الإستشارة - المستشار : د. يحيى عثمان
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
260 - رقم الاستشارة : 516
06/08/2023
أستاذي الكريم، أنا سيدة متزوجة منذ 15 عاماً والحمد لله علاقتي بزوجي طيبة، زوجي رجل أعمال ناجح ونعيش في رغد من العيش، إلا أنه من وقت لآخر يتحسر لأنه لم يحقق أمله ويصبح أستاذاً مشهوراً بكلية الطب ويمتلك عيادة كما كان يحلم وقد حقق أخوه حلمه، رزقنا الله بولدين؛ أحمد (14 عاماً)، وعمر (13 عاماً)، وريم (4 سنوات)، المشكلة التي تحطمني هي تعامل زوجي الخاطئ مع ولدينا، منذ الصغر وواضح تميز عمر بذكائه الفذ، وتزيد الفجوة مقارنة بأخيه الأكبر ذي القدرات العقلية العادية، ودعني أوضح سمات كل منهما. عمر لا يهتم إلا بدراسته فقط ليس لديه أي هوايات، تواصله الاجتماعي محدود محط إعجاب وتقدير من مدرسيه، وهو غير متعاون يميل إلى التحدي والزهو بذاته، لديه استعلاء حتى معي، غير منتظم في الصلاة، مجادل، لا يكذب ولكنه لا يقول الصدق، يستخدم ذكاءه في المراوغة، أما أحمد فيبذل جهداً طيباً في دراسته ومعدله الدراسي في المتوسط جيد، اجتماعي يسارع إلى المساعدة، مثقف يقرأ في عدة مجالات، يمارس الرياضة، على صلة جيدة بصلة رحمه. زوجي يجد في عمر الصورة التي تمنى أن يحققها هو ولم يوفق، ومنذ أن كان في الروضة وهو يناديه بالدكتور، دائم الإشادة به، محط رعاية فائقة على حساب أحمد، وفي المقابل لا يهتم بأحمد، عندما يأتي بكشف الدرجات يسأله قبل أن يطلع عليها، طبعاً لم تستطع أن تحصل على امتياز، وتكون أول الفصل مثل الدكتور! ويظل يقارنه بأخيه الصغير، لدرجة أني كرهت يوم وصول كشف الدرجات. رغم اتباع زوجي هذا الأسلوب الخطأ مع أحمد وتأنيبه والسخرية منه بسبب تقصيره الدراسي -من وجهة نظره- منذ بداية مسيرتهما الدراسية، فإن ما أقلقني هو أنني لاحظت بعض السلبيات تظهر من أحمد مثل نفوره من أبيه، وأسرّ لي أنه لا يحبه، كما أن علاقته بأخيه ساءت جداً، ولم تعد مجرد شجار مع أخيه، بل أصبح يتعمد إيلامه وأذيته، ناهيك عن عزوفه عن الدراسة وقضاء معظم وقته بالنادي؛ ما زاد من حنق أبيه عليه وإهماله له وسخريته وتأنيبه. أي محاولة مني مع زوجي دائماً ما تنتهي بمشكلة بيننا، وكأنه يعاندني فيبالغ في الإساءة لأحمد. زوجي من قراء مجلتكم الموقرة، فأرجو أن أجد علاجاً لمشكلتي التي تكاد تعصف ببيتنا، وجزاكم
من الأخطاء الشائعة للأسف التقييم من محور واحد فقط؛ وهو عادة ما يكون كشف الدرجات! وذلك للأسباب التالية: – توجيه كل جهود الولد نحو التحصيل الدراسي. – إهمال باقي مصادر المعرفة الأخرى. – قد يؤثر ذلك على نشاط الولد الديني والاجتماعي والرياضي والمشاركة الحياتية مع الأسرة والمدرسة والمجتمع بصفة عامة. 2- التركيز على كشف الدرجات دون الاهتمام بالمجهود الذي يبذله الولد في التحصيل، ما قد يصيبه بالإحباط إذا ما اجتهد ولم يوفق في الامتحان، كما أن التركيز على كشف الدرجات قد يدفعه إلى الغش. 3- المقارنة مع الآخر: من الناحية العلمية هذا خطأ فادح لأن لكل ولد إمكانياته العقلية وقدراته على الدراسة، بالإضافة إلى مدى كفاءة البيئة الدراسية التي يدرس بها، ناهيك عن مدى توافقه النفسي مع البيئة النفسية للمدرسة؛ فمن المعلوم أن تمكن الولد من استيعاب المادة العلمية يتوقف بالمقام الأول على تقبله النفسي للمدرس قبل كفاءة المدرس في عرض المادة العلمية. ب- كيف نقيم أولادنا؟ 