الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
68 - رقم الاستشارة : 1150
27/02/2025
زوجي شديد الغيرة بطريقة خانقة فإذا عملت لايك عند ابن عمي تحدث مشكلة، وإذا قمت بالرد على تهنئة له بسبب أي مناسبة تكون مشاجرة حادة، وإذا سألت طبيب الأطفال عن شيء أثناء الكشف يتهمني بأشياء فظيعة، وأنا لم أعد أطيق هذه الحياة، وهو خارج هذه المشكلة كريم وعطوف وفيه كل الصفات الحلوة ماذا أفعل؟
صديقتي تقول لي هدديه بالطلاق كي يرتدع، وصديقة أخرى تقول لي إنه يريد سحق شخصيتك بهذه الطريقة حتى لا يكون لك أحد في هذه الحياة غيره، وأنا فعلا حائرة في كيفية التصرف السليم.
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الالكترونية للاستشارات.. هل أبدأ حديثي معك بمقترحات صديقاتك ونصائحهن لك.. تلك النصائح التقليدية التي كثيرًا جدًّا ما خربت بيوتًا وأفسدت حياة كثير من الأسر المستقرة.. غاليتي ما بينك وبين زوجك يناقش في الدائرة الضيقة الخاصة بينك وبينه فهذه أسرار بيتك –غاليتي- لا تفرطي فيها بمثل هذه البساطة وتجعلى بيتك مكشوفًا أمام الآخرين حتى صديقاتك.. ثم ماذا جنيت من إخبارهن سوى نصيحتين كل منهما كفيلة بهدم بيتك وتحطيم أسرتك، فخيرًا فعلت بطلب الاستشارة، وإن شاء الله تعالى نساعدك ونلهمك حلا يجعلك تعيشين سعادتك الخاصة في منأى عن هذه الغيرة القاتلة.
بوابة الجحيم
ابنتي الحبيبة، "الطلاق" ليس كلمة سهلة يسيرة نستخدمها كورقة ضغط؛ إنها كلمة بالغة الخطورة لو حدث ووقعت فإن القادم من حياتك كله سيختلف عما مضى منها وللأسف الشديد فهو أصبح شائعًا للغاية، ففي كل صفحات وجروبات مشاكل الحياة الزوجية ستجدين أنه الحل الشائع في التعليقات خاصة من النساء: "تطلقي".. "اخلعيه".. "أنت ليه مستمرة".. ستجدين كثيرًا من النساء المشاهير ولديهن آلاف المتابعين يحكون تجربتهم في الطلاق وتجربتهن في النهوض بعدها وكيف أصبحت حياتهم ملونة تغرد العصافير في سمائها!
وستجدين كثيرًا ممن يتصدى للإرشاد يتحدث عن شرعية الطلاق وإنه حل جيد جدًّا، وعلى الرغم من أنهم يزيلون حديثهم بقولهم "إذا استحالت العشرة" فإنها كثيرًا ما تكون كلمة حق استخدمت لشيوع الباطل، فإذا كنت تتحدث في مقال 90% من مضمونه عن الطلاق كحل ثم جئت في 10% وتحدثت عن ضوابطه وشروطه وعدم التعجل فيه حتى تلبس ثياب الموضوعية، فهذه موضوعية مزيفة.
لكن هل يصلح الطلاق كهدف غير مقصود أو كورقة ضغط.. نعم يصلح في حالات نادرة، مشكلتك بالتحديد لا تندرج تحت أي منها، وفي حالتك أنت بالذات قد يصبح التلويح بالطلاق رافدًا يصل الشك بالغيرة، فلِم تفتحين يا ابنتي على نفسك بوابات الجحيم؟
لماذا يغار؟
صديقتك الأخرى تفسر لك الأمر بأنه يريد سحق شخصيتك وعزلك اجتماعيًّا عن محيطك حتى لا يكون لك أحد في الحياة غيره، ويمكن تصور بقية عبارتها "ووقتها يبيع فيك ويشتري ويقوم بإذلالك وإهانتك وأنت لا تملكين من أمرك شيئًا بعد أن فقدت السند والدعم"، وهو سيناريو سوداوي مستوحى من جروبات المشاكل الزوجية ونصائح مختصي الإرشاد الزوجي الذي يسير على خطوات المنهج الغربي في حل مشاكل العلاقات.
