Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. عزة مختار
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 111
  • رقم الاستشارة : 1761
27/04/2025

أمي امرأة قوية، هي من قامت على تربيتنا أنا وأخوتي الثلاثة بعد وفاة والدنا رحمه الله وكنت أصغر أخواتي ذات ثلاثة أشهر لا أكثر، بينما أخي الأكبر كان في سن الخامسة، وبالرغم من ذلك يدورون في فلكها (وهم الآن رجال)، لا يستطيعون اتخاذ قرار في بيوتهم إلا بالرجوع لها رغم انشغالهم وزياراتهم السريعة والقليلة لها، وإن حاول أحدهم أن يستقل بحياته، تغضب أمي وتقاطعه بعنف حتى يعود معتذرًا.

واستسلم أخوتي للأمر الواقع فلا يتخذوا قرارًا محوريًّا يخص حياتهم إلا بالعودة إليها، مثل اختيار الكليات التي تخرجوا منها، ثم اختيار زوجاتهم، ثم اختيار أماكن سكنهم بالقرب من شقتنا التي تربينا فيها، وبما أنني الابنة الصغرى، والابنة الوحيدة لها، فقد كان تواجدها في حياتي بشكل أكبر، وأكثر تحكم، بدءًا بكل شيء، وانتهاء بالتدخل في تربية أولادي.

والمفارقة أنها لا تربي أولادي كما ربتنا بصرامة وشدة ، فقد وصل الأمر إلى أننا كنا نرتعب إذا نادت على أحدنا بصوت مرتفع، أو إذا وجدت ورقة ملقاة على الأرض، أو إذا رفضنا نوعا من الطعام، علينا أن نأكل وحسب دون أن نبدي اعتراضا، ونحمد الله على نعمه وأننا أفضل من غيرنا.

الآن هي تدلل أولادي بصورة أفسدتهم بالرغم من أنهم ما زالوا صغارا، يناطحونني ويناطحون والدهم الذي يعترض الآن على وجود أمي الزائد في حياتنا ويريد مني تنحيتها لنستطيع إدارة شئون بيتنا في هدوء واستقلالية، وحين أبديت بعض الاعتراض لأمي على تدليلها الزائد للأولاد، غضبت وبكت وتوقفت عن زيارتنا واتهمتني بأنني أحرمها من أولادي الذين قامت هي بتربيتهم، أصبحت في حيرة من أمري، بين أمي من ناحية، وزوجي الرافض لتدخلاتها من جهة أخرى، وبين أولادي من ناحية ثالثة المتعلقين بها أكثر من تعلقهم بي وبوالدهم، ماذا أفعل؟

الإجابة 27/04/2025

بعد الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلا ومرحبا بك حبيبتي بين أسرتنا الكبيرة في مجلة المجتمع، جعلك الله بخير حال في كل وقت.

 

مبدئيًّا وقبل أية كلمات أحييك على مشاعرك النبيلة والمتوازنة والحائرة في ذات الوقت تجاه طرفي المشكلة التي لا يد لك فيها، وقد فُرضت عليك فرضًا بحكم المنشأ كيتيمة، واحترامك وتقديرك لأمك بالرغم من نشأتها القاسية ولسبب عظيم من وجهة نظرها وهو الخوف عليكم، وفي نفس الوقت تقديرك واحترامك لزوجك، واتفاقكما على تربية أولادكما بشكل سوي كي يخرجوا صالحين أسوياء للمجتمع.

 

وبداية يجب استحضار عدة اعتبارات مهمة كان عليكما أن تتدارسانها في بداية حياتكما حين بدأت المشكلة في الظهور، وبالتأكيد هي قد ظهرت في وقت مبكر، ربما مع اتفاق الخطبة منذ بدايتها، ومع ذلك ما زال في الوقت متسع لتدارك ما فات.

 

أولاً: إن للأجداد خصوصية في التربية والتدليل ربما ترقى لدرجة الإفساد؛ فعاطفة الأبوة والأمومة يخالطها في معظم الوقت الحكمة لصالح أبنائهما، أما الأجداد فلا يستطيعون مع أحفادهم الذين يرون فيهم امتدادًا لهم، وغرس جديد لهم في الأرض، وأملا ممتدًا يتنفس أمامهم، لا يستطيعون تحكيم عقولهم في التعاطي معهم.

 

ثانيًا: الجدة لها وضع أكثر خصوصية، فتلك المرأة التي وصفتها بالحديدية في تربيتكم أنت وإخوانك منذ صغركم وهي وحدها بعد وفاة والدكم، كانت ترى أنها تفعل الصواب بعينه، وأن عين الرحمة أن تقسو عليكم في معظم مواقفها معكم، من باب الخوف عليكم، والخوف على نفسها من المجتمع من حولها، وحين كبرت وأتمت رسالتها بدأ شعورها بالاطمئنان يعود إليها، فلا هي شابة تمثل مطمعًا لأحد، ولا هي تحمل مسئولية تكبلها عن إطلاق عاطفتها كأم فتعيشها بحرية وشعور آمن ورغبة في الانطلاق العاطفي، هي تريد من الجميع أن يتحلق حولها خوفًا من تسللكم بعيدًا عنها، فتشد القيد حولكم، وتعيش بكامل عاطفتها مع أبنائكم، كل هذا بغير تفكير منها أو تخطيط.

