الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
248 - رقم الاستشارة : 727
19/01/2025
السلام عليكم دكتورة.. أستحلفك بالله تساعدينا لأن الدنيا أصبحت ضيقة في وجهي.. ابنتي كانت دائمًا مصدر سعادتي وفخري، لكن في السنوات الأخيرة، بدأت تعاني من مشكلة أثرت على حياتها بشكل كبير، وهي التبول اللاإرادي.. عندما كانت طفلة صغيرة، كنا نعتبر الأمر طبيعيًا ومؤقتًا، لكن استمرار المشكلة حتى هذا العمر جعلني أشعر بالقلق العميق، لجأت إلى العديد من الأطباء، منهم أطباء الأطفال، وأطباء المسالك البولية، وأخصائيي الأعصاب، وأكدوا لي جميعًا أن لا مشاكل عضوية واضحة، ومع ذلك، استمرت المشكلة. مع مرور الوقت، أصبحت ابنتي تنسحب تدريجيًا من أنشطتها الاجتماعية، تشعر بالخجل، وترفض المشاركة في الرحلات المدرسية أو حتى زيارة الأقارب، باتت تستيقظ ليالي كثيرة وهي تبكي بحرقة، تعتذر بلا ذنب، وتشعر بالنقص مقارنة بزميلاتها... أنا كأم أشعر بعجزي أمام معاناتها وأتساءل: هل أخطأت في تربيتها؟ هل هناك شيء في بيئتنا الأسرية أثر عليها؟ دكتورة كيف يمكنني مساعدتها للخروج من هذه الأزمة التي أثقلت قلبها وقلبي وأثرت على ثقتها بنفسها؟
أيتها الأم الكريمة،
أولاً: أحييكِ لحرصك على البحث عن الحلول والذي يعكس مدى حبك لابنتك ووعيك بدورك التربوي.
ثانيًا: مشكلتها ليست فشلًا منك، بل هي عرَض يمكن التعامل معه من خلال فهم جذوره النفسية والعمل على تخفيف أثره بإذن الله تعالى.
ولا بد في البداية أن أشير باختصار إلى أن حالتها هنا هي عبارة عن تبول لاإرادي ثانوي (Secondary Enuresis)، وهو النوع الذي يحدث بعد فترة من التحكم الطبيعي في البول، وغالبًا ما يرتبط بعوامل نفسية، خاصة إذا استُبعدت الأسباب العضوية كما وضحتِ أنت في رسالتك...
ومن أبرز الأسباب النفسية له:
- التوتر النفسي (Psychological Stress):
قد تكون ابنتك تعرضت لضغط نفسي أو صدمة، مثل مشكلات أسرية، أو صعوبات دراسية، أو حتى تغييرات مفاجئة في حياتها.
- مشاعر الخجل والدونية:
التبول اللاإرادي يسبب إحساسًا بالخجل والإحباط؛ ما يؤثر سلبًا على ثقتها بنفسها، ويُدخلها في دائرة مفرغة من القلق والتبول.
- نمط التربية أو التجارب المبكرة:
قد يكون هناك تأثير من تجارب الطفولة المبكرة أو أسلوب العقاب القاسي أو التوبيخ المستمر لأي سبب وربما بدون أسباب تستحق ذلك العقاب القاسي.
وهنا أجد أنه من الضرورى أن تلتزمي معها بما سأذكره لك من نصائح عملية، ولا تملّي أنت ولا هي من اتباعها:
١- تعزيز البيئة الآمنة:(Safe Environment)
اجعلي بيتك ملاذًا آمنًا لها، حيث لا تشعر بالخجل أو الإحراج من مشكلتها، أكدي لها أن ما تمر به ليس خطأها، وأنها ليست وحدها من يحدث لها ذلك، وقد يكونون أكبر منها سنًّا.
٢- العلاج السلوكي (Behavioral Therapy):
اعتمدي على طريقة التعزيز الإيجابي بدلاً من العقاب، مثل:
- أن تضعي لها مكافآت صغيرة عند الليالي الجافة!
- أن تشجعيها على استخدام الحمام قبل النوم.
٣- تدريب المثانة (Bladder Training):
مهم جدًّا جدًّا أن تدربيها على التحكم في المثانة بزيادة الفترات بين استخدام الحمام بالنهار أثناء استيقاظها ووعيها.
- نسقي وحددى معها مواعيد للاستيقاظ ليلاً للتبول، على أن تتأكدي وقتها أنها استفاقت فعليًّا.
٤- معالجة التوتر (Stress Management):
- مهم جدًّا أن تتحدثي معها بانتظام واحتواء واحتضان عن مشاعرها ومخاوفها.
- ساعديها على تعلم طرق الاسترخاء مثل التنفس العميق، وتمارين الاسترخاء العضلي.
٥- هناك أيضا أسلوب جيد للعلاج كما تفضلت باستشارتي، وهو العلاج السلوكي المعرفي (CBT) وهو ضروري لمعالجة الأسباب الجذرية لحالة ابنتك، ويكون عن طريق متابعة استشاري مُعالج نفسي (psychotherapist) لابنتك، هذا طبعًا في حال استمرار المشكلة لا قدر الله.
لكن ثقي في الله أنك إن اتبعتِ هذه النصائح العملية العلمية فسوف تأتي بثمار إيجابية مُرضية إن شاء الله تعالى؛ لأنها -من فضل الله تعالى- كانت سببًا في علاج الكثير ممن هم كانوا في نفس حالة ابنتك تقريبا، من الجنسين.
▪ كما أوصيكِ أختي الغالية بتعزيز الجانب الروحي الإيماني لديها لإكسابها طمأنينة وثقة بالله.
ذكّريها بأن الله رحيم بعباده، وأن الشفاء بيده سبحانه عز وجل.
قولي لها إن الله وعد باليسر بعد العسر، كما قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾.
وذكريها بقول الله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، لتشعر بأن ما تمر به في حدود قدرتها على التحمل.
شجعيها على الدعاء، وادعي معها: "اللهم اشفها شفاءً لا يغادر سقمًا".
وأيضا: "رب إنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين".
وأكدي لها على قول النبي ﷺ: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء"، ذكريها بكل هذا وذكري نفسك معها، حتى تستمدي أنت وهي معًا القوة والإرادة والأمل، بأن الحل موجود بإذن الله تعالى.
▪ وهمسة أخيرة إلى قلب أختي:
مشكلة ابنتك ليست نهاية العالم، بل هي مرحلة تحتاج إلى التعامل بحب وصبر.. واصلي دعمك لابنتك الحبيبة نفسيًّا وروحيًّا، واعملي على تعزيز ثقتها بنفسها بحب ورفق واحتواء، وستجدين أن معاناتها ستخف تدريجيًّا بإذن الله.
أسأل الله تعالى لها الشفاء التام والعاجل ولك الاطمئنان والرضا والسكينة والفرحة بهذا الشفاء.