الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
85 - رقم الاستشارة : 1344
17/03/2025
عمري ٢٧ عاما، متزوجة منذ ٣ أعوام، كنت أتمنى عندما تزوجت أن أتمكن من التغيير، وأن أصبح أكثر قدرة على التعامل مع الناس، لكنني وجدت أن الأمور ازدادت سوءًا، وأصبحت نفسيتي متعبة للغاية.
بعد أن منَّ الله عليَّ بابنة، أصبحت أخشى أن تكبر وتراني شخصية ضعيفة مهزوزة. أريد أن أتعلم كيف أرد على من يجرحني بكلامه أو يحاول التقليل من شأني.
إنني شخص طيب لا أحب إيذاء الآخرين ولو بكلمة، حتى إن تجاوز أحدهم في حقي أو حاول التدخل في حياتي بشكل غير مقبول، لا أستطيع ردعه كما يفعل الآخرون.
أدرك أن هذا خطئي، لكنني لا أعرف كيف أواجههم وأضع لهم حدًّا، خاصة أنهم ينظرون إليَّ على أنني ساذجة وقليلة الفهم.. فكيف يمكنني مواجهة هذا الوضع، والتعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص بحكمة وقوة دون أن أفقد طبيعتي الطيبة؟
ابنتي العزيزة،
ألمس في كلماتك إحساسًا بالضعف والحيرة، وأقدر مشاعرك تمامًا، لكن دعيني أخبرك بأن ما تعتبرينه ضعفًا قد يكون في حقيقته قوةً لم تكتشفيها بعد.
فطيبتك ليست عيبًا، بل هي من أجمل الصفات، لكن المشكلة ليست في الطيبة نفسها، وإنما في عدم القدرة على وضع الحدود التي تحميك من استغلال الآخرين.
حبيبتي.. إن ما تمرين به يُعرف في علم النفس التربوي بـ"الافتقار إلى المهارات الاجتماعية الدفاعية" (Defensive Social Skills)، أي عدم القدرة على حماية الذات من الضغوط الاجتماعية السلبية.. وهذا لا يعني أنك ضعيفة، بل أنك لم تكتسبي بعد الأدوات المناسبة للتعامل مع الأشخاص السلبيين، وهي مهارات يمكن تعلمها وتطويرها.
كذلك، فإن نظرة الآخرين إليك على أنك "ساذجة" أو "لا تفهمين شيئًا" ربما تكون بسبب أنك لا تُظهرين لهم قدرتك على الحزم والرفض، فتُفهم طيبتك على أنها ضعف، بينما هي في حقيقتها تسامح يحتاج إلى ضوابط.
وهنا وجب عليك أن تضعي حدودًا للآخرين دون أن تفقدي طيبتك.. ويكون ذلك بالآتي:
1- تعلمي فن الصمت المُهيب أو الـ(Strategic Silence)..
فأحيانًا يكون عدم الرد أبلغ من أي كلمات، لكن بشرط أن يكون صمتًا معبرًا عن الرفض، وليس صمتًا يعكس الهزيمة.
انظري إلى من يتحدث إليكِ بنظرة ثابتة وهادئة، ثم اكتفي بجمل قصيرة مثل:
"أنا لا أقبل هذا الأسلوب."
"هذا رأيك، وأنا لي رأيي."
"أفضّل أن لا نتحدث عن هذا الموضوع."
هذا النوع من الردود يقطع الطريق على المتجاوزين دون الدخول في جدال طويل.
وفي هذا قال الإمام الشافعي رحمه الله:
إذا نطق السفيه فلا تجبهُ *** فخيرٌ من إجابته السكوتُ
وهذا يعني أن الرد ليس دائمًا ضروريًّا، بل الأهم هو اختيار متى تردين وكيف.
2- استخدمي "تقنية الأسطوانة المشروخة" (Broken Record Technique) وهي تكرار عبارة حازمة بثبات دون انفعال، مثل:
"أقدر رأيك، لكنني أرى الأمور بشكل مختلف."
"أنا مرتاحة مع قراراتي، وشكرًا لاهتمامك."
