22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. عزة مختار
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 180
  • رقم الاستشارة : 1000
18/02/2025

بصراحة، أنا حاسة إني تائهة ومش عارفة أخد قرار صح! طول عمري كنت فاكرة إن الحب هو أهم حاجة في الجواز، لكن كل ما بكبر وأشوف تجارب حواليَّ، بقيت أحس إن الحب لوحده مش كفاية، وإن في حاجات تانية أهم زي التفاهم، الاحتواء، الانجذاب، الونس، الثقة، والسند. مشكلتي إني مش عارفة أرتب أولوياتي، هل المفروض أركز على المشاعر ولا أدور على الاستقرار والأمان؟ هل الحب بييجي بعد الجواز لو الأساسيات موجودة، ولا لو مفيش حب من البداية يبقى الجواز مصيره الفشل؟ خايفة أختار غلط وأندم بعدين، ومش عارفة أفرق بين القرار الصح والإحساس اللي ممكن يخليني أتعلق بحاجة مش مناسبة ليا. إزاي أقدر أحدد إيه اللي يناسبني فعلًا؟ وإزاي أخد قرار يكون مريح لقلبي وعقلي في نفس الوقت؟ محتاجة نصيحتك لأني حاسة إني تايهة ومش عارفة أفكر بوضوح. 💔

الإجابة 18/02/2025

 

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَمِنْ ءَايَاتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍۢ لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]، وصلى اللهم على سيدنا محمد سيد الخلق أجمعين، والقائل: (تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامةِ) (أخرجه أحمد).

 

أولاً: مرحبا بكِ حبيبتي على صفحة استشارات بمجلة المجتمع، إليك تحياتي وتحيات فريق الاستشارات، وأهلا بكِ في كل وقت.

 

ثانيًا: المسألة التي ذكرتها هي مسألة تمس اهتمام معظم الفتيات في وقتنا هذا حين يقعن في حيرة التفكير والبحث والاختيار في الطريقة التي يردن الزواج بها، فمنهن من يرفضن ما يسمى بـ (زواج الصالونات)، وهو أن يتقدم الشاب عن طريق الأهل أو المعارف بطريقة (محترمة) أو تقليدية كما يطلقون عليها، ثم يتم التعارف بين العروسين أمام الأهل وفي صحبتهم وتحت رعايتهم، ثم تتم الإجراءات المعتادة من قبل أهل كلا الطرفين، فيقوم كل طرف بالسؤال عن الآخر، والاطمئنان له من عدمه، ثم يتم الاتفاق على الزواج بالآلية المعروفة حسب كل مجتمع.

 

وهناك طريقة أخرى صارت منتشرة في بلادنا بشكل كبير خاصة في المدارس المتوسطة والجامعات، حيث يتم التعارف بين الشباب بشكل غير شرعي أو مشروع، ويتفقان معًا على الزواج بعد العيش في قصص حب معظمها وهمي، حيث تجدها أقرب للشهوات الجسدية منها إلى القلوب، منها ما يتوقف في منتصف الطريق حين ينتهي الشاب من رغبته منها.

 

وبعض هذه القصص يصل إلى التقدم للأهل، ليتفاجأ أهل الفتاة بأنها قد اصطحبت (صاحبها)، أو حبيبها الذي قضت معه عدة سنوات في علاقة خفية واتفاق بعيدًا عن الأهل، يتقدم بلا مستقبل ظاهر، وبلا أدنى إمكانات (إلا القليل منهم)، ثم هو يريد الارتباط بابنتهم بلا أدنى إمكانيات بحجة أنهم سيبنون مستقبلهم معًا في ظل ظروف اقتصادية طاحنة، فإذا تم الزواج، تفاجأ الطرفان بصعوبة الحياة واستحالة إكمال الطريق، لترتفع نسب الطلاق في السنة الأولى للزواج في البلاد العربية لنسب مخيفة تهدد مستقبل الأسرة الوجودي إذا استمر الأمر على هذا الحال؛ فالأمر إذن يستحق التفكير الطويل، والتوقف عند بعض المفاهيم، كي تسلم البيوت الوليدة من السقوط المبكر.

 

أولا غاليتي، الواجب عليك معرفة مفهوم الزواج في الإسلام والغاية منه قبل خوض التجربة، ثم الوقوف أمام المشكلات الحتمية موقف العاجزين عن حلها فنضطر للقصم في بداية بناء الأسرة، من قال إن الزواج يبنى على الحب؟ ومن قال إن علاقات ما قبل الزواج بين الشباب تسمى حبًّا؟ ومن أفهم الأجيال الحديثة أنه بلا حب لن ينجح الزواج؟ وأن زواج الحب أكثر ضمانًا من زواج الصالونات؟

 

تلك مفاهيم أسس لها الفن الهابط الذي عمل على تزييف المفاهيم الحقيقية لعشرات السنوات، بل بث سمومًا لتغيير قناعات الناس وثقافتهم وموروثاتهم وعقائدهم في مفهوم الأسرة والعلاقة بين الزوجين، والهدف من الزواج في الأساس، الزواج ليس مجرد علاقة جسدية أو علاقة حب بين طرفين، تتفكك الأسرة على إثر انطفاء جذوته.

