجيب على رسالتك، على اعتبار صدق روايتك، وأنت المسؤولة عنها أمام الله تعالي.. وأسألك الله أن يغفر لي ولكِ.

أولاً: زوجكِ على حاله الحالي يمثل خطرا كبيرا عليكم جميعا؛ فهو ليس فقط مقصراً في حق الله وحق أسرته، بل يرتكب معاصيَ عظيمة تهدد دينه ودنياه، مثل تعاطي المخدرات، المتاجرة بها، واستغلال البنت الصغيرة في توصيلها، كل هذه الأفعال تعدُّ من الذنوب العظيمة..

كما أن استغلال الأب لابنته في الحرام لهو تعدٍ على الأمانة التي كلفه الله بها، قال النبي ﷺ:" كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول".

ثانياً: من الواضح أنك تبذلين جهوداً عظيمة لتربية بناتك على القيم والدين رغم التحديات، وهذا جهاد عظيم تؤجرين عليه بإذن الله فقد قال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

ولكن، بما أن زوجكِ يمثل خطراً على أخلاق البنات وأمنهن الجسدي والنفسي، فإن ذلك يُلزمك باتخاذ موقف حاسم لحمايتهن، فالشرع يقدّم مصلحة الأبناء وحفظ دينهم وأمنهم على بقاء الأسرة مع وجود ضرر، قال النبي ﷺ: "لا ضرر ولا ضرار".

ثالثاً: أما عن حكم الشرع في طلب الطلاق. طلب الطلاق يصبح مشروعاً إذا كان استمرار الحياة الزوجية يجلب الضرر أو يعرض المرأة وأبنائها للخطر، وفي حالتكِ، الضرر واقع وواضح، سواء بسبب تعاطيه المخدرات، استغلاله البنات في الحرام، أو محاولته إجباركِ على ارتداء ملابس غير شرعية، ولقد أباح الله تعالى الطلاق هنا في قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}. فرغم كراهية الطلاق الذي يؤكده قول النبي ﷺ: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"، ولكن في حالتكِ طلب الطلاق له سبب وجيه ومشروع، بل إن البأس واقع وبوضوح..

هذا والله تعالى أعلى وأعلم..

●  ملاحظة مهمة:

في هذا الأمر تحديدا غالبا ما أنصح بالتوجه إلى دار الإفتاء بمشيخة الأزهر الشريف أو لجنة الفتوى لأخذ الرأي القاطع في أمر الطلاق.

■ والآن إليكِ غاليتي نصائح عملية للتعامل والتصرف لحين اتخاذ القرار الحاسم:

١-إذا كنت تخشين على أمن البنات، فسلامتهن مقدمة على كل شيء؛ فحاولي الحصول على دعم من أهلك أو جهات قانونية أو اجتماعية لحمايتهن.

-لا تترددي في إبلاغ الجهات المختصة إذا كان الزوج يُعرض البنات لاستغلال خطير.

٢- يستحب هنا التدرج في اتخاذ القرار إن كنتِ تخشين مواجهة أهلك برغبتك في الطلاق، حاولي توضيح المخاطر التي يواجهها بناتك، واستشهدي بحالات ملموسة تثبت أن الوضع خطير.

-كما أنه يمكنك الاستعانة بأحد العلماء أو الدعاة الموثوقين للتحدث مع أهلك وإقناعهم.

 

٣- والأهم وبعد الأخذ بالأسباب أكثري من الدعاء واللجوء إلى الله عز وجل، فهو وحده القادر على تفريج الكرب، فالدعاء هو مخ العبادة، إذ قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. وكذلك يجيب المضطر حيث قال: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.

وأنتِ يا أختي مضطرة فكثفي الدعاء.

٤- لا تتوقفي واستمري في التعليم وحفظ القرآن الكريم. فهذا هو الاستثمار في نفسك وفي دينك وهو مفتاح قوتك وحصنك.

٥- وفي النهاية إن لم تستطيعين الانفصال عن هذا الزوج حالياً بسبب رفض أهلك، وسمحت لك الظروف، فحاولي أن تسكني في مكان منفصل مع البنات حتى تقللي من الضرر الواقع عليكم، لحي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وأخيرا.. أكرر لك الدعاء، وأسأل الله أن يعينك على اتخاذ القرار الصائب الذي يحميك ويحمي بناتك، وأن يهدينا وإياكِ وزوجكِ إلى صراطه المستقيم. تذكري أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأنه لا يغلق باباً إلا ويفتح بديلاً خيراً منه.