الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
236 - رقم الاستشارة : 738
19/01/2025
أنا ولد وحيد عمري ١٤ سنة، والدتي متوفية ودائما حزين وأبكي مع نفسي كثيرا.
ابني الحبيب، البقاء لله تعالى.. وكان الله بعونك وصبّرك على فراقها.
في البداية أود أن أخبرك بأن مشاعرك طبيعية جدًّا؛ فالحزن على فقدان الأم هو شعور فطري يعكس مدى حبك وارتباطك بها.
في علم النفس الحزن هو جزء من عملية الشفاء العاطفي التي تساعدك على التكيف مع الفقدان، لكن من المهم أن نتعامل مع هذه المشاعر بشكل صحي.
يشير علماء النفس إلى أن التعبير عن الحزن، مثل البكاء، يساعد على تخفيف الألم النفسي ويُعد وسيلة للتنفيس العاطفي، ومع ذلك، إذا استمر الحزن بشكل يُعيق حياتك اليومية، فمن الضروري البحث عن وسائل تُعينك على التكيف.. منها:
أولا: الرجوع إلى الله هو مصدر للطمأنينة.. ففي ديننا الحنيف نجد أن الله سبحانه وتعالى يطمئن قلوب المؤمنين، ويعلمنا كيفية التعامل مع المصائب بالصبر والإيمان، يقول الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌۭ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ﴾.. إذًا فالتسليم بأن الله أرحم بالإنسان من نفسه، يخفف من وطأة الحزن.
حتى رسولنا الكريم ﷺ عاش تجربة الفقدان، حيث فقد والدته آمنة بنت وهب وهو صغير، ورغم ذلك، كان يُظهر حزنه بطريقة متزنة؛ ففي وفاة ابنه إبراهيم، قال: ""إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ".
هذا يعلمنا أن التعبير عن الحزن مسموح به، لكن مع الحفاظ على الرضا بقضاء الله وقدره.
▪ وأهديك ابني الحبيب هذه الخطوات الآتية للتخفيف عن نفسك من الحزن:
1- لا تبقَ وحيدًا مع حزنك، تحدث مع والدك (فهو يحتاج إليك مثلما تحتاج إليه)، أحد أقاربك، أو صديق تثق به؛ فالدعم الاجتماعي بالانخراط في مجتمعك المحيط، ضروري لتخفيف ألمك النفسي.
2- أوصيك بكثرة الدعاء لنفسك بالخير، فهو مخ العبادة ويُقرب القلب من الله عز وجل، ويشعرك بالراحة، وكذلك الدعاء لوالدتك بالرحمة والمغفرة والعفو التام، فهي بحاجة إلى ذلك، حيث يقول النبي ﷺ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ."
٣- املأ وقتك بأنشطة مفيدة، مثل ممارسة الرياضة، قراءة الكتب، أو تعلم مهارة جديدة يساعد على تشتيت الذهن عن التفكير المستمر في الحزن.
4- فضفض لنفسك من خلال كتابة مشاعرك.. فأحيانًا يكون من المفيد أن تكتب ما تشعر به؛ لأن الكتابة تُعد وسيلة فعالة للتنفيس العاطفي.
5- في كتاباتك ركِّز على الذكريات الجميلة التي جمعتك بوالدتك، كما يمكنك الاحتفاظ بألبوم للصور أو تدوين لحظات لا تُنسى قضيتها معها، بشرط ألا تستسلم لمشاعر الحزن، ارفع مستوى الصوت من داخلك: بأنك الأقوى، وتستطيع أن تهزم مشاعرك السلبية، وتصبح كما كانت أمك تتمنى لك.
6- إن شعرت أن الحزن ما زال يثقل قلبك، فلا تتردد في طلب التحدث مع مستشار نفسي ليساعدك على فهم مشاعرك بشكل أعمق.
▪ وأخيرًا همسة إلى قلب ابني الحبيب:
ثق أنك لست وحدك، الله معك في كل لحظة، اجعل حزنك دافعًا لتكون إنسانًا قويًّا يسير على درب والدته، ويُسعدها بدعواته وأعماله الصالحة. وتذكر دائمًا قول الله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا﴾.
أسأل الله أن يربط على قلبك، وأن يجعل والدتك في أعلى درجات الجنة.