22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 326
  • رقم الاستشارة : 794
25/01/2025

أنا شاب في السادسة عشرة من عمري، أكره والدي ووالدتي بشدة ولا أستطيع أن أتحمل وجودهما في حياتي. أشعر بأنهما السبب في كل مشاكلي. أبي دائم الانتقاد ولا يرى مني إلا العيوب ويقسو جدا عليّ، وأمي لا تهتم بمشاعري على الإطلاق. دائمًا يقولان لي: "نحن نفعل هذا لمصلحتك"! لكنني لا أرى أي مصلحة في الأمر. لا أشعر بالحب منهما، بل أشعر وكأنهما يحاولان التحكم في حياتي وكأنني آلة يجب أن تنفذ أوامرهما. كلما حاولت أن أعبّر عن نفسي، يسخران من كلامي أو يلومانني وعنفاني. أصبحت تراودني أفكار شريرة، حتى أنني أحيانًا أتمنى ألا يكونا موجودين في حياتي. أشعر بالذنب لأنني أفكر هكذا، لكن لا أستطيع السيطرة على هذه المشاعر. ماذا أفعل؟ وهل أنا مخطئ في كراهيتي لهما؟"

الإجابة 25/01/2025

ابني العزيز،

أنت شاب شجاع، وأحييك على شجاعتك هذه في التعبير عن مشاعرك وأفكارك؛ لأن هذا دليل على أنك تبحث عن الحل وتريد أن تفهم نفسك بشكل أفضل، كما أنك تحاول إصلاح ما بينك وبين والديك لتعيش بينهما بدون ضغوط نفسية.

إن ما تمر به ليس أمرًا غريبًا، فالمراهقة هي مرحلة مليئة بالتحديات النفسية والعاطفية، وهي فترة انتقالية حيث تبحث عن هويتك واستقلاليتك.

ولا بد في البداية أن تفهم مشاعرك النفسية حتى تكون على وعي بتصرفاتك وما تذهب إليه أفكارك..

مشاعرك بالكره قد تكون نتيجة تراكمات نفسية ناتجة عن شعورك بعدم التقدير أو القبول من والديك، فإن شعور الطفل أو المراهق بالحب غير المشروط من والديه يُعتبر أساسًا مُهمًّا لتكوين علاقة صحية معهم، وعندما يغيب هذا الشعور بسبب النقد المستمر أو قلة التعبير عن الحب، قد يشعر الابن بالرفض العاطفي (Emotional Rejection) من والديه إليه والعكس..

ما تعبر عنه أيضًا يمكن أن يكون مرتبطًا بما يُعرف بـحالة شائعة في المراهقة تجعلك تشعر بأنك الوحيد الذي يعاني أو أن مشاكلك أكبر من أن يفهمها الآخرون.

وحتى لا أطيل عليك، فسوف أوصيك بعدة نصائح عملية، وأتمنى أن تعمل بها، حتى تستطيع التعامل مع مشاعرك إن شاء الله تعالى:

1- لا بد من التعبير عن مشاعرك بطريقة صحية:

فبدلاً من كتمان غضبك أو توجيهه نحو أفكار شريرة، حاول أن تجد وسيلة للتواصل مع والديك بهدوء؛ فمثلا، يمكنك أن تبدأ الحديث معهما بجمل مثل: "أشعر أنني غير مفهوم عندما"... أو "أحتاج إلى أن أُسمَع دون انتقاد."

وقد قال النبي ﷺ: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"؛ فدرّب نفسك على التحكم في عصبيتك وغضبك وخاصة مع والديك.

2- محاولة فهم نوايا والديك:

قد تكون طريقة والديك قاسية أو خاطئة، لكنها غالبًا نابعة من خوفهما عليك ورغبتهما في الأفضل لك. حاول أن تنظر إلى تصرفاتهما من زاوية أخرى، وتذكر أن الله أوصانا بل أمرنا بطاعة الوالدين ومعاملتهم باللين والإحسان، حيث قال عز وجل: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء: 23)، فالإحسان إليهما يشمل محاولة فهم مواقفهما تجاهك..

كذلك قال الله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء: 24).

مع اقتناعك بأن الوالدين بشر قد يخطئون، لكن دورك كابن أن تُحسن إليهما برحمة وانكسار مهما كان ومهما صدر منهما.

وقال النبي ﷺ: "رِضا اللهِ في رِضا الوالدِ، وسَخَطُ اللهِ في سَخَطِ الوالدِ".. فسعيك لتحسين علاقتك بهما سيُقرّبك من رضا الله.

3- التسامح الداخلي مع نفسك:

فالكراهية يا بني تستنزف طاقتك النفسية وتُسبب لك ألمًا داخليًّا أكثر من أي شيء آخر، فقم بتحرير نفسك من عبء المشاعر السلبية. سامح والديك ليس لأنهما معصومان من الخطأ، ولكن لتعيش بسلام داخلي، ثم إنك لم تجرب فقدانهما وأدعو الله ألا تجربه، فهو أمر صعب جدًّا على النفس، وأنت لن تستطيع الاستغناء عنهما، كذلك هم، فأنت أجمل ما في حياتهما وأغلى عندهما من كنوز الدنيا، بارك الله لك فيهما وبارك فيك.

4- ابحث عن شخص وسيط بينكم:

إذا شعرت أن التواصل المباشر صعب، اطلب المساعدة من أحد أفراد العائلة المقربين ممن تثق به؛ فوجود شخص وسيط قد يساعد في تحسين التفاهم بينك وبين والديك.

5-  لا بد أن تتحكم في أفكارك السلبية وتسيطر عليها حتى لا تهزمك:

فكن أنت الأقوى واسبقها بالهزيمة؛ فالأفكار الشريرة التي تراودك قد تكون علامة على الغضب المكبوت أو الإحباط.

حاول أن تفرغ هذه الطاقة في أنشطة إيجابية، مثل الرياضة أو الكتابة أو أي هواية تحبها، فإن النفس لأمّارة بالسوء إن تركتها بدون تهذيب ومجاهدة، وهو أمر ضروري.

6- النقطة الأخيرة والأهم على الإطلاق وهي وصيتى لك بضرورة التزامك بالصلاة على وقتها، فكلما كنت مع الله كان الله معك دائما، وحفظك من نفسك الأمارة بالسوء وأبعد عنك الشيطان والعياذ بالله، قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ (البقر: 45).

وقد قال الله تعالى في حديثه القدسي: "... ما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن دعاني لأجيبنه، ولئن استعاذَني لأعيذنَّه".

▪ وهمسة أخيرة لابنى الكريم:

أثق أن مشاعرك مؤلمة، لكن الكراهية ليست الحل.

حاول أن تبدأ بالتواصل البناء والتفهم، واعلم أن علاقتك بوالديك تحتاج إلى الصبر والجهد من الطرفين.

لا تدع هذه المرحلة تتحول إلى جدار يفصلك عن حبهما.

اجعل هدفك بناء جسر من التفاهم والاحترام، وأحسن النية في أقوالك وأفعالك.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهديك ووالديك لما يحب ويرضى، وأن يصلح أحوالكم جميعًا.