ومع التكرار دون تغيير، سيشعر الطرف الآخر بعدم جدوى الضغط عليك، فيتوقف.
3- تعلمي قول "لا" دون تبرير زائد: كثير من الناس يخطئون عندما يعتقدون أن رفضهم لشيء معين يحتاج إلى تبرير طويل، وهذا يجعلهم عرضة للضغط والإحراج.. فاحسمي أمرك في كل موقف وقولي فقط:
"لا، هذا لا يناسبني"
"أفضل فعل كذا "
أي لا داعي لتبريرات إضافية؛ لأن الإكثار منها يعطي فرصة للطرف الآخر ليجادلك.
4- مهم أيضًا أن تستخدمي وبثقة لغة الجسد"Body language"
اجعلي وقفتك مستقيمة، ونظرتك مباشرة، ونبرة صوتك ثابتة؛ حيث إن الأشخاص الذين يظهرون لغة جسد واثقة يُقلل الآخرون من محاولة التعدي عليهم.
5- وجميل أن الرد على الآخرين يكون بروح الدعابة أحيانًا..
فبعض المواقف يمكن التعامل معها برد ساخر ولكن ذكي وبدون إهانة أو تجريح أو كلمات تحسب عليكِ، على سبيل المثال، كأن يقول أحدهم لك: "أنتِ لا تفهمين شيئًا".. فتردين بابتسامة: "الحمد لله أنني مرتاحة البال، على عكس كثيرين يفهمون كل شيء ويعيشون في قلق دائم!"
وهكذا إلى أن تتدربي على الثقة بالنفس والثبات الانفعالى الذي يعزز ويقوي من شخصيتك.. ولقد قال النبي ﷺ: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز".
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، معروفًا بحزمه مع الظالمين ولينه مع الصالحين، وكان يقول: "لست بالخب ولا الخب يخدعني"، أي أنه ليس خبيثًا، لكنه أيضًا ليس ساذجًا يُخدع بسهولة.
وسترين يا بنتي أن كل ما سبق ليس تدريبًا لك فقط، بل هو تمهيد لتربية أفضل لابنتك.
ولأنك تخشين عليها أن تكبر وهي تري فيك الشخصية الضعيفة المهزوزة، فلا بد أن تعملي أولا على بناء شخصيتك القوية للأفضل بإصرار وذلك لحماية ابنتك نفسيًّا وتكوين شخصيتها السوية، حتى لا يتكرر معها ما تمرين به حاليا..
هذا لأن الأبناء يتعلمون بالملاحظة أكثر من التلقين، فإذا رأتكِ ابنتك تضعين حدودًا، وترفضين التجاوزات بأسلوب هادئ وحازم، فستتعلم منكِ ذلك تلقائيًّا.
فلا تجعليها ترى الاستسلام، بل اجعليها ترى التسامح الحكيم، والرفض المهذب، والحزم بلا قسوة.
* وإليك أيضًا بعض النصائح المهمة لتطوير الذات وبناء الثقة:
1- حاولي أن تقرئي عن الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence)، فهو يساعدكِ على فهم نفسكِ والآخرين.
2- مارسي تمارين التأكيد الذاتي (Assertiveness Training)، وهي تمارين لتقوية القدرة على التعبير عن النفس بثقة.
3- أحيطي نفسكِ بأشخاص إيجابيين يشجعونكِ، وبقدر الإمكان، قللي من التعامل مع السلبيين المحبطين لك.
* وختامًا أهمس لك ابنتي الغالية:
ثقي أن طيبتكِ نعمة، فلا تجعليها سلاحًا ضدكِ..
فأن تكوني طيبة لا يعني أن تكوني ضعيفة.
ويمكنكِ أن تكوني رحيمة وعادلة دون أن تسمحي لأحد باستغلالكِ.
وتذكري قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تكن ليّنًا فتُعصر، ولا تكن صلبًا فتُكسر".
كوني واثقة من نفسك، وضعي حدودكِ بحكمة، وستجدين أن احترام الآخرين لكِ سيتغير تلقائيًّا إن شاء الله تعالى.
أتمنى لك كل التوفيق والخير والقوة.