 

وفي كل حالاتها، قد أمر الله عز وجل بالبر بهما، أو بها، فقال تبارك وتعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} (الإسراء: 23 - 24).

 

ابنتي الحبيبة: إن والدتك لها ظروفها الخاصة، والتي تركت أثرًا كبيرًا على تصرفاتها معكم، والدتك ما زالت خائفة، ليس عليكم هذه المرة، ولكن على نفسها من انفضاضكم عنها، فهي تتصرف بدافع هذا الخوف، أن ينشغل إخوانك مع زوجاتهم وأبنائهم وحياتهم عنها، ويبتعدوا واحدًا تلو الآخر، وأنت تنشغلين بزوجك وأولادك وتنصرفين عنها، فتترجمها في صورة غضب وبكاء وحزن وانكفاء أحيانا، وسيطرة أحيانا أخرى.

 

وبصرف النظر عن تدليلها لأبنائك على وجه الخصوص؛ لأن ذلك الفعل هو -ـكما قلنا- طبيعة كل الأجداد أو معظمهم على الأقل.

 

وللوصول إلى حل إشكالية التسلط عليك أنت وإخوانك معا أن تغيروا سياسة تعاملكم مع والدتكم تمامًا كالتالي:

 

1- تخصيص زيارة يومية من أحدكم على مدار الأسبوع لها، بحيث يزورها كل واحد يومًا بشكل منفرد، إما يزورها في بيتها، أو يصحبها لبيته، أو يصحبها في نزهة خاصة بها ولو مرة على مدار الشهر، فلا تتركوها لنفسها ووحدتها والتفكير في احتمالية انفضاضكم عنها وترككم لها، وأعتقد أن زيارة أسبوعية للأم لن تعطل أحدكم كثيرًا، ولن توقف مصالحكم.

 

2- عليكم أن تجتمعوا معها ومعًا مرة في الشهر، ويُفضل أن يكون ذلك في بيتها،  تصنعون طعامًا للغداء معًا وتقضون يومًا من الأيام الخوالي تعيدون فيه الذكريات القديمة، تكونون فيه تحت إمرتها، وتعوضونها عن كل دقيقة قضتها وحدها بعد رحيلكم عنها.

 

3- محاولة ملء فراغها إن كان لديها استعداد للعمل العام، أو العمل التربوي، حتى لو اضطررتم لعمل مشروع صغير لها تنشغل به، كروضة أطفال مثلاً.

 

4- افتحي قلبك لوالدتك واستمعي إليها جيدًا، لا تنشغلي بأشياء أخرى حين تتحدث، أو تعيد موضوعًا كانت تتحدث فيها وتعيده مرات وقد نسيت أنها قد حدثتك فيه، مجرد استماعك لها يطمئنها، ويريح قلبها، ويخفف من وطأة خوفها من الوحدة ومن انشغالكم عنها.

 

5- بالنسبة لتربية أبنائك وتدخلاتها وغضب زوجك تجاه تلك المسألة، فبعد أن تقومي بملء فراغ والدتك أنت وإخوانك، فسيكون من اليسير عليها قبول طلباتكم بالتخفيف من تدليل الأولاد، أو تقليل تعويضها لهم بعمليات التدليل تلك، فلن يكونوا محور اهتمامها الوحيد، عليكم بغرس القيم التربوية عند أبنائكم وعدم استغلال حب جدتهم لهم في التجاوز وتخطي قيم التربية السليمة.

 

6- يمكننا أحيانًا أن نستعين بطرف ثالث، كالخالة على سبيل المثال أو صديقتها المقربة، تتحدث مع والدتك وتفهمها أن تدليل الأولاد سوف يأتي بنتائج عكسية تفسدهم وتخرج منهم أفرادًا غير صالحين، وأن عليها أن تتعامل معهم بتوازن لأن ذلك سوف يساهم في إفسادهم من حيث نريد لهم الأصلح.

 

إن مهمتك شاقة يا غاليتي، تتأرجح بين برك بأمك ومسئوليتك أنت وإخوتك نحوها، وبين تربيتك لأبنائك وتبعلك لزوجك ومسئوليتك تجاههم، أسأل الله أن يصلح لك حالك وبالك، وأن ييسر أمرك، ويهدي لك أبناءك، وفي انتظار مراسلاتك وطمأنتنا على حالك دومًا.

الرابط المختصر :