 

الحب يا حبيبتي ليس هو الكلمة التي تقال في خلوة غير شرعية، وإنما الحب في الإسلام أكبر من ذلك بكثير، الحب أن يتقي الله فيكِ، أن يخاف أن يغضبك أو يظلمك حتى لا يغضب رب العالمين، الحب أن تنامي الليل وأنتِ مطمئنة إلى أن بجوارك رجلا يحميك ويقوم على أمرك، الحب أن تمرضي، أو يمرض صغيرك فتجدين من يهرول باحثًا عن دواء دون أن يشغله عن ذلك شيء، الحب أن يقسم بينكما قطعة الشيكولاته إن لم يتوفر سواها.

 

الحب أن يكون اهتماماتكما مشتركة، أن تؤمني بما يؤمن به، وهو يقدر عقلك ويحترمك، الحب أن تعيشي لقضية أكبر من مجرد أن يعمل فوق طاقته ليوفر حياة مثل ابنة خالتك، أو ابنة عمتك، الحب أن تقدري سعيه من أجلك ولو كان نتاجه قليلا، ويشعر بتعبك في خدمته وخدمة أولاده، فينظر إليك بعين الرحمة، ذلك هو حب الزواج في ديننا.

 

ولذلك قال تعالى في وصف العلاقة بين الزوجين (وجعل بينكم مودة ورحمة)، لم يقل سبحانه جعل بينكم حبًّا، فالحب شعلة من نار سرعان ما تنطفئ، وسوف تنطفئ حتما، حين تتفاجأ الفتاة بأن هناك شخصًا آخر غير ذلك الشخص المنمق والذي يرتدي أفضل ملابسه ويستعمل أغلى روائحه متجملا كي يعجب الفتاة التي التقطها من الشارع في غياب والديها، تجد رجلا أشعث، أغبر، رائحة عرقه تسبقه وهو قادم من عمله، ملابسه مغبرة، يحمل هموم الدنيا في وجهه نتيجة الضغوط التي يلاقيها خارج بيته، ليلقى فتاة منهكة، لم تنم جيدا بسبب بكاء وسهر طفلها، تريد المزيد من النفقات في ظل صعوبة الوضع الاقتصادي، هو يتشاجر ضجرا، وهي ترفع صوتها عجزا، ليشتعل البيت بينما كل منهما يقارن بين من يراه أمامه الآن، وبين الملاك الذي كان يقابله سابقا، لينطفئ الحب مع أول مشكلة، ولا يبقى لهما سوى التقوى، والرجوع إلى الشرع، في الحفاظ على أواصر المودة والرحمة.

 

لقد ضاعت مفاهيم الزواج عند الشباب، فصاروا في حيرة في الاختيار وطريقة الزواج، بينما الحقيقة أمامهم واضحة، وساحات المحاكم تشهد بآلاف القضايا للنفقة وغيرها بين أكثر الشباب المتحابين بين زملائهم، فهل هذه طريقة زواج تحبين خوضها؟

 

ثانيا: تتساءلين، هل يمكن أن يأتي الحب بعد الزواج؟ وأقول لك غاليتي، إن الحب الحقيقي الذي يترجم إلى عمل، لا يأتي إلا بعد الزواج؟ قارني بين حياة أجدادك، وبين حياة صديقاتك اللاتي تزوجن، هل سمعت جدك يوما يترنم بكلمات الحب والغرام لجدتك؟ أكاد أُجزم أنك لم تسمعيهما يوما يذكران تلك الكلمات، لكن جدتك لا تطيق عليه وجعًا ولو كان مجرد صداع صغير يؤلمه لبضع ساعات، ولن يطيق جدك عن جدتك بعدًا ليوم واحد، وإن قضته في بيوت أحد أبنائهما.

 

أتدرين لماذا؟ لأنهما عاشا بطبيعتهما دون تلوث فطرتهما بالأفلام والمسلسلات التي هدمت الفكر وشوهت معايير الأسرة وأسباب قوتها، لقد فهم كل طرف واجباته بالقلب والعقل، فقام بها قبل أن يسأل عن حقوقه، لم يمسك كل طرف منهما قلمًا وورقة معددًا حقوقه عند الآخر، ولم يقل لقد حسبناها جيدًا، ثم تأتي الصراعات بعد ذلك حين تنكشف الحقائق ويبدو كل طرف بطبيعته أمام الآخر، دون كذب، ودون تجمل، ودون أحلام وردية بعيدة عن الواقع بمشكلاته وتعقيداته.

 

فآلية الاختيار يجب ألا تمثل حيرة لك أو لأي فتاة أخرى، ففي الشرع لا علاقات كالتي نراها اليوم في الحدائق والمنتزهات، وغيرها، في الشرع تحفظ الفتاة نفسها وقلبها حتى لا ينفتح إلا لمن سيصونها ويتقي الله فيها، على الفتاة أن تترك الأمر لأهلها ليسألوا ويتفحصوا المتقدم ليطمئنوا لأخلاقه ودينه، فالحياة أقسى من أن تعتمد على ما يسمى بالحب، تترك الأمر لهم ليتيقنوا أنهم اختاروا لابنتهم من يستطيع تحمل مهمة الزواج الشاقة، كي تهنأ بحياتها، ويحب أحدهما الآخر فوق الحب وفوق الشهوة، وما اختاره الله ليكون أساسًا لبيوت المسلمين: المودة والرحمة.

 

وفقك الله حبيبتي للاختيار الأنسب على قواعد متينة ومضمونة في ظل شريعة رب العالمين.