1- شمولية عوامل التقييم: إن من أهداف التربية تخريج جيل قادر على التفاعل الإيجابي مع الحياة، من خلال توليد الدوافع لديه نحو التحصيل المعرفي ليس فقط التخصصي، فالمرحلة الدراسية تدريب على تحمل المسؤولية والتعلم، وليست هي المصدر الوحيد لذلك، بل ما يحصله الولد من خلال تفاعله مع أسرته والمسجد والنادي العائلة والشارع أضعاف ما يحصله من المدرسة، بل ويفوق أثره؛ لذا عند تقييم أولادنا لا نأخذ في الاعتبار أداءه الدراسي فقط؛ بل كل نشاطاته. 2- التركيز على المجهود: يقول الله عز وجل: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105)، إن الله عز وجل يحاسبنا على ما نبذله من جهد حسب طاقتنا أما نتيجة ذلك فلا علاقة لنا بها، لأن النتائج تتوقف على توفيق الله بعد الأخذ بالأسباب؛ لذا يجب تقييم الأولاد بناء على قدراتهم وما يبذلونه من مجهود فقط؛ فكم بذل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهد مع عمه أبي طالب؟ هل يقلل ذلك من أجر الرسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته؟ إن متابعتنا للجهود التي يبذلها أولادنا يجب أن تكون طبقا لطاقاتهم وقدراتهم، وعلينا الإشادة بهم إذا ما بذلوا الممكن، وتحفيزهم إذا ما قصروا، ونخفف عنهم توجسهم من نتائج الامتحانات ليطمئنوا وتزول عنهم رهبة النتيجة وتنطلق طاقاتهم للتفوق. المقارنة بين الأولاد تثير بينهم الضغينة وتفتقد للموضوعية نظراً لاختلاف قدرات كل منهم 3- المقارنة: إن الله عادل ونعماءه علينا متباينة، وكل ولد أنعم الله عليه بما يمكنه من التوفيق في مجال ما، فمن أهم مقومات التربية التعرف على قدرات أولادنا ومساعدتهم على اختيار المجال المناسب لهم. بصفة عامة إن المقارنة بين الأولاد تثير في النفس الضغينة نتيجة الشعور بالنقص أو الزيادة، بالإضافة إلى افتقادها للموضوعية لاختلاف قدرات كل منهم وبيئته الدراسية. لذا يجب مقارنة الولد بنفسه: – قدراته وما أنعم الله عليه من نعم ومدى كفاءة استخدامه لها. – مقارنة أدائه هذا الشهر بالشهر الماضي مثلا، والأسباب التي أدت للتغير سلباً أو إيجاباً. جـ- الحب المشروط: يجب التفريق كلية بين علاقتنا الوجدانية مع أولادنا ومدى ما يبذلونه من مجهود أو ما يحققنه من نتائج، إن من حق ولدي عليَّ أن أشعره بحبي وتقديري، بل واحترامي له لأنه ولدي، دون النظر لما يبذله من مجهود أو ما يحقق من نتائج، من الأخطاء الشائعة ما يعرف بالحب المشروط، حيث يقول الوالد: «سأحبك إذا ما حصلت على امتياز». لذا يجب الفصل بين رعايتنا لأولادنا -وهذا فرض علينا وليس فضلاً منا- وبين ما يحققونه من نتائج، وعدم الربط بينهما، كما يجب التركيز على نقد التصرف دون الذات، فلا تقل: «أنت مهمل»، ولكن تساءل: كيف يمكن توصيف عدم الالتزام بعمل الواجبات بدقة في المواعيد المحددة؟ د- معالجة قصور الأولاد: 1- استثارة الدوافع: من المؤكد أن الوالدين لديهما القناعة الكاملة أنهما مهما بذلا من مجهود وقيدا الخناق وأصدرا الأوامر ليدرس أولادهما، فلن يفعل الأولاد إلا إذا أردوا هم ذلك، لذا فمن المهم توليد الدوافع لديهم؛ فشتان بين التحصيل الدراسي الناتج عن المذاكرة نتيجة أوامر الوالدين أو خوفاً من العقاب أو طمعا في الثواب، وبين من يذاكر بدافع ذاتي، لذا يجب على الوالدين توليد الدوافع لدى أولادهما بما يتناسب مع شخصية كل ولد، وهذه بعض من الدوافع: – دوافع دينية: يقول عز وجل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) (الأحزاب: 36)، تعتبر الدوافع الدينية من أهم الدوافع لدى المؤمنين؛ لذا فالاستدلال بآية كريمة أو حديث شريف لتوليد قناعات تدفع الأولاد للمذاكرة مثلا، يغنيهم عن الأمر بالمذاكرة، ومن الآيات التي يمكن الاستدلال بها: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (الأنفال: 60)، والأمة تحتاج إلى إعداد العلماء، لذا فالطالب الذي يجتهد في دراسته بنية تقوية الأمة بعلمه فقد أطاع أمر الله بالاستعداد بدراسته لتقوية الأمة، كذلك ما رواه الإمام البيهقي رحمه الله عن أم المؤمنين عَائِشَةَ بنت الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وعن أبيها أنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ». – دوافع تحقيق الذات: إن الحديث مع الأولاد عن مستقبلهم وأحلامهم وما يتمنون وكيفية تحقيقهم لها، من خلال تخطيطهم لحياتهم، ومتابعة إنجازاتهم يطلق طاقاتهم الإبداعية نحو تحقيق ذواتهم. – دوافع الثواب: وأود التركيز على الإثابة المعنوية؛ مثل لوحة التميز العائلية التي يجب أن تتضمن عدة محاور في التميز مثل الانتظام في الصلاة، والبر، ومساعدة الآخرين، والدراسة ونظافة المنزل..، بحيث يجد كل ولد فرصة للتميز في أحد هذه المجالات. – الدوافع الوجدانية: رغم قيمة وأهمية باقي الدوافع فإن من أكثر الدوافع تأثيراً على الأولاد الحب؛ فتأثير الحب بصفة عامة إذا ما أحسن توظيفه يحل بل يمنع كثيراً من المشكلات مع الأولاد. 2- الرقابة الذاتية: بعد توليد القناعات واستثارة الدوافع لتحقيقها، يجب تحميل الأولاد لمسؤولياتهم، ومراقبتهم لأنفسهم، ويجب متابعتهم وليس مراقبتهم، من خلال بيان معنى الإحسان، «اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (الحديث). 3- النموذج العملي: أولادنا لا يفعلون ما نقول، بل يفعلون ما نفعل، إن بيان قيمة الاجتهاد في العمل وتحمل المسؤولية من خلال مصاحبة الأولاد والحديث عن عمل الوالد أو أثر الاجتهاد الدراسي على مستقبل الإنسان، أبلغ أثراً من المواعظ ودروس الوالدين التي حفظها الأولاد من كثرة تكرارها. ثانياً: كيفية علاج الخلل التربوي: يجب عليك أيها الوالد الكريم: 1- المسارعة بتصحيح أخطائك التربوية بناء على ما سبق، والاستغفار عن ظلمك لولديك، لأنك ظلمت المتفوق بالمبالغة حتى اغتر بنفسه، وظلمت ذا القدرات الدراسية المحدودة بسوء معاملته. 2- عليك احتواء أحمد، وبيان أنك أخطأت، وعليك تبرير ذلك بإظهار حبك له وحرصك على مصلحته. 3- عليك الاجتهاد بالعدل بين الأولاد، والبعد عن كل ما قد يستثير المنافسة السلبية بينهم، ومكافأة من يعبر عن حبه لأخيه، وعمل أنشطة مشتركة بينهما. 4- التعرف على قدرات كل ولد ومساعدته على حسن استخدامها.