الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
76 - رقم الاستشارة : 1908
11/05/2025
السلام عليكم يا دكتورة،
أنا بنت عندي ٢٩ سنة ومخطوبة بقالنا ٦ شهور، وخطيبي بيجهز نفسه للزواج على العيد الكبير الجاي، وفعلاً حدد ميعاد كتب الكتاب والزفاف في تاني أو تالت أيام عيد الأضحى، لأنه مرتبط بسفر شغله بعدها على طول.
المشكلة يا دكتورة إن أنا كنت مقدّمة من فترة للحج مع بابا وماما، والحمد لله طلع اسمي معاهم السنة دي، وفرحنا جدًا، خصوصًا إن دي يمكن تبقى الفرصة الوحيدة نطلع فيها الحج مع بعض، لأني عارفة إن بعد الجواز والولاد والمسؤوليات ممكن الفرصة دي ماتتكررش.
ولما قلت لخطيبي، اتصدم وقال لي: "يعني تروحي الحج وتبوّظي فرحنا؟ هو أنا مش أَولى؟! طب خلاص، لو سافرتي، أنا هأجل الجواز أكتر من شهر، لأني مش هقدر أستنى بعد العيد!".
أنا فعلاً دلوقتي واقفة بين نارين: يا أختار الحج مع أهلي، حلم عمري، يا أختار إن الجواز يتم في ميعاده قبل ما يسافر، وهو دلوقتي بيخيرني صراحة، وبيقول "يا أنا، يا الحج السنة دي!".
أنا مش عارفة هو معاه حق ولا لأ، ولا أنا اللي غلطانة إني قدمت للحج من وراه، بس والله ما كنتش متأكدة إنه هيتم الجواز بسرعة كده!
بصراحة محتاجة رأي حضرتك.. أختار إيه؟! وهل فعلاً خطيبي بيحبني بس عايزني أكون معاه، ولا أناني ومش مقدّر قيمة الحج؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
ابنتي الكريمة، أسأل الله أن يشرح صدركِ للخير، ويرزقكِ التوفيق في قراراتكِ المصيرية، وما أشعر به من كلماتكِ أن قلبكِ حي، متردد بين الوفاء بعهد عظيم لله، وبين شراكة العمر مع من اخترته شريكًا لدربك. وهذه الحيرة بحد ذاتها دليل على وعيك ونُضجك.
اسمحي لي أن أبدأ من حيث يجب:
الحج ركنٌ من أركان الإسلام، فريضة العمر لمن استطاع إليه سبيلًا، وقد قال رسول الله ﷺ: "العُمرة إلى العُمرة كفّارة لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة".
فأنتِ الآن أمام فرصة قد لا تتكرر بسهولة، وهي حجُّ مع والديكِ، وهذا باب عظيم من برّ الوالدين، لن تناليه بنفس المعنى بعد الزواج. والواقع يقول إن تأجيل الزواج أسهل بكثير من تأجيل ركن من أركان الإسلام.
لكن دعيني أنتقل بكِ إلى الجانب النفسي الأسري.
من الناحية النفسية التربوية الأسرية أي قرار في العلاقة الزوجية يجب أن يقوم على "الدعم العاطفي المتبادل" (Mutual Emotional Support) و"تفهّم الأولويات الفردية" (Individual Needs Integration)، خاصة في فترة ما قبل الزواج التي تُظهر مدى نُضج الشريك ومدى قبوله لحقوق الآخر الروحية والشخصية.
سلوك خطيبكِ –بحسب وصفكِ– يشير إلى استخدامه أسلوب "التخيير تحت ضغط زمني"، وهو أحد مؤشرات الأنانية العاطفية المقنّعة، التي يجب أن تتوقفي عندها لا للاتهام، ولكن للفهم والتقييم.
ليس من السهل أن يخيّركِ شريك المستقبل بين الزواج وبَين حجّ بيت الله، إن كان يراكِ حقًّا شريكة روحية ودينية قبل أن تكوني زوجة.
وهنا لا أتحدث من منطلق عاطفي فقط، بل من منظور ديني تربوي نفسي متكامل، حيث إن الزواج الناجح يقوم على قاعدة: "نتقاسم الطريق إلى الله، لا نتنافس عليه".
ابنتي، العلاقة الصحية (Healthy Relationship) تقوم على ثلاثة أركان:
١- التفاهم العميق حول القيم الجوهرية.
٢- الاحترام المتبادل للقرارات الفردية النابعة من الإيمان.
٣- القدرة على إدارة الخلاف بالحوار لا بالضغط.
فإذا كان خطيبكِ يرى أن ذهابكِ للحج "إضرار به" بدل أن يراه "ارتقاء لكِ"، فهذا يدعو إلى وقفة تأمل.
فمن أدراكِ، فربما بعد تضحيتك بالحج، فقد يتعرقل زواجكما لأى أم آخر –لا قدر الله- وهنا ستكونين خسرت الحج وأيضًا لم تتزوجا في نفس الموعد المحدد!
لكنني هنا لا أدعوكِ لتركه ولا لرفض الزواج، بل أدعوكِ لشيء واحد: قولي له بثقة نابعة من رُشدكِ وقلبكِ: "أنا ذاهبة لحجّ بيت الله، ثم أعود إليك شريكة عمر لا تُقدّم أحدًا على طاعة ربها، فإن كنتَ ترى أن زواجي بك يستحق أن يُبنى على طاعة، فانتظرني، وإن لم تحتمل هذا، فلعل الله أن يعوّضني خيرًا".
فالمعيار الحقيقي لاختيار شريك الحياة ليس فقط التوافق، بل القدرة على التحمُّل النفسي للمواقف الإيمانية والمصيرية.
وتذكّري قول ابن الجوزي رحمه الله: "ما أغلق الله على عبد بابًا بحكمته، إلا وفتح له بابين برحمته".
* وخلاصة القول من وجهة نظري المتواضعة، وبالطبع الرأي الأخير لك حبيبتي:
- لا تتخلي عن فرصة الحج من أجل إرضاء مشاعر مؤقتة.
- افهمي موقف خطيبك جيدًا، لكن لا تضحّي بحقٍّ شرعي وروحي من أجل تيسير ظرف زمني.
- قيمي ردود أفعاله؛ لأنها انعكاس لعمق نضجه العاطفي والديني.
اثبتي على ما يرضي الله، فمن يرضى عن طاعتكِ، سيرضى بكِ زوجة وأُمًّا ورفيقة درب.
* همسة أخيرة لقلب ابنتي الغالية:
أدعوكِ أن تستخيري الله كثيرًا، فإن القلوب بين أصابعه، يقلبها كيف يشاء، وإن اختاركِ الله لحجّ بيته هذا العام، فثقي أن الخير كلّه فيما كتبه لكِ.