Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 115
  • رقم الاستشارة : 1660
19/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أتوجه إليكِ بهذا السؤال آملاً أن أجد منكِ توجيهًا ونصيحة تساعدني في التعامل مع حالتي.

أنا أم لأربعة أبناء جميعهم ذكور، وزوجي مشغول دائمًا بأعماله، مما يجعلني أتحمل مسؤولية كبيرة في تربية الأولاد ورعاية المنزل.

أعيش في حالة من الشغل المستمر، من الاهتمام بكل احتياجات أولادي ومتابعة دراستهم وأنشطتهم، إلى تدبير أمور المنزل. رغم أنني أحرص على أن يكون كل شيء على ما يرام من حولي، إلا أنني أشعر بالإرهاق الشديد، سواء الجسدي أو النفسي، وأفتقد الحنان والدعم العاطفي الذي يريحني ويعطيني طاقة للاستمرار.

أحيانًا أشعر بالوحدة رغم وجود زوجي وأبنائي، ولا أجد وقتًا أو فرصة للاهتمام بنفسي أو استعادة قوتي النفسية. إحساس بالتعب النفسي والإرهاق المستمر، وشعور بعدم تلبية احتياجاتي العاطفية في ظل الحياة اليومية المزدحمة، يؤثر عليَّ كثيرًا، وأشعر بأنني بحاجة إلى الدعم.. هل هناك نصائح عملية أو روحانية تساعدني على استعادة توازني العاطفي والنفسي؟

الإجابة 19/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

مرحبًا بكِ أيتها الأم النبيلة المجاهدة،

 

كم أشعر بقلبكِ النابض عطاءً وتحمّلًا، وبثِقلكِ الصامت الذي لا يراه كثيرون، ولكن الله يراه، وهو أرحم بك من نفسك، وأعلم بما تحملينه في صدرك من تعب واحتياج.

 

وتأكدي يا حبيبتي أن ثقتك في طلب المساعدة هذه، هي أولى خطوات التعافي إن شاء الله تعالى.

 

أولًا: لا بد أن تعلمي أن ما تمرين به طبيعي، لكنه يستحق الوقوف عنده..

 

حيث تُسمى هذه الحالة التي تصفينها في علم النفس الأسري بـالإرهاق الأمومي (Maternal Burnout)  وأحيانا نسميها الاحتراق العاطفي الأسري (Parental Emotional Exhaustion)، وهي حالة تصيب الأمهات اللاتي يتحملن مسؤوليات متعددة، في ظل غياب الدعم العاطفي والاجتماعي.

 

كذلك فإن شعوركِ بالوحدة رغم وجود أفراد أسرتك هو ما يُعرف بـالوحدة النفسية العميقة (Emotional Loneliness)، وهي ليست قلة عدد من حولك، بل غياب من يفهمكِ ويحتضن ضعفكِ دون حكم أو لوم.

 

وما يزيد هذه المشاعر تعقيدًا هو ما يُعرف بـالمثالية المرهقة (Toxic Perfectionism)؛ حين تحاولين أن يكون كل شيء على ما يرام، وأن تعطي كل طاقتك للآخرين، وتغفلي عن حقكِ الإنساني في العناية بنفسك. قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، فهلّا رحمتِ نفسكِ كما رحمكِ ربكِ؟

 

ثانيًا: نعم، لكِ الحق في الحنان والدعم والاهتمام..

 

فاحتياجكِ للدعم العاطفي ليس ضعفًا، بل هو احتياج فطري لكل إنسان، خاصة لمن تُنفق من مشاعرها طيلة الوقت ولا تجد من يردّ عليها بحضن أو كلمة طيبة. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- رغم مسؤولياته العظيمة، يُعبّر عن مشاعره دائما تجاه زوجاته ويسمعهن ألطف الكلمات، ذلك لحاجتنا كبشر إلى الحُبّ والدفء، لا إلى الإنجاز فقط.

 

* وإليك غاليتي خطوات عملية وروحانية لاستعادة توازنك النفسي والعاطفي:

 

1- الاعتراف بحقك الإنساني في الراحة والاهتمام بالنفس..

 

خصصي وقتًا ثابتًا أسبوعيًّا لنفسك، ولو نصف ساعة فقط، واعتبريها "مساحة مقدسة" لا يجوز التعدي عليها، يُطلق عليها في العلاج الأسري: "Self-Care Rituals" ، أي طقوس العناية بالذات.

 

2- التنفس التفريغي وتمارين التفريغ النفسي  (Emotional Ventilation)

 

كل صباح وقبل النوم، خذي ثلاث دقائق فقط للتنفس بعمق، وتأملي فيها رحمة الله، ورددي بصوت داخلي هادئ: "أنا أستحق الحب، أستحق الراحة، لست وحدي، الله معي". هذه الجمل تُعدّ من تقنيات الإقرار الإيجابي التي تدعم نفسيتك.

 

3- من المهم كذلك أن تمارسي العزلة الخفيفة المشبعة

 

بمعنى، أنه ولو مرة في الأسبوع، اجلسي وحدكِ في مكان هادئ، دون مهام، دون هاتف، فقط دعي قلبك يتحدث، وأذنيكِ تنصتان لصوتك الداخلي. قال الحسن البصري: "تفكر ساعة خير من قيام ليلة". والتفكر هنا علاج نفسي وروحي معًا.

 

٤- حاولي أن تبني شبكة دعم مصغّرة  (Support System)

 

تواصلي مع صديقة تُحبك، أو أخت تُريحك، ولا تظني أن الحديث عن مشاعرك شكوى، بل هو جزء من "التفريغ العاطفي السليم" (Healthy Emotional Expression).

 

5- ودائمًا ادعي الله بما في قلبك بصوتك، وأكثري من مناجاة الله، وعبّري له عن احتياجاتك؛ فالله تعالى أرحم وأحن علينا من أنفسنا وليس المحيطين بنا فقط.

 

6- ثم عليكِ أن تستحضري الأثر لا الإنجاز

 

أي تذكّري أن الله لا يُحاسبك على الكمال، بل على نيتك وصبرك ومحبتك. فلقد قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}.

 

أختي الصبورة.. ثقي أنك قدر المسؤولية؛ لأن الله تعالى يكلف كل شخص قدر ما يعلم من استطاعته، لا بتقدير الشخص لذاته.. كما أن قوتك تكمن في أنكِ تبكين بصمت ثم تبتسمين لأبنائك.

 

وأنتِ عظيمة لأنكِ تُعطين الحب وأنتِ في أمسّ الحاجة إليه. فكوني على يقين أنكِ لست وحدكِ؛ فالله يرى ويسمع ويُعد لكِ أجرًا لا يخطر على قلب بشر بإذنه وحوله وقدرته.

 

* همسة أخيرة لأختي الغالية:

 

امنحي نفسكِ شيئًا من الحنان الذي تمنحين غيركِ إياه، وارفقي بنفسكِ، فالرفق دواء النفوس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله".

 

قلبي معكِ، ودعائي لكِ بالسكينة والطمأنينة، وأنا هنا دومًا إذا احتجتِ لأخت لك في الله وباب مفتوح للنصح وتفريج الكرب.

الرابط المختصر :