تريدين تفسيرًا إذن لغيرته القاتلة كما تصفينها أليس كذلك؟
بالطبع تعلمين أن الغيرة في حدودها الطبيعية الآمنة هي من الصفات التي يُحمد بها الرجل ولا يعاب، ولكنك تصفين غيرته بالخانقة، مما يعني أنه في نظرك أنه تجاوز حد الاعتدال، ويبدو لي ذلك صحيحًا من موقفه مع طبيب الأطفال، إلا أنه لم يصل أيضًا حد الغيرة القاتلة والشك المرضي وهو جانب ضعف في شخصيته ولا شك، ولن أستطيع الجزم بأسباب ذلك فقد يعود ذلك لظروف تربيته الأسرية أو تجربة وموقف مر به وهو شاب أو من كثرة ما سمع من مشكلات أو غير ذلك، ولن يفيد تحري الأمر كثيرًا، ففي النهاية أصبحت هذه سمة من سمات شخصيته، وأنت بالتأكيد لست معالجًا نفسيًّا كي تخلصيه منها.
سوف أوجه إليك سؤالا وأريدك أن تتريثي في إجابته وتمرريه في عقلك عدة مرات هل يوجد رجل (بل هل يوجد إنسان) في هذا الكون بلا عيوب؟
أنت تقولين عنه إنه حنون وعطوف، وإنه كريم، وإن به صفات كثيرة جميلة "وفيه كل الصفات الحلوة"، أليس هذا بحق رائعًا يا ابنتي؟
ألا تغفر له مزاياه العديدة نقطة ضعفه الوحيدة؟
يمكنك ابنتي أن تديري نقطة الضعف هذه فتجعلين آثارها في أضيق الحدود الممكنة وسوف أشرح لك ذلك في السطور القادمة.
إدارة نقاط الضعف
ابنتي الغالية، نقطة ضعف زوجك الأساسية هي الغيرة وأهم استراتيجية تستخدمينها هي استراتيجية التجنب، فعليك أن تتجنبي ما يثير غيرته فلا تتكرر المشكلة مرتين، ولتكن قدوتك في ذلك السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق وكان زوجها الزبير شديد الغيرة، تقول أسماء: "تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال إخ إخ ليحملني خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال والله لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه، قالت حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني".
فأسماء ترفض أن تسير مع الرجال وفيهم النبي صلى عليه وسلم حتى تتجنب غيرة الزبير، حتى إن الزبير نفسه أشفق عليها مما حملت به نفسها.
فأنت –غاليتي- تجنبي ما يثير غيرة زوجك.. لا تجعلي في صفحاتك على مواقع التواصل غير النساء والمحارم حتى لا تخطئي بعمل إعجاب أو تعليق ثم تحدث مشكلة.. نفس الأمر ينطبق على التهنئة وردها على الخاص.. صدقيني لن يحدث شيء مطلقًا ولن تكوني في حرج مع أقاربك.. أقصى ما سيقال إن زوجك رجل غيور وثقي أن كثير من النساء يحسدنك على ذلك.
يمكنك استخدام استراتيجية التجنب في كل موقف فيه رجال، فمثلا عند زيارة طبيب الأطفال هو كان معك.. كان من الممكن أن تقولي لزوجك بصوت خفيض: اسأل الطبيب عن كذا وكذا.. وإن اضطررت لسؤال الطبيب مباشرة فلا داعي للتواصل البصري.
لست بحاجة أن أقول لك إنه يجب عليك مراعاة شرعية ملابسك فهذا فرض إلهي وليس تماهيًا مع غيرة زوجك، ولكن هو يغار عندما ترتدين ألوانًا معينة أو يريدك أن ترتدي الداكن من الثياب فما المانع من ذلك؟.. يمكنك التحاور معه.. تقديم أدلتك الشرعية، لكن في نهاية الأمر إذا أصر على موقفه فلا تثيري المشاكل على مثل هذه النوعية من المشاكل الصغيرة.
ابنتي الغالية، نصيحتي الأولى والأخيرة لك والتي لا أملّ من تكرارها مع كل استشارة أن تلجئي إلى الله وتدعيه متلمسة أوقات الإجابة أن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك وأن يصلح ذات بينكما وأن يجنبكما الشيطان، وتابعيني بأخبارك دائمًا.